مصلحة ناشئة تعثر عليها الهند مع سوريا التي مزقتها الحرب الأهلية، والتي دعتها حكومة النظام السوري، مؤخرا، للمشاركة في جهود إعادة إعمار البلاد من خلال تقديم المحفزات الخاصة والإعفاءات الضريبية المميزة.
وسبق لأكثر من 30 شركة هندية خاصة أن تقدمت بعروضها للمشاركة في معرض دمشق الدولي الذي يقام بين 6 إلى 15 سبتمبر (أيلول) الجاري بمشاركة 62 دولة. وسيكون على رأس الوفد الهندي المشارك في المعرض وزيرة الشؤون الخارجية الهندية سوشما سواراج التي تشارك أيضا في اجتماع لجنة الأعمال المشتركة بالتزامن مع فترة المعرض.
وصرح السفير السوري في الهند رياض كامل عباس، بأنه سيكون للهند أكبر جناح في المعرض، مع إعفاءات ضريبية للشركات الهندية الراغبة في المشاركة في المعرض التجاري السوري.
والهند هي إحدى الدول القليلة التي حافظت على علاقات ودية مع النظام السوري، ولعبت دورا مؤيدا للرئيس الأسد وإجراءاته، على الرغم من العقوبات الدولية المفروضة عليه.
وقال السفير السوري لدى الهند في تصريحه: «بدلا من الشركات الغربية، فإننا نرغب في تيسير الفرصة للبلدان الصديقة مثل الهند، في جهود إعادة إعمار البلاد. وقد أعربت كثير من الشركات الهندية عن رغبتها في العمل داخل سوريا. وبدأنا في إصدار التأشيرات الخاصة بهذا الصدد اعتبارا من العام الماضي، وهناك ما يقرب من 400 مواطن هندي يعملون بالفعل في سوريا»، بحسب تعبيره.
ووفقا لتقرير إخباري نشرته وكالة «بي تي آي»، طلبت سوريا أيضا من الحكومة الهندية إعادة تشغيل الخطوط الجوية السورية. وقبل اندلاع الحرب الأهلية، كانت الخطوط الجوية السورية تسير الرحلات الجوية المباشرة من نيودلهي إلى دمشق ثلاث مرات في الأسبوع.
ووفقا للمصادر المطلعة في وزارة الشؤون الخارجية الهندية، صدرت الأوامر للمسؤولين بدعوة أكبر عدد ممكن من الشركات الهندية للمشاركة في معرض دمشق التجاري الدولي. ومن بين الشركات الهندية المشاركة هناك شركات عملاقة مثل «بي إس يو»، و«أو إن جي سي»، و«بي إتش إي إل»، من بين كثير من عمالقة أعمال البناء والهندسة المعمارية الهندية.
ووفقا للبنك الدولي، تحتاج سوريا إلى ما يقرب من 300 مليار دولار لإعادة بناء ما دمرته الحرب الأهلية في البلاد. ومع استبعاد النظام السوري مشاركة الغرب من خطط إعادة البناء، تعتبر كل من روسيا، وإيران، والصين، والهند من الشركاء الرئيسيين لسوريا في جهود ما بعد الحرب، الأمر الذي يعتبر تطورا جيوسياسيا كبيرا من شأنه أن يغير فعليا من موازين القوة في منطقة الشرق الأوسط.
وحافظت كل من الهند وسوريا، تاريخيا، على العلاقات الودية بينهما. وحتى في القضايا المثيرة للجدل مثل كشمير، التزمت دمشق تأييد موقف نيودلهي، في حين دعمت الهند الموقف السوري فيما يتعلق بمرتفعات الجولان المحتلة إسرائيليا. كما أيد الرئيس بشار الأسد حصول الهند على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي. وقام الأسد بزيارة رسمية إلى الهند في عام 2008، تبعتها زيارة رسمية من نظيره الهندي في عام 2010.
وفي خضم الأزمة السورية الراهنة، حافظت نيودلهي على التواصل الدبلوماسي مع دمشق من خلال بقاء سفارتها مفتوحة تحت قيادة القائم بالأعمال الهندي في البلاد. وتعهدت الهند، بتقديم مساعدات إلى سوريا بقيمة 4 ملايين دولار، لم تحصل دمشق عليها بعد.
وقام عدد من المسؤولين الحكوميين السوريين بزيارة العاصمة نيودلهي لإجراء مباحثات ومشاورات في الوقت الذي قامت فيه وفود من الهند كذلك بزيارة دمشق، حتى في ذروة الحرب. وفي يناير (كانون الثاني) من عام 2016، استضافت الهند نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية السوري وليد المعلم في أعقاب زيارة رسمية قام بها وزير الخارجية الهندي إم. جيه. أكبر، لإجراء محادثات مع الرئيس الأسد. وفي وقت مبكر من العام الحالي، استضافت الهند مساعد وزير الصناعة السوري حيان سليمان، الذي شدد على التعاون الهندي السوري في المجالات الرئيسية مثل الطب، والتعليم، والتجارة. وتساعد المؤسسات الهندية، النظام السوري في الحصول على الخبرات اللازمة في المجالات الفنية المختلفة. وحتى الآن، حصل النظام على ما قيمته مليون دولار من المساعدات الطبية من الحكومة الهندية، بالإضافة إلى ألف منحة دراسية للطلاب السوريين الراغبين في استكمال الدراسة الجامعية في الهند.
تقول إنشال فوهرا، الخبيرة في شؤون منطقة الشرق الأوسط: «يمكن للهند أن تلعب دورا إيجابيا وبناء في مرحلة ما بعد الحرب في سوريا. وأشارت روسيا على الهند في عام 2016، بتنظيم برنامج لإعادة البناء في سوريا. وأشرفت الخارجية الهندية على الأمر، حتى لا يثير حفيظة الولايات المتحدة الأميركية، إذ إن مثل تلك الخطوة قد تعتبر مؤيدة تماما لروسيا. غير أن الوقت قد حان، لأن تستغل الهند علاقاتها الجيدة مع سوريا، ليس فقط لأجل الحصول على التعاقدات والمشاريع، وإنما لمساعدة وفائدة الشعب السوري كذلك».
المشاريع الهندية في سوريا
قامت شركة أبوللو إنترناشيونال في الآونة الأخيرة، بإبرام مشروع مصنع الحديد والصلب في محافظة حماة والمملوك للدولة، بقيمة 25 مليون دولار أميركي. وفي الأيام المقبلة، سوف يصل مصنع صهر الحديد الخردة إلى مرحلة الإنتاج الكامل بسعة تصل إلى 300 ألف طن متري من قضبان الصلب سنويا، قياسا بـ70 ألف طن سنويا سابقا.
ووفقا لمصادر حكومية هندية، فإن الجانب السوري قد طلب أيضا من نيودلهي البدء في العمل على المشروعات الأخرى المتوقفة. وجددت الهند بالفعل من التزاماتها حيال إحياء المشاريع السابقة على اندلاع الحرب، وتحديدا محطة كهرباء تشرين، التي يمكن اعتبارها من المشروعات الهندية التنموية الرائدة في البلاد. وقبل الصراع الذي نشب في عام 2011، كانت الهند قد وقعت على تعاقد بشأن محطة كهرباء تشرين بقيمة بلغت 320 مليون دولار، تحت إشراف شركة «بهارات هيفي إلكتريك ليمتد»، وتوقف العمل في المشروع بسبب الصراع. وتعهد الجانب الهندي بالإفراج قريبا عن 100 مليون دولار في خط ائتماني مخصص لذلك المشروع.
وعانت بعض المشاريع الأخرى من مصير مماثل. على سبيل المثال، حصلت شركة «أو إن جي سي» فيديش الهندية إلى جانب شركة النفط الوطنية الصينية على حصة بنسبة 37 في المائة في شركة الفرات للبترول السورية، كما فازت الشركة الهندية كذلك بمناقصة للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في القطعة رقم 24 من محافظة دير الزور السورية، وتم التوقف تماما عن مواصلة هذه الاستثمارات بسبب الحرب.
ومع ذلك، يظل تأمين الاستثمارات من أكبر مصادر القلق لدى الشركات الهندية العاملة في سوريا، حيث تشكل تحديات الأمن والسلامة وعدم اليقين، رادعا كبيرا وعائقا هائلا على الطريق هناك.