لا تزال أبواب الحرب على اللاجئين الفلسطينيين مفتوحة على مصراعيها في محاولة من قوى داخلية وخارجية لتضييع هذا الحق وتلويثه بالمؤامرات السياسية وإخضاعه للضغوطات والابتزازات التي وصلت لحد الخطر الذي بات يهدد حياة كل لاجئ فلسطيني على هذه الأرض.
الخطورة التي تهدد اللاجئين كانت في السابق مجرد تقليص تدريجي للخدمات التي تقدم لهم من وكالة الغوث "الأونروا"، لكن الأمر الآن تخطى ذلك بكثير حين تم إعلان رسميًا توقف الخدمات كافة التي تقدم للاجئين (التعليمية والصحية والمالية) خلال شهور قليلة، ليبقى اللاجئ الفلسطيني وحيدًا يعاني وسط المؤامرات التي تسعى لنزع هذه الصفة منه بكل الوسائل المتاحة.
وقبل أيام قال المتحدث الرسمي باسم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" سامي مشعشع، إن الوكالة قد تعجز عن تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين، مطلع شهر أيلول/سبتمبر القادم، في الأقاليم كافة، إذا لم يتم تدارك الأزمة المالية التي تعاني منها".
تقدم "الأونروا" خدمات تعليمية وصحية وتشغيلية وإغاثية وخدمات اجتماعية، لأكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني مقيم في مناطق عملياتها الخمس، وهي: الضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان والأردن وسوريا.
ناقوس الخطر
وبحسب مشعشع، فإن "الأونروا" تعاني من أزمة مالية غير مسبوقة، وفي حال عدم تغطيتها، فإنها لن تتمكن من تقديم خدماتها الصحية والتعليمية والإغاثية، لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني مسجلين لديها، منهم زهاء مليوني لاجئ في الأردن، بنسبة 42% تقريبًا".
فيما أوضح مصدر مطلع في "الأونروا"، أن اجتماع اللجنة الاستشارية للأونروا الذي عقد مؤخرًا، لم يخرج بالنتائج المرجوة، على صعيد تغطية الأزمة المالية الخانقة التي تشهدها الوكالة حاليًّا، حيث كان دعم الدول المانحة أقل من المستوى المطلوب.
وأفاد بأن "دعم المانحين بلغ حتى الآن قرابة 200 مليون دولار فقط، في ظل ضعف استجابة المجتمع الدولي لنداءات "الأونروا" المتكررة بضرورة دعمها حتى تستطيع الاستمرار في عملها وتقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين". ونوه المصدر نفسه إلى أن الوكالة "أنهت عام 2017 بعجز مالي يبلغ نحو 49 مليون دولار، بينما تقدر ميزانيتها للعام 2018 ما يقارب 750 مليون دولار".
وتوقف المصدر عند "الجهود الأردنية والفلسطينية، بالتنسيق مع الأطراف الدولية، لإنقاذ ميزانية الأونروا من وضعها الراهن"، وذلك إزاء تأكيد الأردن على ضرورة استمرار عمل الوكالة في تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين، إلى حين حل قضيتهم وفق القرار الدولي 194، ورفضه لأي طرح أو حديث عن إنهاء مهامها.
بينما أكد مشعشع، أن "ما وصل من أموال في الآونة الأخيرة، بلغ ما يقارب 200 مليون دولار، ستكفي عمل الوكالة لأشهر، إلا أنها ستعاود الوقوع في العجز المالي مطلع سبتمبر/أيلول المقبل، إن لم يُسارَع إلى سد العجز كله، والاستمرار بدعم الوكالة بشكل منتظم، لتفادي أي عجز مستقبلي".
وكان المفوض العام للأونروا بيير كرينبول، قد قال في مؤتمر للمانحين الدوليين بشأن سوريا في بروكسل: "قد لا يتم فتح المدارس في بداية العام الجديد؛ بسبب عجز التمويل في أكبر أزمة تمويل نواجهها على الإطلاق".
وأضاف "المساعدات الغذائية العاجلة لنحو مليون فلسطيني في قطاع غزة قد تنفد اعتبارًا من شهر يونيو/حزيران، إذا لم تتمكن الوكالة من جمع مبلغ 200 مليون دولار، بعدما حجب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تمويلاً قدره 305 ملايين دولار"، ويقيم زهاء 350 -400 ألف لاجئ فلسطيني ضمن 13 مخيمًا متوزعًا في أنحاء متفرقة بالمملكة، من إجمالي نحو مليوني لاجئ مسجلين لدى "الأونروا".
مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقف تمويل منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، ازدادت المخاوف على مستقبل هذه المنظمة الأممية المسؤولة عن إغاثة أكثر من خمسة ملايين من اللاجئين الفلسطينيين الموزعين على مخيمات وتجمعات في الضفة وغزة ولبنان وسوريا والأردن.
إلا أنه وفق الظروف الحاليّة، يعتبر اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في سوريا من أكثر الفئات تضررًا من هذا القرار، حيث اعتبر كريس غانيس الناطق الرسمي باسم المنظمة، أن 95% من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا الذين تقدر أعدادهم بـ438 ألفًا، بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية.
ويضيف غانيس "في الوقت الذي دمرت فيه الحرب البنى الأساسية لمعظم المدن السورية، تعتبر الخدمات التي تقدمها الأونروا أساسية وضرورية لحياة الآلاف ممن يعتمدون عليها، مثل العيادات المتنقلة ومساعدات الطوارئ وحتى الخدمات التعليمية التي تقدمها طواقم الأونروا لنحو 45 ألف طالب يوميًا".
خيوط المؤامرة
يؤكد أمين سر اللجنة العليا للدفاع عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين طلعت أبو عثمان، أن تقليص خدمات الوكالة يأتي ضمن ما وصفه بالمؤامرة على قضية اللاجئين وحقهم بالعودة الذي تستهدفه الإدارة الأمريكية والصهيونية.
ويشير أبو عثمان إلى إنهاء خدمات أكثر من مئة عامل من الوكالة مؤخرًا، مشددًا أن خطورة ذلك قد تصل إلى إنهاء وجود "الأونروا" نفسها التي تعد الشاهد الوحيد على قضية حق عودة اللاجئين إلى وطنهم، على حد تعبيره.
إلا أن الخبير الاجتماعي والاقتصادي حسام عايش، يرى أن تهديد الإدارة الأمريكية سهل التطبيق، باعتبار عدم وجود ما يمنع ذلك، متوقعًا أن يكون إلغاء الوكالة المهمة القادمة للولايات المتحدة، للقضاء على حق العودة للاجئ الفلسطيني.
ويعتبر حسام عايش أن تقليص الخدمات يجعل "الأونروا" غير ذات جدوى، بينما يعني إلغاءها وعدم وجود غطاء قانوني للاجئين الفلسطينيين، وأن الخدمات التي كانت تقدمها ستلقى على كاهل الدول العربية المستضيفة لهم، الأمر الذي سيتأثر به الأردن بشكل مباشر. ويصف الخبير تلك الأزمة التي تمر بها الأونروا بالخطرة، ويجب التصدي لها، وإلا ستضر القطاعات كافة سواء الخدمات الصحية والتعليمية والإغاثية.
إلى ذلك، يستحوذ قطاع التعليم على النصيب الأوفر عدديًا من الموظفين العاملين في الوكالة بنحو 5 آلاف ما بين معلم ومدير، من إجمالي 7 آلاف موظف في الأردن، تليه دائرة الخدمات الصحية والإغاثة الاجتماعية الأخرى التي تقدمها "الأونروا".
وتسببت الأزمة المالية للأونروا عام 2015، بالتهديد بتأجيل العام الدراسي الجديد المثقل بالأعباء، مما أسفر عن رفع نصاب الصف المدرسي الواحد إلى 47 طالبًا، بدلاً من 45، تمهيدًا لإغلاق شعب صفية أو دمجها، وإحداث الاكتظاظ الطلابي وعدم فتح وظائف لشواغر جديدة. هذا وتقدم "الأونروا" خدمتها من خلال 174 مدرسة تضم 124 ألف طالب من اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، إضافة إلى 48 مركزًا صحيًا، عدا عن الخدمات الإغاثية المتنوعة.
قتل الشاهد الأخير
حذرت الهيئة (302) للدفاع عن حقوق اللاجئين، من توقف أو تقليص وكالة "أونروا"، خدماتها المقدمة للاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم، وربط ذلك بالأزمة المالية التي تعاني منها المنظمة الدولية. وقال مدير عام الهيئة علي هويدي: "الهيئة تتابع باهتمام وبقلق شديد المعلومات المنشورة عن العجز المالي لـ"أونروا"؛ لأن ذلك سيؤثر حتمًا على خدمات الوكالة المقدمة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، بشكل جذري، أو وقفها كليًا قبل حلول الصيف المقبل".
وأضاف "تقليص نشاطات "أونروا" أو توقفها من شأنه أن يهدد بتوقف التعليم لنحو 37 ألف تلميذ وتلميذة ويحرم ما يقارب 3100 موظف من أعمالهم، وسيتم توقف برنامج الرعاية الصحية الأولية الذي يوفر الخدمات في 27 عيادة صحية".
وأكمل منسق لجنة "الأونروا" في المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج: "سيتوقف برنامج الإغاثة والخدمات الاجتماعية الذي يوفر الخدمات لنحو 61 ألف لاجئ يعيشون تحت خط الفقر، وغيرها من الخدمات التي تقدمها الوكالة على مستوى البنية التحتية وتحسين المخيمات وبرامج القروض الأمر الذي حتمًا سينعكس سلبًا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للاجئين".
وإلى جانب ذلك، نبه هويدي إلى أن التقليصات سيتأثر منها نحو 32500 لاجئ فلسطيني مهجر من سوريا إلى لبنان منذ العام 2011، لا سيما أن المعلومات تفيد بأن "صندوق الطوارئ للمساعدات النقدية التي توزع عليهم شهريًا مهدد بأن ينضب في نهاية شهر مارس/آذار القادم، وهذا سيفاقم من حجم المعاناة للاجئين في المخيمات والتجمعات".
وأشار هويدي إلى خطورة استهداف "أونروا" كون ذلك مقدمة لإنهاء قضية اللاجئين وحق العودة، محذرًا من الاستفراد وتجزئة التعاطي مع خدماتها في أقاليمها الخمس. كما حذر من أن تقليص الخدمات أو توقفها في المستقبل "ستتجاوز تداعياتها القضايا الإنسانية إلى القضايا الأمنية التي سيتأثر منها اللاجئون والدول المضيفة وكذلك مصالح الدول المانحة للوكالة"، وفق تعبيره.
وكانت صحيفة "الديار" اللبنانية كشفت، قبل أيام، وجود "استنفار" لبناني - فلسطيني لاستيعاب تداعيات تقليص خدمات "أونروا"، من واشنطن، الذي يُعتبر الأكبر منذ تأسيسها عام 1949.
الخارجية الأمريكية كانت قد أعلنت يناير الماضي تجميد دفع 65 مليون دولار لـ"أونروا" من أصل 125 مليون دولار تشكل الدفعة الأولى لمساهمة طوعية أمريكية مقررة لعام 2018، علمًا أن واشنطن قد تبرعت بمبلغ 360 مليون دولار العام الماضي باعتبارها المساهم الأكبر لميزانية أونروا.
وتأسست الأونروا عام 1949 لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين الذين فروا من أراضيهم نتيجة الحرب الإسرائيلية العربية آنذاك، وكان اللاجئون حينها يعدون نحو 700 ألف، أما اليوم، فتقدم الوكالة العون لأكثر من خمسة ملايين لاجئ، وتعمل ضمن المناطق التالية: الضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان وسوريا والأردن.
يذكر أن "الأونروا" تستقبل في مدارسها أكثر من نصف مليون طالب، في حين تقدم مساعدات غذائية منتظمة لنحو 1.7 مليون، فضلاً عن ملايين الزيارات التي تم تسجيلها للعيادات الطبية التابعة لها.
(نون بوست)