تانغي برتيميت*
ما هو سد النهضة؟
لا يزال سد النهضة الإثيوبي في طور التشييد على نهر النيل الأزرق في إثيوبيا، في حين أنه لا يقع بعيدا عن الحدود السودانية. وفي هذا الموقع، الذي حدده الأمريكيون خلال الخمسينات، تبدو التطلعات لإنشاء هذا العمل الضخم واعدة، حيث يمتد السد على طول 1800 متر وبارتفاع يبلغ 175 مترا مع خزان بسعة 74 مليار متر مكعب. إضافة إلى ذلك، يشمل المشروع إنشاء بحيرة تزيد مساحتها عن 1500 كيلومتر مربع. كما من المحتمل أن يضم أكبر سد للطاقة الكهرومائية في أفريقيا بقدرة 6400 جيغاوات لدعم النمو الاقتصادي والصناعي السريع للبلاد.
في الوقت الراهن، وحسب التقديرات، ينمو الطلب على الكهرباء بنسبة 30 بالمائة سنويا في إثيوبيا. ولا يبدو أن الطلب سينخفض خصوصا مع الانفجار السكاني المتوقع في بلد مثل إثيوبيا، التي يقدر عدد سكانها بأكثر من 100 مليون نسمة. ويعد هذا مشروع بالنسبة لإثيوبيا، أو على الأقل لحكامها، أكثر من مجرد استثمار هيكلي بسيط، حيث يعتبر رمزا للحزب القوي والقومي الذي يدير السلطة، والمتمثل في الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية، الذي اختار اسم السد.
خلال الإعلان عن انطلاق عملية التشييد خلال شهر آذار/مارس سنة 2011، جعل الوزير الأول، ملس زيناوي، السد بمثابة الالتزام شبه الوجودي. كما صرح زيناوي أن التكلفة الضخمة لتشييد السد، والمقدرة بنحو 2.8 مليار دولار، ستسدد من قبل الأمة الإثيوبية لأسباب لها علاقة بالاستقلالية. بعبارة أخرى، يعني ذلك أن كل الإثيوبيين، انطلاقا من المسؤولين الرسميين، مدعوون للمساهمة في هذا العمل الضخم من خلال الرضوخ لعملية التخفيض في الأجور، التي قد تكون مرتفعة في بعض الأحيان حسب الوظيفة الموكلين بها.
من جهتها، ستقوم البنوك الصينية بمنح قروض للدولة بقيمة 1.6 مليار دولار لشراء المعدات. كما تم توقيع عقد تبلغ قيمته أكثر من 4.5 مليار دولار، مع شركة إيطالية في إطار صفقة أبرمت وفقا لمبدأ التعامل المباشر بين البائع والمشتري. في الواقع، لا تزال إثيوبيا تتكتم على سبب غياب أي دراسات في خصوص تأثير المشروع على البيئة، في حين تظل قضية رهان مدى صلابة السد عالقة، في ظل العديد من الانتقادات من قبل المنظمات غير الحكومية، الأمر الذي جعل العديد من المؤسسات المالية الدولية الكبرىتنقسم بين ملتزم ورافض لطلبات إثيوبيا بشأن الحصول على قروض.
بغض النظر عن المخاوف المشروعة فيما يتعلق بالبيئة، لعبت التجاذبات الإقليمية التي تسبب في تأجيجها بناء هذا السد، دوراً رئيسياً في عدم التزام بعض الجهات المانحة بتقديم قروض. وحاليا، تم بناء أكثر من 70 بالمائة من المشروع، ويمكن ملء سد النهضة بالماء انطلاقا من هذه السنة. ويبدو أن هذا المشروع الذي يمكن وصفه بأنه فرعوني، سيمس من سيادة مصر على نهر النيل.
لماذا تعارض مصر بناء هذا السد؟
في حال اعتبرنا أن هذا البلد غير مستقل عن النيل، فذلك يعد تجسيدا بسيطا للغاية للواقع، فقد ذكر هيرودوت في إحدى كتاباته عن مصر أنها "هبة النيل". وبمجرد الاطلاع على رقم بسيط، يمكننا أن نكتشف مدى ارتباط مصر بهذا النهر، حيث يوفر 97 بالمائة من احتياجات المصريين من الماء. بناء على ذلك يمكن أن يخلف أي تغيير طفيف في مجرى النهر تداعيات كارثية.
بالنسبة للقاهرة، تهدد التغييرات التي يمكن أن تنجر عن سد النهضة نمو البلاد على المستوى الاقتصادي، في حين يشكو التموين الغذائي صعوبة كبيرة. وفي شهر شباط/فبراير الماضي، تمسك وزير الموارد المائية والري، خلال اجتماع نظم في السودان، بالموقف المصري. وقد جاء في تصريحه، الذي شابه الانفعال، أنه "في حال انخفض تدفق المياه بنسبة اثنين بالمائة، فقد نفقد حوالي 20 ألف فدان (نصف هكتار) من الأراضي الصالحة للزراعة، مع العلم أن كل فدان يطعم عائلة. وإذا اعتبرنا أن في كل عائلة يوجدخمسة أفراد، فهذا يعني أن مليون شخص معرضين لفقدان مواردهم".
مصر تعتبر دائما نهر النيل "ملكية خاصة"
لئن جعلت إثيوبيا من مشروع السد بمثابة قضية استقلال بالنسبة لها، فإن مصر تعتبره مسألة تمس بأمنها القومي وكرامتها الوطنية. وقد اعتبرت مصر دائما نهر النيل بمثابة "ملكيتها الخاصة" على الرغم من أن سبعة دول أخرى يمكنها المطالبة بالانتفاع بجزء من النهر الأطول في العالم، بنحو 6700 كيلومتر.
والجدير بالذكر أن القاهرة لم تبادر برد الفعل مع الإعلان عن إطلاق مشروع السد. ففي ذلك الوقت، انغمست الحكومة في الثورة التي اكتسحت البلاد، كما انشغلت بالوضع السياسي وفي الأثناء، لم تبد مصر أي اعتراض على المشروع، ولم تظهر دعمها له على حد السواء. عموما، تستعين القاهرة باتفاقية 1959 التي تمنح مصر 55.5 مليار متر مكعب من المياه، والتي تضمن لها أيضا حق مراقبة المشاريع التي تدار حول المنبع. وعلى مر السنين، كانت القاهرة غالبا ما تجد نفسها في مواجهة الأمر الواقع، حيث لم يكن أمامها حل سوى المشاركة في مفاوضات حساسة أو الاستعداد لشن عملية عسكرية مكثفة.
هل يعد خطر النزاع حقيقيا؟
من جهتهم، أوضح الخبراء أن هذه الفرضية غير محتملة. في هذا السياق، يمكن الاستشهاد بتصريحات أنور السادات الذي وجه تهديدا للرئيس الإثيوبي، منغستو هيلا مريام، الذي فكر في بناء سد على بحيرة تانا في ذلك الوقت. وقد ورد في خطاب السادات، تحديدا، أن "الماء فقط قد يدفعه للدخول في حرب". وفي وقتنا الحالي، لا توجد أسباب تجعلنا لا نخشى حدوث تصادم عسكري بين البلدين، طالما أن جميع التوترات لا تزال قائمة.
في حزيران/ يونيو سنة 2013، عقد الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، اجتماعا حول سد النهضة، الذي كان من المفترض أن يكون سريا. ولكن، بُث هذا اللقاء على المباشر في القنوات التلفزيونية. وخلال هذا الاجتماع، تحدث بعض السياسيين عن مشروع سد النهضة ووصفوه "بالمؤامرة الأمريكية الصهيونية". كما اقترح السياسيون الحاضرون في الاجتماع إرسال قوات خاصة أو دعم مثل هذه الثورات المحلية. وقد أحدثت هذه التصريحات فضيحة من العيار الثقيل، الأمر الذي جعل القاهرة تقع في ورطة أكبر عند محاولة تقديم اعتذارات في الصدد.
في الأثناء، ساهم وصول عبد الفتاح السيسي إلى السلطة بعد أيام من هذه الفضيحة، في الحد من أضرار هذه التوترات. وفي بداية الأمر، جنح الرئيس الجديد إلى خيار التهدئة حول هذا الملف. وفي سنة 2015، تم التوقيع على اتفاقية ثلاثية مع السودان وإثيوبيا، إلا أنها لم تسفر عن نتائج ملموسة على أرض الواقع، مما جعل الحكومة المصرية تصفه بالخطأ. في الآن ذاته، تواصلت المفاوضات دون تحقيق تقدم يذكر.
لم تسفر المناقشات الأخيرة، في بداية شهر نيسان/ أبريل الحالي، عن نتائج فعلية، في حين شابها فشل ذريع. وعلى الرغم من أنه يجب مواصلة هذه المفاوضات، إلا أن جدار الإسمنت الخاص بالسد ما فتئ يرتفع شيئا فشيئا مع تقدم الوقت. وفي ظل هذا الوضع، يبدو أن مصر تخوض صراعا نهائيا من أجل استغلال الحد الأقصى من المدة الزمنية اللازمة لملء الخزان. أما إثيوبيا، التي لا تزال نواياها غير واضحة، فتميل إلى خيار التعبئة السريعة لهذا السد، حيث تحبذ أن تكون هذه المدة في حدود أربعة سنوات أو أقل. ومن جهتها، ترى مصر أن هذه المدة ستكون في حدود ثمانية سنوات، كما يمكن أن تتواصل إلى غاية عشر سنوات. وتؤكد القاهرة، في هذا الصدد، أن ملء الخزان بشكل سريع للغاية، عامل سيشكل تهديدا بالنسبة لبلدان حوض النيل، في الوقت الذي تبحث فيه عن حلفاء في هذا الملف.
ما هو موقف الدول الأخرى في المنطقة من هذه القضية؟
فيما يتعلق بهذه المسألة، تبدو مصر في عزلة تامة، خاصة بعد أن أدار شريكها التقليدي، الجار السوداني ظهره لها وانضم إلى صف إثيوبيا. وحول هذه القضية، تأمل العاصمة الخرطوم وشركاتها في أن يساهم السد في تعديل تدفق مياه النهر، مما سيجعل الري أسهل وأكثر فعالية. ويأمل السودان أيضا في الاستفادة من إمدادات الكهرباء، في ظل فائض الإنتاج الذي يعد به أديس أبابا. وعلى الرغم من أن اتفاقية سنة 1959، تعطي حصة كبيرة من مياه النيل للسودان (18 بالمائة)، إلا أنه لا يعيرها وزنا كبيرا. فضلا عن ذلك، تقدم باقي بلدان مبادرة حوض النيل دعمها لإثيوبيا.
في واقع الأمر، قاطعت مصر هذه الهيئة التي أطلقت سنة 1999 والتي تضم حوالي تسعة دول، منذ سنة 2004. وبعد أن أكدت دول حوض النيل أن اتفاقية 1959 مناسبة للغاية بالنسبة لمصر، اختاروا الاستناد من جديد إلى اتفاقية 1929. والجدير بالذكر أنه تم التفاوض على اتفاق سنة 1929 مع بريطانيا العظمى، التي كانت القوة الاستعمارية المهيمنة على غالبية البلدان التي وقعت هذه الاتفاقية. وبعد أن أصبحت هذه الدول مستقلة، لم تحافظ على التزامها بالوعود البريطانية، خاصة أوغندا وكينيا. وتعتبر هاتين الدولتين، في خضم النمو الديمغرافي الذي تشهده مجتمعاتها، أن مسألة المياه أمرا حيويا بالنسبة لها.
بعد أن كان حوض النيل يضم حوله حوالي 300 مليون نسمة خلال سنة 2000، سيتضاعف عدد سكان هذه المنطقة بحلول سنة 2030. وفي ظل هذه الأوضاع، لم تخف بلدان حوض النيل انزعاجها في الوقت الذي قامت فيه مصر بتطوير بنيتها التحتية من جانب واحد، خاصة بعد افتتاح سد أسوان سنة 1970. ومن جانبها، دعت أديس أبابا، التي تعد في موقع قوة فيما يتعلق بهذه المسألة، إلى إدارة المياه بشكل مدروس؛ مشيرة إلى أن 80 بالمائة من مياه النيل متأتية من إثيوبيا.
في الوقت ذاته، كشفت هذه الطريقة غير المباشرة في تبني دور المسيطر على النيل، عن طموحات إثيوبيا. وقد أصبحت إثيوبيا، التي تضم على أراضيها عددا من السكان أكبر من نسبة الأفراد في مصر، والتي تتميز باقتصاد أكثر ديناميكية من الاقتصاد المصري، تحلم بأن تتحول إلى قوة إقليمية في المنطقة. عموما، يمكن أن يدفع هذا الموقف القاهرة إلى التخلي عن سياسة التهدئةويؤدي إلى إثارة غضبها.
هل تم التحكم في حدة تأثير هذا المشروع على البيئة؟
يعد هذا الجانب نقطة ضعف سد النهضة الحقيقية. وقد خيرت إثيوبيا، ذات النظام غير المنفتح كثيرا، الحفاظ على الغموض حول تأثير مشروع سد النهضة على البيئة. وأكدت أديس أبابا أنها قادت العديد من الدراسات حول هذا المشروع، لكن هذه الأعمال لا تزال سرية. في الأثناء، تطرح العديد من الأسئلة التقنية حول مدى إمكانية الاعتماد على هذا المشروع أو حجمه. في الأثناء، يرى العديد من الخبراء أن مشروع سد النهضة أمر بالغ الأهمية. وتتعلق الاحتجاجات الملحة أكثر من غيرها بالآثار التي يمكن أن تلحق بالنظام المائي الهش في هذه المنطقة التي تفتقر بالفعل إلى المياه.
خلال سنة 2012، قدمت المنظمة غير الحكومية "الأنهار الدولية" تقريرا مثيرا للجدل حول تأثير سد النهضة على المناخ. في المقابل، يؤكد مؤيدو سد النهضة أن هذا المشروع سيحد من الخسائر، خاصة التي يعاني منها سد أسوان الذي تتبخر 10 بالمائة من مياهه سنويا. في الآن ذاته، تركز هذه الجهات في موقفها على الانتهاكات المصرية، حيث تستخدم في هذه البلاد 85 بالمائة من الموارد المائية في الفلاحة، وهو ما يمثل إهدارا كبيرا للثروة المائية. وفي هذا السياق، أشار أحد الدبلوماسيين إلى أن "هذا الاستهلاك غير المقيد وغير المدروس للمياه، هو دون شك المشكلة الكبرى. وفي حال لم تتخذ إجراءات بشكل فوري في هذا المجال، لن تنجوالمنطقة من توترات خطيرة للغاية".
المصدر: "لوفيغارو"