شون دونان من واشنطن
كان من السهل جدا أن نرى خلال الأيام الماضية كيف يمكن أن تنشب حرب تجارية بين أكبر اقتصادين في العالم. فرض رسوم جمركية بقيمة 50 مليار دولار هنا، ورسوم أخرى بقيمة 100 مليار دولار هناك. ثم فجأة تجد نفسك في المعادِل الحقيقي تماما لقذائف تجارية يتم إطلاقها من تشاتانوجا إلى تشونجكينج. لكن ما يمكن أن يجعل نشوب حرب تجارية أكثر ترجيحا هو أن من الصعب أن نحدد كيف يمكن تجنب وقوعها الآن بعد إطلاق كل هذه التهديدات والتهديدات المضادة.
بالنسبة لدونالد ترمب عدم المضي في تطبيق الرسوم التي يهدد بها سيكون دلالة على ضعف جيوسياسي في حال لم تجر الصين تغييرا جذريا في نظام الملكية الفكرية لديها وفي أنموذجها الاقتصادي. بالمثل، إذا رضخ الرئيس تشي جين بينج لتهديدات الرسوم الجمركية وطبق الآن الإصلاحات الجوهرية التي تطالب بها إدارة ترمب، فإن هذا من شأنه أن يكون عملا من أعمال الأذى السياسي الذاتي.
ليس هناك سبيل واضح للخروج من ذلك من دون حدوث صدام، أو نوع من أنواع الاستسلام. كانت هذه الدينامية واضحة في نقاش جرى الأسبوع الماضي بين لاري كودلو، كبير المستشارين الاقتصاديين الجديد الذي عينه ترمب، وصحافي صيني كان موجودا مع أكثر من عشرين صحافيا اجتمعوا في قاعة المؤتمرات في البيت الأبيض لسماع رأي كودلو بخصوص تصعيد ينطوي على رسوم إضافية على ما قيمته 100 مليار دولار من السلع الصينية، أعلن عنه رئيسه في الليلة السابقة. سأل الصحافي الصيني كودلو قائلا: "الرئيس تشي جين بينج حرفيا ليس لديه كثير من الخيارات المتاحة أمامه لأنه كما ترى هناك نزعة قومية مرتفعة في الصين. بحسب ما أرى 90 في المائة من أفراد الشعب الصيني على استعداد لخوض حرب تجارية ضد الولايات المتحدة. لكن في الولايات المتحدة لا أعتقد أن هناك 90 في المائة من الأمريكيين ممن هم على استعداد لخوض الحرب. لذلك كيف تتوقع أن تتراجع الصين عن هذا الموقف؟".
هذا السؤال جعل الناقد التلفزيوني السابق يتوقف قليلا قبل الإجابة. رد في النهاية قائلا: "أنا أسألك: هل ترغب الصين في أن تكون جزءا من النظام التجاري والاقتصادي العالمي؟ يا صديقي أفراد الشعب الصيني في وضع مستحيل. لا يمكنهم مواصلة مخالفة قوانين التجارة كما كانوا يفعلون طوال أكثر من 20 عاما. وليس هناك من يساندهم في ذلك. من يقف إلى جانبكم؟ هذا ما أقصده. المسألة ليست مسألة إنقاذ ماء الوجه، وأمور أخرى من هذا القبيل. بل هي مسألة اقتصاد أصبح حديثا اقتصادا بمرتبة عالمية، وينتمي لبلدان العالم الأول، وعليه الآن أن يندمج ضمن بقية العالم".
تطور الحديث ليصل إلى مراحل أخرى. لكن الحوار أشار إلى ما يمكن أن يبدو وكأنه سوء حسابات مهم يسود واشنطن هذه الأيام. تبدو إدارة ترمب وكأنها مستعدة لتجاهل الديناميات المحلية في الصين أثناء سعيها لتحقيق أهداف تعتمد على رضوخ قادة الصين لمطالبها. في عالم يسوده شعار "أمريكا أولا"، هذا أمر منطقي بالطبع. يعتقد ترمب أنه يعطي نفسه وضعا قويا من خلال الرسوم الجمركية التي يفرضها، والتي تستهدف عقودا من سرقة الملكية الفكرية، ومن خلال استعداده لقيادة الولايات المتحدة لخوض حرب تجارية تهدف إلى انتزاع تنازلات من بكين. تجادل إدارة ترمب بأن عقودا من الجهود الهادئة المبذولة من قبل إدارات أمريكية سابقة فشلت في إرغام الصين على تغيير أساليبها. ومن رأي مساعدي ترمب أن بكين كثيرا جدا ما أخلفت وعودها الغامضة بحيث لا يمكن الوثوق بها مجددا.
كانت لإدارة أوباما فكرة مختلفة تتعلق بكيفية زيادة الضغوط على بكين. توصل أعضاؤها إلى نتيجة مفادها أن النظام التجاري القائم ليس ناجحا وأن هناك حاجة إلى تعامل مختلف فيما يخص الصين. كانت فكرتهم تعتمد على بناء تحالفات تجارية إقليمية طويلة الأمد خارج إطار منظمة التجارة العالمية واستخدام تلك التحالفات لتضمين قواعد جديدة في الاقتصاد العالمي من شأنها أن تجعل بكين ملزمة باتباعها في نهاية المطاف. اتفاقية الشراكة عبر الباسفيك، التي انسحب منها ترمب خلال أول يوم عمل تام له في المنصب، كان الهدف منها تحقيق ذلك الهدف بالضبط. وكذلك كان هدف صفقة تجارية "إقليمية كبرى" أخرى أبرمت مع الاتحاد الأوروبي اعتبرها المسؤولون الرسميون والشركات وسيلة لإعطاء ثقل عالمي أكبر للقيم والقواعد والمعايير الفنية عبر الأطلسي في مواجهة تحد قادم من الصين.
وفي حين أن ترمب ومساعديه يحبذون خوض مواجهات حادة قصيرة على الدخول في معارك وجودية، كان لدى أسلافهم اهتمام بالتخطيط الاستراتيجي. لكن كلا الطرفين خاض حرب الابتكار الاستراتيجي نفسها مع أخذ الصين في الحسبان. ومن المحتمل أن تدوم حرب الابتكار أكثر من أي حرب تجارية يبدأها ترمب. لكنها مع ذلك سبب آخر يجعل الحرب التجارية تبدو أكثر احتمالا.
ولا يبدو أي من الجانبين على استعداد للاستسلام في حرب الابتكار. الإقدام على ذلك يعني التنازل عن القرن الحادي والعشرين. حجم ما يقتتل عليه الجانبان هو من وجهة نظرهما أكبر بكثير من الضرر الذي يرجح أن ينتج عن أي حروب تجارية.
ورسوم ترمب الجمركية هي إحدى السبل التي يعتقد هو ومساعدوه أنها ينبغي أن تستخدم في حروب الابتكار المذكورة، ولو على الأقل من أجل منع الصين من أن تكون قادرة على إكراه الشركات على تسليم ما لديها من معرفة فنية ثمنا لدخولها إلى السوق الصينية. وهم يريدون كذلك وضع قيود جديدة على الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة من التي لم تُثِر اهتماما كبيرا، من أجل إيقاف الشركات المدعومة من بكين عن الاستحواذ على التكنولوجيا الأمريكية.
لكن من غير المرجح أن يسمح الزعماء الصينيون بأي من الخطوتين دون ردود فعل انتقامية. فالخطوتان موجهتان ضد ما تعتبره الصين مساعيها التأسيسية من أجل تأمين دور عالمي رائد في التكنولوجيات المتقدمة، مثل الروبوتات، وضد الخطة التي كثيرا ما يستشهد بها تشي بعنوان "صنع في الصين 2025".
وهو ما يعيدنا إلى السبب في أن نشوب الحرب التجارية يبدو أرجح من عدمه: لا يبدو على أي من الجانبين أنه سيقبل بالانحناء أمام الآخر.
الشركات والاقتصاديون والمستثمرون في أنحاء العالم أمضوا وقتا طويلا وهم يطالبون بالمفاوضات، ويحثون ترمب وخصومه الصينيين على أن "يعطوا السلام فرصة". لكن كلما أمعنا التفكير في الموضوع قل احتمال السلام.
نعلم كيف تبدأ الحرب التجارية، لكننا لا نعلم كيف يمكن لأي شخص أن يتجنب الوقوع فيها.