2024-11-28 10:29 ص

الخليج وحصاد الهشيم

2018-07-07
بقلم: ايهاب شوقي
أحياناً تجرفنا تطورات الأحداث لتعزلنا عن أصولها وتغرقنا في فروعها وهو ما يؤدي بنا إلى تفسيرات مبتسرة، مع العلم أنه وبالعودة لنقاط تاريخية حتى لو قريبة العهد، فإنه يمكن الوصول لتفسيرات أدق ونتائج أشمل وأصح.

التطورات الراهنة إذا تم تناولها في سياق منفصل عن التاريخ، فإنها تأخذ تحليلات مختلفة عن التي يمكن الحصول عليها من وضع التطورات في سياق تاريخي.

التصعيد السعودي والاماراتي ضد اليمن، وضد محور المقاومة بشكل عام، يفسر بأنه نتيجة انهيار الوضع العربي، وان ما يحدث هو مطامع في القيادة واستلاب الثروات بعد اقتراب نضوب النفط وازمات الخليج المالية، وكذلك خدمة المشروع الأمريكي، كلها تفسيرات صحيحة ولكنها غير مترابطة في سياق متصل، مما قد يوقع في التوصل لاستنتاجات وبالتالي طرق للمواجهة منقوصة الفاعلية.

وأحياناً لا يعني السياق التاريخي، أن نعود لجذور بعيدة في التاريخ، بل تغني عن ذلك العودة لنقاط قريبة ولكن مفصلية، لأن هذه النقاط تحمل في طياتها ملخصات للسياق التاريخي الأقدم.

وللدخول مباشرة في الموضوع، فإنه ومنذ أواخر عهد الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، شهدت العلاقات الخليجية نقلة معاكسة للنقلة التي حدثت في بداية الثمانينيات من القرن الماضي والمتمثلة في انشاء مجلس التعاون الخليجي. هذه النقلة المعاكسة ربما هي التي مثلت بداية حقيقية لانهيار العمل الخليجي المشترك حاليا، واستبداله بمجلس التنسيق السعودي الاماراتي.

كان سبب هذه النقلة، الرغبة السعودية الأمريكية المشتركة في انشاء حلف عسكري، على غرار حلف الناتو، والذي جاءت تفاصيله بتقرير هام على مجلة “فورين بوليسي” الامريكية تحت عنوان “الخليج بحاجة لحلف ناتو خاص به”. ومما جاء في التقرير المؤرخ له بالعام 2012، انه وعلى غرار حاجة أوروبا لحلف جماعي بعد الحرب العالمية الثانية لمواجهة الروس، فان دول الخليج بحاجة لحلف لمواجهة ايران! كما اعتبر التقرير أن الاوربيين لا يثقون ببعضهم ويشككون في الألمان وإمكانية عودتهم لابتلاع اوروبا اذا ما نهضوا سريعا، ولهذا قرروا الاستعانة بالامريكيين لقيادتهم.

كذلك الحال في الخليج، فدول الخليج لا تثق ببعضها وخاصة لا يثقون في السعودية ونواياها، ولهذا فقيادة امريكا لهذا الحلف واجبة!
هذه المقاربة تتطلب صراعا وحربا واقناعا للمؤسسات الامريكية بان ايران تشكل خطرا، وهو ما يفسر التحرش والحملة الاعلامية الدائمة على ايران، ومحاولة الصاق الإرهاب بها.

لا نظن أن كافة دول الخليج مقتنعة بهذا الخطر الايراني، والا كانت تجاوبت مع قيادة السعودية لحلف ناتو جديد، وكانت نحت مخاوفها وهواجسها تجاه السعودية جانبا امام الخطر الايراني الحقيقي، لو كان صحيحا، وهو ما لم يحدث، وما لم يصح.

عندما وجدت السعودية الامور هكذا، شكلت مع حليفها وشريكها الاكبر الاماراتي حلفا مستقلا، ولأن اعلان الحرب على ايران ليس نزهة، فقد أعلنتا الحرب على أصدقاء ايران وحلفائها، وعلى كل مقاومة ترى في ايران صديقا وداعما للمقاومة.

من هنا يمكن تفسير العدوان على اليمن، تصورا منهما انها البطن الضعيفة وان الصاق تهمة العمالة لايران بالمقاومة اليمنية يؤدي ذات الغرض السياسي لمواجهة ايران! وهنا كانت الخطيئة الاخلاقية، والخطيئة السياسية التي قد ينتج عنها ازمة سياسية قد تطيح بالعروش في السعودية والامارات بعد الخسائر الباهظة والفشل السياسي وما تبعه من فشل اعلامي واقتصادي.

الحرب على المقاومة هو هدف امريكي صهيوني خليجي (سعودي اماراتي بالأساس)، تتلاقي بها اهداف كل طرف، ناهيك عن الأسباب الاخرى المتعلقة بالنهب واشواق القيادة والخدمة الجبرية للأمريكيين.
ان حلف ناتو خاص بالخليج هو مزيد من التموضع الامريكي المعمق في المنطقة، وهو حلف يسمح بدخول اطراف جديدة تشتاق للتواجد والتموضع الاستراتيجي مثل فرنسا، هو ما يفسر دخولها طرفا في العدوان على اليمن.

وكل ذلك فإن الحرب على لبنان وسوريا، هي استهداف لمحور المقاومة الذي يهدد الكيان الاسرائيلي، ويهدد ايضا العروش العميلة للمشروع الصهيو – امريكي.

الشيطان الامريكي يعظ ويبتز ويبيع الاسلحة وينعش القطاع الصناعي العسكري، والكيان الصهيوني، يسعد باهدار موارد النفط في اراقة الدم العربي بدلا من توظيفها للتحرر العربي وازالة الكيان الغاصب، ناهيك عن تأمين الممرات البحرية للعدو واتاحة الفرصة له للتموضع الاستراتيجي في المنطقة.

السؤال هنا: ما هي بدائل الخليج لوجود عمل عربي وخليجي واسلامي مشترك؟ وماذا بعد اتخاذ السعودية والامارات قرارات منفردة بالمغامرات والمقامرات؟

ان حصاد العمل الخليجي الذي تغنّت به غالبا دول الخليج عن العمل العربي والاسلامي، يكاد يكون حصاداً للهشيم، بل ويكاد يكون وبالا بحكم المآلآت.

هل ستصمت الدول والشعوب بانتظار نتيجة المغامرات والالتحاق بالمعسكر المنتصر؟ ام ستشكل كيانا بديلا يواجه التهور والخرف السعودي والاماراتي ويحجم هذا الانزلاق ويعيد التوازن بالخليج وبالاقليم؟