2024-11-25 09:35 م

عن خرابيش الزمن المقلوب!!!

2018-05-11
في رواية الكويتي، سعود السنعوسي، "ساق البامبو"، لا يجد البطل تفسيرا لكل ما يجري معه أو من حوله إلا عبارة سمع أمه ترددها، وهي تُعيد مجريات الأمور إلى "سبب ولسبب". كان البطل الفيليبيني هوزيه، أو عيسى الكويتي، يُردد هذه العبارة، عندما يعجز عن فهم ما وقع لوالدته التي حملت به عندما كانت تعمل خادمة في الكويت، أو محاولاً تفسير تقلبات الحياة، وهو الذي غادر بيت جده صغيراً حالما بالسفر إلى الكويت للقاء والده، والتنعم بحياة رغيدة نسجها في خياله من فتافيت قصصٍ كانت ترويها له والدته قبل النوم.
لعله من المريح التواري خلف حكمة أم هوزيه "كل شيء يحدث بسبب ولسبب"، عندما يعجز المرء عن تفسير ما يجري في الزمن الراهن. زمن يفرح فيه بعضٌ عربي لأن دمشق تُدك بصواريخ إسرائيلية. زمن يتسابق فيه بعض عربي للتطبيع مع الكيان الصهيوني بينما تُهود القدس. زمن يحتفل فيه المهزومون بانتصارات خصومهم عليهم. زمن يغطي بعضهم عجزه عن تحرير جزره المحتلةباحتلال جزر الغير. أي زمنٍ هذا يُسمى فيه تدمير مقومات بلد كامل "إعادة الأمل". أي زمنٍ هذا يتغنى فيه بعض عربي بـ"ديمقراطية" إسرائيل، لستر عوراته الاستبدادية المستفحلة. أي زمنٍ هذا يعتذر فيه الفلسطيني، الضحية، من قاتله، ويتواضع حتى في الصراخ من الألم، حتى لا يعلو صوته على سوط جلاده. أي زمنٍ هذا تلملم فيه الضحية صديد جراحها، كي لا تؤذي عين مغتصبها. أي زمنٍ هذا يُدعى فيه الفلسطيني إلى الاحتفال بكرم سارق أرضه أو "يخرس" مُغتصباً.
في هذا الزمن العجيب، تُدنس القدس الشريف عند كل صلاة، تدمر بغداد، تُدك دمشق، تحرق صنعاء، وتباع أجمل المدن العربية وأعرقها سبايا في أسواق النخاسة العالمي. في هذا الزمن، يتباهى بعضهم بافتتاح مسرح ودار سينما في مدن الملح، بإشراف هيئة الترفيه أو وزارة السعادة. تشيد الأبراج على ركام الكرامة، ويتعالى البنيان الإسمنتي على جثث الأطفال وآلام الفقراء، وتشق الطرق السريعة من جراحٍ غائرة في أجساد المقهورين والمشردين والمغيبين خلف قضبان البدائية.
كنا إذا ما ضاق بنا المعجم نسميه زمن الردّة، أو زمن الهزيمة، لكن ما نراه وما نسمعه فاق كل الأزمان. عرب يهرولون انبطاحاً للتطبيع مع الاحتلال، بلا خجل أو وجل، يتسابقون في شوارع القدس المحتلة محتفلين بالذكرى السبعين لقيام الكيان الإسرائيلي، يقرعون نخب النكبة الفلسطينية المستمرة منذ سبعين عاما، مبتهجين بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، "العاصمة الأبدية" للكيان السرطاني.
في هذا الزمن المقلوب، يبدو وكأن الدنيا سقطت عن قرن الثور، وراحت تسير على رأسها، فالولايات المتحدة الأميركية، رأس العالم، باتت ذيله، وصارت "بندقية للإيجار" تخوض الحروب بالوكالة عمن يغطي فاتورة السلاح. وصار رئيسٌ فاسد، هو في الأصل تاجر فاشل، وطالب فاشل، وولد فاشل، يقود العالم بنار "تويتر" ولسانه السليط.
في هذا الزمن، يصير الحذاء نجماً في مسرح الدبلوماسية الدولية، تلوح به مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن، نيكي هيلي، ضد كل من يعارض إسرائيل. ويقدم رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو وجبة حلوى لرئيس وزراء اليابان على حذاء، يبتلعه وريث الإمبراطورية العظيمة، على مضض، ولعله يبكي بصمت. وفي هذا الزمن الزاحف على جبهته، يجثو نجم هندي على ركبة ونصف لأخذ صورة سيلفي مع نتنياهو وزوجته، متناسيا قول الحافي غاندي إن "الحق هو المحبة ووحدها المحبة سلاح لا يقوى عليه سلاح".
قاتمة هي الصورة، كلما حاولت الاقتراب من تفاصيلها، تسيح فيها الألوان متداخلة، حتى تستحيل الى خرابيش. تتداخل فيها الألفاظ والمعاني، فتصير المقاومة عبثاً، وتضحي الخيانة وجهة نظر، والركوع براغماتية، والاحتلال إنموذجاً، يتقدم الجبناء مزركشين بالأوسمة الزائفة ويمضي الشهداء بصمت. زمنٌ بلا خشبة، ولا نص مكتوب، تجري أحداثه في الكواليس، بينما يجلس الجمهور مأخوذاً بلون الستارة السوداء، يردّد "كل الأشياء تحدث بسبب ولسبب".