تجاوز أكثر من نصف عمليات سحب المياه الحالية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الكمية المتاحة من المياه طبيعيا، وعلى المدى البعيد، قد يكون لذلك عواقب وخيمة على نمو المنطقة واستقرارها، ولذلك فإن التوصل لحلول لتضييق الفجوة بين العرض والطلب على المياه هو من الأولويات العاجلة.
وتقع أمور شتى فى إدارة المياه بالمنطقة على حافة الخطر، وذلك وفقاً لتقرير نشره البنك الدولى، حيث أدى الصراع المسلح وتدفق أعداد هائلة من اللاجئين إلى زيادة الضغوط على موارد الأراضى والمياه فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذلك على البنية التحتية فى المجتمعات المحلية التى تستقبل اللاجئين.
ففى الأردن وحده، وفقا لوزارة المياه والرى فى المملكة، أدى تغير المناخ وأزمة اللاجئين إلى انخفاض توفّر المياه إلى 140 مترا مكعبا للشخص، وهو أقل كثيرا من الحد المعترف به عالميا لندرة المياه الشديدة والبالغ 500 متر مكعب.
ونتجت هذه التطورات الحديثة عن عقود من النمو السكانى السريع، وتوسع المدن، والتكثيف الزراعى، ويشير تقرير البنك الدولى إلى أن أكثر من 60% من سكان المنطقة يتركزون فى الأماكن المتضررة من الإجهاد المائى الشديد أو الشديد جدا، مقارنة بالمتوسط العالمى البالغ حوالى 35%. كما يحذر التقرير من أن ندرة المياه المرتبطة بالمناخ قد تسبب خسائر اقتصادية تقدر بنحو 6%-14% من الناتج المحلى الإجمالى بحلول عام 2050 - وهى أعلى نسبة فى العالم.
وفى الوقت الذى تبحث فيه الحكومات عن حلول، يمكن أن يتيح اتجاهان اثنان على وجه الخصوص فرصا لتغيير الأوضاع وتعزيز الأمن المائي. وكما هو مبين فى تقريرين حديثين أعدهما المعهد الدولى لإدارة المياه، فإن جدوى هذه الحلول ستعتمد على كيفية استجابة الحكومات والمجتمعات لها.
يتمثل أحد الاتجاهات فى الانتشار السريع للرى الذى يعمل بالطاقة الشمسية فى بعض البلدان، وذلك لتحقيق أهداف ثلاثة هى تعزيز المياه والطاقة والأمن الغذائي. فعلى سبيل المثال، يتوقع المغرب تركيب أكثر من 100 ألف مضخة شمسية بحلول عام 2020، وبالمثل، تنفذ مصر برنامجا للزراعة الصحراوية يشمل رى 630 ألف هكتار بتكنولوجيا الطاقة الشمسية. وتشرع بلدان أخرى فى هذه المشاريع أيضا، مستفيدة من انخفاض تكاليف تكنولوجيا الطاقة الشمسية والإشعاع الشمسى العالى فى المنطقة، وستحل هذه المبادرات محل مضخات الديزل الملوثة والمكلفة، وتوفر خيارا جديدا للمزارعين الذين يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى شبكات الطاقة، و يحفز خفض الدعم للوقود التقليدى على التحول إلى استخدام مصادر الطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة.
وتأمل الحكومات أن توفر تكنولوجيا الطاقة الشمسية وسيلة للمجتمعات الزراعية كى تقفز من الضعف المزمن نحو التكثيف المستدام والمرن للإنتاج، غير أن هذا الخيار ينطوى على الجانب السلبى الناجم عن عدم كفاية الفهم للمياه الجوفية وسوء تنظيمها، وأدت أوجه القصور هذه، عن طريق السماح بالاستغلال المفرط للمياه الجوفية، إلى هبوط منسوب المياه، مما يجعل الضخ من طبقات جوفية أعمق أكثر تكلفة، كما تسببت فى مشاكل مثل ملوحة التربة، ويمكن أن يؤدى الرى بالطاقة الشمسية إلى تفاقم الأمور من خلال السماح باستخراج المزيد من المياه الجوفية بتكلفة أقل، مما يؤثر على المجتمعات المحلية الضعيفة التى تعانى من ضعف فرص الحصول على الموارد المائية.
ويمكن أن تساعد تكنولوجيات الرقابة المبتكرة (مثل المضخات التى تعمل عن بعد وأجهزة قياس المياه الذكية) على مواجهة بعض التحديات. وعلاوة على ذلك، وكما يحدث بالفعل فى الأردن، يمكن للخبراء استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد لمساعدة الحكومات فى السيطرة على التوسع فى الرى القائم على المياه الجوفية.
استغلال المورد الطبيعى الوحيد المتزايد
هناك اتجاه ثان يركز على مياه الصرف الصحى فى المنطقة، التى يبقى 82% منها بلا إعادة تدوير، مقارنة بحوالى 30% فقط فى البلدان ذات الدخل المرتفع، وهذا يشكل تهديدا كبيرا لصحة البشر والبيئة ولكن أيضا فرصة كبيرة لتلبية الطلب على المياه بشكل أفضل. فالمياه العادمة هى المورد الطبيعى الوحيد الذى يزداد مع نمو المدن والسكان، وتولد بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 18.4 كيلومتر مكعب من مياه الصرف البلدية فى السنة.
وهناك العديد من التكنولوجيات المتاحة لمعالجة وإعادة استخدام المياه المستعملة لأغراض إنتاجية، بما فى ذلك رعاية الغابات، والزراعة، والأراضى الطبيعية، وإعادة تغذية المياه الجوفية. بيد أن عملية اعتماد هذه الخيارات كانت بطيئة حتى الآن بسبب اللوائح العنيدة ووجود فجوة سياسات بين قطاعات الزراعة والصرف الصحى وغيرها من القطاعات. وعندما تبدأ مشاريع إعادة الاستخدام، فإن عدم وجود تعريفة ملائمة وحوافز اقتصادية يقوض استدامتها حيث يتعذر استرداد تكاليف معالجة المياه المستعملة.
وتتمثل الاعتبارات الرئيسية للمضى قدما فى اختيار المحاصيل الأنسب للرى باستخدام المياه المعاد استخدامها والتدابير اللازمة لمعالجة الشواغل الصحية المحددة.
وأمام منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الكثير من المكاسب التى يمكن تحقيقها من خلال الجهود الرامية إلى التغلب على هذه الحواجز، ومع توفر المعالجة المناسبة، فإن مياه الصرف الصحى تستطيع توفير مياه الرى والأسمدة لأكثر من مليونى هكتار من الأراضى الزراعية، ومن شأن ذلك أن يسهم فى حفظ المياه العذبة، مما يتيح زيادتها فى الاستخدام المنزلى ومجموعة واسعة من الأغراض الإنتاجية، إن نجاح الأردن فى تسخير الابتكار التكنولوجى والتمويل من القطاع الخاص لإعادة تدوير المياه العادمة يقدم حالة مفيدة بشكل خاص. ويمكن لهذه التكنولوجيات، التى تعززها سياسات جديدة، أن تساعد المنطقة على تحقيق الأمن المائي. وسيتطلب ذلك التزاما على جميع مستويات المجتمع بمعالجة الحواجز الثقافية التى تعرقل التغيير فى استخدام المياه، وتجاوز الانقسامات المؤسسية والسياساتية، وتنقيح اللوائح شديدة الصرامة.
تحويل التهديدات إلى فرص
إن حلول مشكلة ندرة المياه فى متناول اليد، ويتمثل التحدى فى تعجيل وتيرة تطوير الابتكار ونشره من أجل الإدارة المستدامة للمياه، ويتطلب هذا بدوره "وعى مائى" جديد، كما هو مذكور فى "ما بعد ندرة المياه"، الذى يقر بأن الجميع - من فرادى المزارعين والمستهلكين إلى الشركات والهيئات العامة - يتحملون المسئولية عن التغلب على ندرة المياه.