أوضح إيلي فوده، أستاذ الدراسات الإسلامية والشرق الأوسطية في الجامعة العبرية، وهو يكتب حالياً عن علاقات إسرائيل السرية بدول المنطق، أنه بدءاً من الثمانينيات، دأب ضابط الموساد ناحيك نبوت على الاجتماع إلى سلطان عُمان بشكل دوري. وتناولت المحادثات المصالح المشتركة بين الدولتين، التي شملت التخوف من تمدد النفوذ والسلاح السوفيتيين في المنطقة، والثورة في إيران، وعملية السلام. نقطة التحول في العلاقات بين إسرائيل وعُمان حدثت بعد مؤتمر مدريد [1991]، وتوقيع اتفاقات أوسلو، واتفاق السلام مع الأردن.
وجرت اتصالات غير رسمية بين الدولتين في أروقة الأمم المتحدة. وفي نوفمبر 1994، عقد يوسي بيلين، الذي كان نائباً لوزير الخارجية، آنذاك، اجتماعاً سرياً إلى موظف عُماني رفيع المستوى للبحث في العلاقات بين الدولتين. هذه الاتصالات وغيرها دفعت عُمان إلى اتخاذ قرار استضافة الاجتماعات السرية لمجموعة العمل التي عالجت موضوع المياه ضمن المحادثات المتعددة الأطراف في عملية أوسلو، في العاصمة مسقط، في أبريل 1994.
تدخّل عُمان ومشاركتها في مجموعة العمل لم يكونا في السر. لكن الاتصالات السرية بين يوسي بيلين ويوسف بن علوي، وزير خارجية عُمان، هدفت إلى إعداد الأرضية للقاء بين رئيس الحكومة يتسحاق رابين والسلطان قابوس جرى في 27 ديسمبر 1994، بعد أشهر قليلة من توقيع الاتفاق بين رابين والملك حسين. وكان هذا اللقاء هو اللقاء العلني الأول بين زعيم إسرائيلي وحاكم عربي في الخليج. وكان الخطر الإيراني منذ ذلك الحين موضوعاً مشتركاً في المحادثات.
الزيارة التي جرت تغطيتها إعلامياً عرّضت عُمان لانتقادات العالم العربي، ونتيجة لذلك ظلت أغلبية الاتصالات تجري من وراء الكواليس، لكن بعضها كان أيضاً علنياً، مثل الاجتماع بين وزير الخارجية شمعون بيرس ونظيرة العماني العلوي في واشنطن في يوليو 1995. وقد أدى اغتيال رابين، الذي مثّل العلوي السلطنة في جنازته، إلى تعزيز العلاقات العلنية. وفي يناير 1996، وقّعت عُمان وإسرائيل اتفاقاً لإقامة "مكاتب للتمثيل التجاري".
في أبريل 1996، قام بيرس بزيارة إلى عُمان وقطر. وجرت الزيارة في قصر السلطان الصيفي في صلالة، ورافقه فيها داني غيرلمان، رئيس اتحاد غرف التجارة، ورجال أعمال آخرون بهدف الدفع قدماً بالعلاقات الاقتصادية. ومن أجل إعطاء الزيارة طابعاً استثنائياً أصر مستشار بيرس، آفي جيل، على استقبال بيرس في استعراض عسكري وعزف نشيد "هتكفا"، وفي سبتمبر 1999، التقى وزير الخارجية، ديفيد ليفي بالعلوي على هامش الجمعية العامة في الأمم المتحدة.
في تلك المرحلة تحولت الاجتماعات بين ممثلين إسرائيليين وممثلين دبلوماسيين من الدول العربية في أثناء انعقاد الجمعية العامة السنوي إلى أمر اعتيادي، لكن عُمان اضطرت إلى إغلاق الممثلية الإسرائيلية في بداية سنة 2000 بسبب الانتفاضة الفلسطينية. وفي سنة 2008، عُلم أن وزيرة الخارجية تسيبي ليفني التقت بوزير الخارجية العلوي لدى مشاركتها في منتدى الدوحة في قطر.
المشروع الأكثر أهمية بين إسرائيل وعُمان كان إنشاء مركز لأبحاث الشرق الأوسط لتحلية المياه(Middle East Research Center MEDRC) الذي دُشن في سنة 1997. والمشروع هو نتيجة محادثات ضمن مجموعة العمل المتعددة الأطراف التي عالجت المياه والبيئة، وموّلتها الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واليابان، وعُمان وإسرائيل. لقد كان من مصلحة عُمان، وهي دولة صحراوية وبحاجة إلى مياه، إقامة المركز على أراضيها. وتحت غطاء مشروع تكنولوجي، كان في إمكان عُمان وإسرائيل إقامة صلات سرية سياسية، لم تكن تحظى بالشرعية في الإعلام وفي الشارع العربي، وكان ممكنا لممثلين عن إسرائيل الاجتماع إلى ممثلي دول عربية (أساساً من الخليج) ليست لديها علاقات دبلوماسية بإسرائيل، وفقا لما أورده الكاتب.
واستمر مركز تحلية المياه في العمل في فترة الانتفاضة، وبعد إغلاق الممثلية التجارية لإسرائيل في عمان. ويمكن الافتراض أنه تحت غطاء هذا المركز استمرت أيضاً الاتصالات السياسية بعُمان وبدول خليجية أُخرى. وتدل وثائق ويكيليكس التي سُربت على شبكة الانترنت على وجود صلات بين إسرائيل وعُمان ودول خليجية أُخرى في تلك الفترة، تمحورت حول التعاون الممكن لمواجهة التهديد النووي الإيراني. وعلى هذا، ترمز زيارة نتنياهو إلى عُمان إلى الاستئناف الرسمي لقصة حب قديمة. ومع ذلك، يقول الكاتب، يدل استعداد عُمان لإظهار الاجتماع إلى العلن على جرأة وثقة بالنفس. ورأى أن السبب الحقيقي للزيارة سيظهر بالتأكيد في وقت قريب.
وقد زار وزير المواصلات والاستخبارات، يسرائيل كاتس، عُمان هذا الأسبوع للمشاركة في مؤتمر دولي حول المواصلات، ولتقديم مشروعهد "سكك السلام" التي من المفترض أن تربط إسرائيل بالخليج عن طريق الأردن. والطريق لا تزال طويلة من أجل تحقيق هذه الفكرة. وقد علق "جايسون غرينبلات" (المبعوث الأمريكي للسلام) على هذه الزيارة، قائلا: : "وزير الاستخبارات والمواصلات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في زيارة إلى سلطنة عمان لحضور لقاء دولي. وسوف يقدم خطة لبناء خط سكة حديد بين إسرائيل والأردن والسعودية والخليج. دعونا نواصل الحوار، وهذه الجهود تدعم جهودنا". وكتب المحلل الخبير في الشأن الإسرائيلي في مجموعة الأزمات الدولية، عوفر زالزبرغ، في الموضوع ذاته: "بينما تبدو بعض دول الخليج جاهزة لربط البنية التحتية بإسرائيل (ضمن مشروع خط سكة الحديد) في غياب التقدم الكبير في الملف الفلسطيني، فإن الأردن أكثر تحفظًا، وهو السبب الرئيس وراء عدم تحقق هذا المشروع حتى الآن".
وفي السياق ذاته، كتبت المستشرقة الإسرائيلية "سمدار بيري"، أنه "في كل إمارات الخليج يحوم عملاء إسرائيليون، إلى جانب رجال تكنولوجيا ورجال أعمال. أنت تتحدث مع عُماني أو بحريني أو قطري فينكشف أمامك عالم جديد، بلا ضغط وبلا توتر. لن يعقدوا اتفاقات سلام مع إسرائيل، ولكنهم يرون الإسرائيليين الآن بعيون مختلفة". وكتبت، قبل أيام، في "يديعوت أحرونوت" (المقربة من الاستخبارات الإسرائيلية)، من الدوحة، عن مشاركة إسرائيلية في مؤتمر إثراء المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط، الذي تنظمه وزارة الخارجية القطرية. ونقلت الصحافية الإسرائيلية، قبل أيام، أن "الدوحة تستضيف في هذه الأيام رياضيين إسرائيليين وكذلك ضباطاً إسرائيليين سابقين ومستشارين سياسيين في مؤتمر سياسي اقتصادي خاص برعاية الخارجية القطرية"، وعلقت أن الإسرائيليين "ليسوا موجودين في أبو ظبي وعُمان فحسب، وإنّما كذلك في الدوحة".
وأضافت "بيري" أنّ الدوحة تستضيف مجموعة إسرائيلية أخرى، تشارك في مؤتمر اقتصادي- سياسي، بدعوة رسمية من القطريين، موضحة أنّها تحدثت إلى مسؤول قطري كبير وأسَرَّ لها أنّه "يتوقّع تحسن العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج أكثر، وأن الدولة الخليجية التالية التي ستحسن علاقاتها مع إسرائيل بعد عمان والإمارات ستكون البحرين". ووصف المسؤول القطري "الكبير"، الذي لم تكشف "بيري" عن هويته، العلاقات بين إسرائيل والسعودية بـ"العميقة جداً"، لكنّه قال إنّ "العلاقات ستبقى خلف الستار في الوقت الراهن، بناءً على رغبة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان".
ولكن يبقى الرهان الإسرائيلي على النظام السعودي، وتحديدا ولي العهد، محمد بن سلمان، هو الأهم والأكثر حرصا، ولهذا تحرك نتنياهو، في السر وفي العلن، للدفاع عن الحاكم الفعلي للمملكة، الأمير محمد بن سلمان. وقد أوضحت صحيفة "واشنطن بوست" أنه ناشد المسؤولين الأمريكيين عدم المساس بالعلاقات مع السعوديين لأنهم حلفاء لا يُستغنى عنهم في المنطقة. وحذر من المساس باستقرار النظام السعودي، وهو في هذا يعني ولي العهد، فهو الحاكم الفعلي حاليا وليس ثمة في النظام غير، على الأقل حتى الآن، وضغط على المسؤولين الأمريكيين لضرورة التعامل مع هذه القضية بما يراعي الأولويات الإسرائيلية في المنطقة،
وفي هذا إقرار مباشر من نتنياهو بأهمية النظام السعودي، وتحديداً محمد بن سلمان، في تنفيذ سياساته وحماية مصالح وأمن الكيان الصهيوني، كما إن تخوفه من المساس بولي العهد لما قد يؤثر في المخطط الذي يرتكز على الحلف الثلاثي: ترامب – نتنياهو – ابن سلمان.
ومن المهام التي يتكفل بها ابن سلمان، وفقا لتقديرات صحافية، تمويل الكثير من النشاطات المتصلة بإسرائيل، وهو ما كشفه ترامب نفسه قبل أيام، في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال":"السعودية حليف جيد جداً فيما يتعلق بإسرائيل وإيران"، كاشفا أن السعودية "ساعدتنا كثيراً في دعم إسرائيل، كما إنهم يمولون الكثير من الأمور".