كرّرت السلطات المصرية تأكيدها على ضرورة إعادة صياغة شروط وإجراءات الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة باسم "صفقة القرن"، وهذه المرة عبر وزير الخارجية سامح شكري خلال لقاءاته التي عقدها ليومين مع المسؤولين الأميركيين، وعلى رأسهم نظيره مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، والمساعد الشخصي للرئيس الأميركي جيسون غرينبلات. في هذا السياق، قالت مصادر دبلوماسية مصرية إن "شكري أكد خلال لقاءاته استعداد مصر للتعامل مع الأفكار الأميركية بشرط قابليتها للتنفيذ، وعدم قفزها على مشاكل آنية وإحالتها لمستقبل غامض مرهون بمعطيات غير متحققة على أرض الواقع، كتحميل مصر والدول العربية مهمة استيعاب اللاجئين الفلسطينيين الذين تقترح الإدارة الأميركية وإسرائيل حرمانهم من حق العودة، بل وتعمل على إضعاف وتجفيف منابع تمويل وكالة أونروا لغوث اللاجئين الفلسطينيين".
وأضافت المصادر أن "شكري نقل للإدارة الأميركية تحذيرات من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من فشل الصفقة بصورة نهائية، إذا لم تستطع إدارة دونالد ترامب خلال أشهر معدودة تقديم مقاربة شاملة تتضمن الإجابة عن عناصر عدة مقلقة لمصر والأردن، وكذلك للجناح المحافظ في الإدارة السعودية، ويُقصد به الملك سلمان بن عبد العزيز نفسه، بعيداً عن أفكار ولي عهده محمد بن سلمان".
العنصر الأول هو مدى ضمان واشنطن تعامل إسرائيل إيجابياً مع الصفقة، ووفائها بالالتزامات التي ستترتب عليها، مثل تفكيك بعض المستوطنات والكف عن التضييق على قطاع غزة وضمان سيولة التنقل بينه وبين الضفة الغربية. والعنصر الثاني يتمثل في حجم الدعم الأميركي والخليجي الذي ستتلقاه دولتا مصر والأردن، وكذلك التي سيتم ضخها في غزة تحديداً، والتي ستوجه لإقامة المشروعات التنموية المقترح إنشاؤها بين غزة ورفح والعريش لتنمية موارد القطاع وتشغيل مواطنيه. أما العنصر الثالث، الذي يعتبر شاغلاً مصرياً أساسياً؛ فيتمحور حول مدى استعداد واشنطن لتقديم دعم مالي ولوجيستي وعسكري لمصر لتطهير شمال شرق سيناء بالكامل من فلول تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش".
والعنصر الرابع يتمثّل في غموض المقترحات الأميركية حول إدارة ملف الأمن في قطاع غزة خلال الفترة الانتقالية التي ستفصل بين بدء تنفيذ الصفقة وإقامة الدولة الفلسطينية، إذ تفضّل واشنطن إسناد هذا الملف إلى نظام السيسي. الأمر الذي يعتبره الأخير تجاهلاً أو عدم إدراك للظروف الأمنية في القطاع، وقبلها للمشاكل التي تواجه مصر في شمال شرقي سيناء.
المصادر الدبلوماسية المصرية أوضحت أن "غرينبلات أبدى تفهمه لحديث شكري، لكنه لم يقدم مقترحات جديدة"، مفضلاً أن "يدور اتصال هاتفي قريب بين السيسي وترامب للحديث عن رؤاه للتعامل مع بعض الشواغل المصرية والسعودية". وذكرت المصادر أن "شكري أوضح للمسؤولين الأميركيين أن التعامل مع الصفقة شأن رئاسي استخباراتي حالياً في مصر، وأنه شخصياً يقدّم المشورة في حدود اختصاصاته الدبلوماسية، وفي هذا المقام؛ طلب من بومبيو وبولتون الفصل بين مسار التفاوض حول الصفقة، وبين الملفات السياسية والاقتصادية محل الاهتمام المشترك بين البلدين".
ففي ملف المساعدات الأميركية لمصر؛ التي لا توجد حتى الآن مؤشرات على صرفها أو تعليقها للعام المقبل، قدّم شكري ملفاً بتفاصيل ما وصفه "تطور مجال حقوق الإنسان في مصر"، مدعياً أن "نظام السيسي فتح المجال للعمل الأهلي والحقوقي بواسطة القانون الذي صدر في العام الماضي، وأنه خفف القيود المفروضة على المنظمات الأجنبية، ولم يحرك القضية المرصودة للجمعيات حتى الآن بقرار من السيسي شخصياً، وبالتالي فلا يجوز لواشنطن التذرّع بسوء حالة حقوق الإنسان لتعليق جزء من المساعدات".
وبحسب المصادر؛ فإن شكري تلقّى أسئلة عدة عن اقتصاد الجيش واستقلاله عن الموازنة العامة للدولة، ارتباطاً بأحد أبرز المآخذ التي ضغط بها نواب في الكونغرس لوقف أو تخفيض برنامج المساعدات، فأجاب شكري بأن "معظم الأرقام المتداولة في الصحافة الأجنبية كاذبة، وأن الجيش يوجه أكثر من 60 في المائة من اقتصاده لإنجاز مشاريع قومية عامة ومجتمعية".
كذلك تطرّقت مباحثات شكري وبولتون إلى الملف الليبي، حين سُئل عن رأي القاهرة في المساعي الإيطالية لعقد مؤتمر جديد للسلام، فأكد شكري، بحسب المصادر، أن "المؤتمر لا يجب أن يكون هدفاً في حد ذاته، بل وسيلة لإتمام مشاريع متعددة، أولها سحب الأسلحة من المليشيات والقبائل، بما فيها التي تدعمها إيطاليا، وتوحيد الجيش الليبي تحت إمرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وإرجاء الانتخابات لحين إنجاز خارطة طريق واضحة".
وأصدرت الخارجية المصرية بيانات عدة عن الزيارة التي امتدت يومين؛ ذكرت فيها أن "شكري قدّم عرضاً شاملاً لتطورات الأوضاع في مصر"، مشدداً على "أهمية دعم الولايات المتحدة لمصر خلال المرحلة الحالية، في ظل التحديات التي تواجهها المنطقة، لا سيما أن مصر شريك أساسي يمكن للولايات المتحدة الاعتماد عليه لدعم السلام والاستقرار في منطقة تموج باضطرابات عديدة".
كذلك شدّد شكري على "أهمية انعقاد الجولة المقبلة للحوار الاستراتيجي وآلية 2+2 على مستوى وزيري الخارجية والدفاع بالبلدين لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية، وتبادل الرؤى والتقديرات حول القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك".
وأضافت على لسان شكري أن "برنامج المساعدات الأميركية يعكس أهمية وخصوصية العلاقات المصرية الأميركية عبر عقود طويلة من الزمن، وأنه يحقق مصالح مشتركة للطرفين ويعزز من القدرات المصرية في مواجهة التحديات الأمنية، وبالتالي من المهم توفير عناصر الدعـم والحماية له وتحصينه من أية اهتزازات أو اضطرابات".
وعن فلسطين؛ قالت البيانات إن "شكري أشار إلى ضرورة وجود أفق سياسي واضح لتحقيق التسوية السلمية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعزز من فرص استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فضلاً عن سبل تحسين الوضع الاقتصادي ومستوى معيشة المواطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة".
المصدر: وكالات+اخبار اليوم