2024-11-25 06:39 م

«واشنطن بوست»: ترامب يتعامل بدبلوماسية مع كوريا الشمالية وبصدام مع إيران

2018-05-01
يرى إيشان ثارور في صحيفة «واشنطن بوست» أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يملك رؤية واضحة للتعامل مع الملف النووي في كل من كوريا الشمال وإيران. وأشار في بداية مقالته إلى تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ختام زيارته لواشنطن والتي قدم فيها رؤية صريحة وهي أن الرئيس الأمريكي سيختار في النهاية الخروج من الاتفاقية النووية مع إيران. وقال ماكرون إن الخطوة لا علاقة لها بالوضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط «رأيي أنه سيتخلص من الاتفاقية لأسباب خاصة وبالسياسة المحلية الأمريكية». 
ويقول ثارور إن استنتاج ماكرون عن ترامب ومحاولته الوفاء بوعوده الانتخابية وتدمير إرث سلفه بطريقة منظمة ليس أمراً جديداً. ولكنها رؤية مناسبة خاصة أن الرئيس يدعو للدبلوماسية في التعاون مع كوريا الشمالية ويشجبها عندما يتعلق الأمر بإيران. وتحدث ترامب عن جهوده في ممارسة «أقصى الضغوط» على كوريا الشمالية والتي يزعم أنها كانت وراء اللقاء التاريخي يوم الجمعة بين الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ- أون والكوري الجنوبي مون جي- إن. وأدى اللقاء الذي جرى على المنطقة المنزوعة من سلاحي البلدين إلى أصوات متفائلة بشأن تخليص شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي وتفاؤل بشأن قمة ترامب نفسه مع الزعيم الكوري الشمالي. 
ويقول ثارور إنه لو أثمرت خطة ترامب مع كوريا الشمالية فلن تكون مختلفة عن تلك التي يريد إلغاءها. فقد تم توقيعها عام 2015 بين إيران والقوى الدولية والتي جاءت بعد سنوات من الضغط على إيران وجلبها إلى طاولة المفاوضات وليست بعد أشهر من التفاوض. ومع أنها – أي الإتفاقية – حدت من نشاطات إيران النووية إلا أنها لم تفعل كثيراً للحد من نشاطات طهران في الشرق الأوسط وخففت عنها العقوبات الإقتصادية كما يقول نقادها في إدارة ترامب. وعلى ما يبدو فالبيت الأبيض يقوم بتهيئة الظروف لاتفاقية مماثلة يحصل فيها كيم على الصفقة نفسها دونما الشعور بالحاجة لإصلاح نظامه الديكتاتوري.
ورغم الوعود التي قدمتها كوريا الشمالية نهاية الأسبوع وأنها ستقوم بتفكيك برامجها النووي إلا أن هناك من يشك بحدوث تحول كبير. فهناك تاريخ من التوقعات الكاذبة مع كوريا الشمالية بالإضافة لخلاف حول طبيعة «نزع السلاح النووي» الذي يراه كل طرف والكيفية التي سيتم فيها تطهير شبه الجزيرة الكورية منه. وبدت اللهجة المتفائلة من تغريدات ترامب الذي كتب في 28 نيسان (إبريل) عن محادثته مع الرئيس الكوري الجنوبي وتحديد أماكن المقابلة وإبلاغه رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي عن مجـرى المحادثات التي تـسير بطـريقة جـيدة. 
واقترح محللون مثل ماكس فيشر في «نيويورك تايمز» أن خروج ترامب من المعاهدة مع إيران سيؤثر على طبيعة المفاوضات مع الكوريين. وقال: «من الصعب تخيل وضع تعطي فيه الدول الحليفة مرة أخرى القيادة لأمريكا بعدما وضعتها في يدها بشأن إيران» مضيفاً أن ترامب يطالب حلفاءه الأسيويين متابعة خطواته مع كوريا الشمالية في وقت يتحدى فيه حلفاءه الأوروبيين الذين يطالبون البقاء في الإتفاقية الإيرانية. وترفض إدارة ترامب هذه الفكرة حيث أخبر مايك بومبيو، وزير الخارجية الصحافيين أثناء رحلته للشرق الأوسط «لا أعتقد أن كيم جونغ- أون يحدق للاتفاقية الإيرانية ويقول: يا إلهي لو خرجوا من تلك الإتفاقية فلن أتحدث معهم أبداً» مضيفاً أن هناك أولويات أخرى تشغل الرئيس الكوري الشمالي أكثر من بقاء أو خروج أمريكا من الإتفاقية النووية مع إيران. ولا ينفي هذا الكلام التناقض في موقف الإدارة التي تمد غصن الزيتون لكوريا الشمالية وتضع نفسها في مواجهة مع إيران. صحيح، يقول ثارور إن طهران لديها سجل سيئ في حقوق الإنسان وهي قوة تؤثر سلباً على استقرار الشرق الأوسط لكن تعاملها مع النظام الدولي مفتوح أكثر من الدولة المنبوذة كوريا الشمالية. فعلى خلاف بيونغيانغ قبلت طهران بنظام تفتيش دولي لمنشآتها النووية. 
ويذكر ثارور بمواقف ترامب المتناقضة، ففي عام 2011 قال لشبكة «سي أن أن» أن الحديث مع القيادة الإيرانية أفضل «من قتل ملايين الناس». وكتبت هولي داغريس في «أتلانتك» أن محادثات مع الرئيس حسن روحاني سيقلق العناصر المتشددة في النظام الإيراني بما فيها الحرس الثوري الذي يشرف على حروب الوكالة بالخارج. وقالت: «لو مضى ترامب بهذا المدخل الهادئ لهز كيان المتشددين في طهران. فعلاقة محتملة مع الغرب، خاصة واشنطن كانت أثرت على موقعهم في السياسة الإيرانية. فبعد كل هذا فإن سبب وجود الجمهورية الإسلامية قائم على معاداة الإمبريالية الأمريكية». وعوضاً عن ذلك ينتظر المتشددون يوم 12 أيار (مايو) وقرار ترامب الخروج من الإتفاقية النووية بشكل يؤكد شكوكهم وهي أن أمريكا دولة لا يمكن الوثوق بها. 
ويقول ثارور إن إدارة ترامب ربما كانت تبحث عن هذا الجو من المواجهة. فكل من بومبيو وجون بولتون، مستشار الأمن القومي الجديد يؤمنان بإمكانية عقد صفقة مع كوريا الشمالية بالإضافة لدعوتهما المتكررة لتغيير النظام في إيران. وقال بولتون يوم الأحد إن الإدارة تتبع في مدخلها مع كوريا «النموذج الليبي»، مشيراً إلى العملية التي بدأت عام 2003 بممارسة الضغط على نظام معمر القذافي والذي تخلى عن برامجه النووية والكيميائية وصواريخ طويلة المدى.
وهي مقاربة مثيرة للفضول خاصة ان الكوريين الشماليين يتحدثون عن مصير القذافي كمبرر للحفاظ على برامجهم. ففي عام 2011 تحدث الإعلام الكوري عن أن «تفكيك البرامج النووية الليبية والذي رحبت به الولايات المتحدة فضح أمام العالم خاصة بعد أن تحول إلى عدوان» دفعت فيه الولايات المتحدة ليبيا للتخلي عن سلاحها مقابل وعود معسولة بتحسين العلاقات والتنمية قبل أن تتبلع بالقوة. ويرى معلقون أن بولتون وجماعته يعملون على تهيئة الظروف لانهيار المحادثات «بولتون مستعد لفترة من المفاوضات وعندما تفشل فسيقوم بلعن الدبلوماسية والدفع باتجاه مواجهة عدوانية» حسبما كتب جيفري لويس الخبير في التـحكم بالسـلاح النـووي.

«إي بي سي»: أمريكا من صانعة الملوك في الشرق الأوسط إلى قوة متلاشية

«من صانعة الملوك إلى دونالد ترامب: كيف تفقد أمريكا سيطرتها على الشرق الأوسط» عنوان دراسة كتبها الباحث الإسترالي انتوني بوبالو، مسؤول مجموعة نوس والباحث في معهد لوي في سيدني وقال فيها إن الولايات المتحدة لعبت إلى جانب الإتحاد السوفييتي السابق دوراً مهماً في تقديم الدعم للأنظمة الحليفة والجماعات الوكيلة ولعبت دور صانع الملوك حتى لا تقع الدول والأنظمة فريسة للتأثير السوفييتي. ولكونه الهدف فقد قدمت الولايات المتحدة «استقرارا» على حساب كل شيء مثل حقوق الإنسان والديمقراطية. 
وبالنسبة لنقادها فقد كان هذا عملاً غير أخلاقي فيما نظر إليه الداعمون باعتباره حماية للمصلحة القومية. ولم تكن واحدة من الدول الحليفة تشترك مع الولايات المتحدة في قيمها مع أنها ظلت تلام على دعمها دولة واحدة وهي إسرائيل.

صنع السلام

ونشر موقع شبكة «إي بي سي» مقتطفات من الدراسة التي جاء فيها أن أمريكا وصلت في عام 1991 أوج قوتها في المنطقة. فعندما غزا العراق الكويت حشدت أمريكا تحالفاً دولياً ضم حتى بعضا من أعدائها مثل سوريا. وسحق التحالف الجيش العراقي الذي كان يعد أكبر جيوش المنطقة. وبعد أقل من عام انهار الاتحاد السوفييتي مخلفاً أمريكا كقوة لا ينازعها أحد في المنطقة. وعلى خلاف التزامها بالوضع القائم اختارت الولايات المتحدة لإعادة تشكيل المنطقة ومرتين. 
وفي المرة الأولى حاولت تغييره من خلال السلام. فبعد حرب العراق الأولى قامت إدارة جورج هيربرت دبليو بوش بدفع إسرائيل المترددة إلى طاولة المفاوضات في العاصمة الإسبانية مدريد إلى جانب الدول العربية ووفد فلسطيني. وفشلت المحادثات ولكن من حالة الإحباط التي ولدتها خرجت عملية أوسلو وأدت لاحقًا لاعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل وعودة ياسر عرفات للمناطق المحتلة. بل وقاد خليفة بوش، بيل كلينتون محاولات صنع السلام وبنوع من الحماسة. فعلى مدى ثمانية أعوام كافح الرئيس وسط سلسلة من النجاحات والنكسات والتي توجت بقمتين. واحدة في آذار (مارس) 2000 حيث التقى كلينتون مع الرئيس السوري حافظ الأسد في جنيف وحاول التوسط بسلام بين سوريا وإسرائيل. وفي نهاية ذلك العام عقدت قمة أشهر بين الفلسطينين والإسرائيليين في كامب ديفيد. وفشلت المحاولتان. ولا تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية الفشل الكاملة إلا أنهما أضرتا بمصداقية الولايات المتحدة وفتحتا المجال أمام القوى الراديكالية. فقد رفعت كل من إدارة بوش وكلينتون من سقف الرهان وعند الفشل قال المعارضون لها في المنطقة أن قوة أمريكيا ليست قوية بالدرجة الكافية وان خيار العنف هو الأفصل.

صناعة الحروب

والمفارقة أنه بعد هجمات 9/11 التي نفذها مهاجمون من تنظيم القاعدة أدت لحالة من التعاون والدعم الوقتي للتأثير الأمريكي في المنطقة. وتعاطف الكثيرون مع أمريكا رغم خوفهم من ردها. واستخدمت الولايات المتحدة الفرصة وأطاحت بحركة طالبان ونظامها في أفغانستان ولاحقت وقتلت الجهاديين. ولكنها بددت الفرصة وقتلت الزخم عندما شنت عام 2003 غزوا على العراق.
وكانت تلك المحاولة الثانية منها لإعادة تشكيل المنطقة. وكان مبرر إدارة جورج دبليو بوش هو تخليص العراق من أسلحة الدمار الشامل- والتي لم يعثر الأمريكيون عليها قط. وبشكل عام وصفت الحملة بأنها نشر للديمقراطية في المنطقة و»تجفيف المستنقع من المتطرفين». وفي الحقيقة زاد عدد المتطرفين بسبب حرب العراق حيث استغلوا النتائج الكارثية وحاولوا الدفع باتجاه تحقيق أهدافهم. وأدت الحرب لتلاشي الثقة بالقوة الأمريكية، على مستوى المنطقة وعالمياً وادت إلى زيادة التأثير الإيراني. ففي الثمانينيات من القرن الماضي تعهدت إيران بتصدير نموذجها الثوري إلا ان طموحاتها وقفت أمامها جهود أمريكا لاحتوائها وحرب ثماني سنوات مع العراق تركت آثارها الكارثية عليها.
وغير فشل الولايات المتحدة في العراق من حظوظ إيران. فبعد الإطاحة بنظام صدام حسين لعبت طهران ورقتها بدعم المعارضة الشيعية ولعبت دوراً حاسماً في السياسة العراقية. بل وأعطاها صعود تنظيم الدولة عام 2013 المبرر لكي تتدخل على الأرض وقتال الجهاديين السنة. واستغلت إيران الفرص التي نبعت من الفوضى في أجزاء أخرى من المنطقة خاصة سوريا التي دعمت فيها نظام بشار الأسد. وفي اليمن قدمت إيران دعماً انتهازياً للمتمردين الحوثيين الذين سيطروا في فوضى ما بعد الربيع العربي على العاصمة صنعاء عام 2014. وتوقع حلفاء أمريكا في المنطقة أن توقف التقدم الإيراني من اليمن إلى لبنان لكن كارثة العراق جعلت الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما يركز على إنهاء الحروب وليس بدء معارك جديدة، حتى لو ظهر تنظيم الدولة واستدعى تغيير الموقف. وكان موقفه تعبيراً عن تردد الولايات المتحدة في دخول حروب بالشرق الأوسط لن تلقى دعماً من الرأي العام الأمريكي. ولم يعن هذا إلا القليل لحلفاء أمريكا بالمنطقة فمن إسرائيل للسعودية قام أصدقاء أمريكا بلعنها في السر وأحياناً في العلن. وعبروا عن غضبهم من رد أمريكا على الانتفاضات العربية في عام 2011. فهو بنظرهم رفض إنقاذ أحد حلفائهم الكبار في المنطقة وهو الرئيس محمد حسني مبارك بشكل جعلهم يفكرون بأن أمريكا ستضحي بهم كما ضحت بمبارك. وأعطى أوباما نقاده ذخيرة جديدة عندما رفض فرض خطه الأحمر بمعاقبة نظام الأسد بعد استخدامه السلاح الكيميائي في الغوطة الشرقية عام 2013.
ومما زاد من غضب الحلفاء قيام أوباما بتوقيع اتفاقية نووية مع إيران عام 2015 والتي نظر إليها معظم حلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة نظرة شك. وكانت إسرائيل والسعودية تريدان احتواء إيران لا التحاور معها. وقررت السعودية والإمارات عام 2015 شن حملة ضد المتمردين الحوثيين في اليمن. وتم تشكيل تحالفات جديدة بما في ذلك علاقات سرية بين السعودية وإسرائيل يجمعمها العداء لإيران. ولم يكن أحد يتوقع حدوث هذا من قبل. وانتهز لاعبون خارجيون تراجع التأثير الأمريكي مثل روسيا التي حاولت مساعدة نظام بشار الأسد في محاولة لإحياء الإمبراطورية السوفييتية وتأكيد موقع روسيا كلاعب دولي مهم. كما قامت الصين بشكل هادئ بتوسيع تأثيرها السياسي والإقتصادي.
ثم جاء ترامب الذي تم الترحيب به من قبل الحلفاء عندما زار السعودية عام 2017. فرغم خطابه المعادي للمسلمين فإن الحلفاء شعروا بالراحة لموقفه المعادي لإيران. وحتى موقفه من الاعتراف بالقدس فإنه لم يؤد إلى أي غضب من القادة العرب. ولا تزال القوة العسكرية الأمريكية قادرة على سحق منافسيها بالمنطقة ولا تزال الولايات المتحدة لاعباً مهماً تجارياً واستثمارياً. وبالنسبة لقادة المنطقة لا تزال زيارة البيت الأبيض أهم من الكرملين أو زونغهاي. إلا أن مسار التسيد الأمريكي في المنطقة لا يزال كما هو، ولم تحقق الدبلوماسية الأمريكية سوى نجاحات قليلة. وربما كان التراجع الأمريكي في المنطقة تدريجياً إلا أنه في تدهور على أية حال. ولن تختفي أمريكا من المنطقة خاصة أن لديها مصالح للدفاع عنها إلا أن الدعم القوي الذي كانت تقدمه للنظام السابق سيظل في تراجع