في عام 1997 تولى الاقتصادي الأمريكي الشهير والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، جوزيف ستيجليتز، منصب نائب الرئيس الأول وكبير الخبراء الاقتصاديين في البنك الدولي. بعد فترة وجيزة من عمله داخل أروقة البنك الدولي وإطلاعه على خباياه، بدأت تتكون لدى ستيجليتز بمرور الوقت خيبة أمل جراء أفعال البنك الدولي، فبدأ يعبر عن رأيه على الملأ. ومع تزايد انتقاداته للبنك الدولي، تمت الإطاحة به من منصبه، بناء على أوامر من وزير الخزانة الأمريكي لاري سامرز.
ومنذ مغادرته البنك الدولي، عكف ستيجليتز، الأكاديمي المخضرم الذي التحق بالعمل في أرقى الجامعات مثل (MIT) وييل وستانفورد، قبل أن يتولى رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في عهد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، ويحصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2001، عكف على انتقاد البنك الدولي وفضح الممارسات التي يقوم بها.
ففي مقابلة مع ستيغليتز في يونيو (حزيران) عام 2011 فقد أعرب عن انتقاداته لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، قائلًا إن دعم البنك الدولي لما يعرف بـ«توافق واشنطن Washington Consensus»، وهو مجموعة من السياسات التي تعزز الاستقرار والتحرير والخصخصة» للاقتصاد، يعد دعمًا ضارًا بسبب تركيزه على إزالة القيود، وبدلًا من ذلك يجب أن يساعد سياسات الدول على تطوير «هيكل تنظيمي مناسب». ويعلق ستيجليتز في نهاية المقابلة، أنه يجب أن يكون هناك التزام أكبر للمبادئ الديمقراطية من قبل مؤسسات بريتون وودز (يقصد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي).
فتح الصندوق السري
لا يتوقف الأمر عند ستيجليتز، فهناك العديد من الاقتصاديين الذين استقالوا أو تمت إقالتهم بسبب تعارض أفكارهم وقناعاتهم مع ما يقوم به البنك الدولي. فها هو رافي كانبور، الاقتصادي المتميز في مجال التنمية، الذي عينه البنك الدولي ليقود فريقًا في كتابة تقرير عن التنمية في العالم (WDR) حول الفقر.
في يونيو عام 2000 استقال كانبور بشكل مفاجئ، بسبب ما اعتبره ضغطًا غير معقول للتخفيف من لهجة التقارير حول النمو وإعادة التوزيع الاقتصادي، بمعنى أن يغير كانبور في حقيقة الوضع الاقتصادي للبلدان التي سيتم كتابة تقرير التنمية عنها، ويرى البعض أن وزير الخزانة الأمريكي لاري سامرز نفسه أصر على بعض هذه التغييرات الأساسية، ويطلق عليها الكثيرون رقابة صريحة.
كتب بعدها جوزيف خان مقالة في صحيفة نيويوك تايمز بعنوان «شوكة في طريق الثروات» كشف فيها عن الكثير حول كواليس استقالة كانبور، حيث إن اختلاف العقيدة الاقتصادية لكلا الطرفين كانت سبب خروج كانبور، الذي يعتقد بأن الحكومات قادرة على تحديد مسارها الخاص وسرعة تحركها في الأسواق، وهو ما أراد كانبور أن يوضحه في التقارير، بينما يريد البنك الدولي أن يرسم مسارًا خاصًا لا بد أن تسلكه الدول، والقائم على وصفة تشمل تحرير التجارة، وخصخصة أصول الدولة.
في واقع الأمر، لا يخلو وقت من انتقاد البنك الدولي، مثله في ذلك مثل صندوق النقد الدولي، بسبب دوره في الترويج لإجماع واشنطن، الموازي لسياسات التكيف الهيكلي عند صندوق النقد الدولي، مع اشتراط اتخاذ العديد من التدابير أيضًا قبل منح الدول القروض. ويعتقد البعض أن برامج البنك الدولي تركز على تدابير التقشف التي تؤذي الفقراء، بينما تسمح للشركات الكبرى بالازدهار.
سجل التهجير المرعب
البنك الدولي، كثيرًا ما يتجاهل الأثر البيئي والاجتماعي للمشاريع التي يدعمها. على سبيل المثال، ساعد البنك الدولي في تمويل برنامج «التنمية المتكاملة لمنطقة الشمال الغربي» المعروف اختصارًا بـPolonoroeste في البرازيل، الذي عُد من أكثر القروض سيئة السمعة في التاريخ، والذي تم افتتاحه في المدينة الأمازونية روندونيا عام 1981. وهو مشروع بقرض قيمته 1.6 مليار دولار لتمهيد نحو 1500 كم من الطرق وإعادة توطين المهاجرين في شمال غرب البرازيل. تسبب البرنامج في هجرة كثيفة نحو تلك المنطقة واندفاع سكاني للأراضي أدى إلى تدمير واسع النطاق للغابات المطيرة وإحداث ضرر بالغ بالسكان الأصليين. وبعد انتقادات دولية كبيرة للمشروع، توقفت مدفوعات البنك الدولي للمشروع.
السهم الآخر من سهام النقد الموجهة للبنك الدولي، وكذلك صندوق النقد الدولي، هو دوره في التسبب في ارتفاع الديون بين البلدان النامية. وبالرغم من أن القروض تهدف إلى مساعدة البلدان، كما يقول البنك على نفسه، إلا أنها تتسبب أيضًا في تحمل تلك البلدان للديون التي يجب عليها أن تدفع فوائدها وأن تظل في شرك البنك.
وعلى مدار السنوات الثلاثين الماضية تراكمت هذه الديون بشكل كبير لدرجة أن العديد من البلدان أصبحت تنفق أكثر على خدمة التزامات ديونها أكثر من الإنفاق على الخدمات الاجتماعية الأساسية، وهو ما يتعارض مع الهدف الرئيسي الذي يدعيه البنك وهو الحد من الفقر، حتى إن بعض الاقتصاديين يشبهون ذلك الهدف الذي يدعيه البنك بأنه مجرد «ساتر دخاني» والهدف الحقيقي له هو استخدام القروض المشروطة في مقابل اتخاذ البلدان سياسات نيوليبرالية تفيد في النهاية الشركات والمؤسسات المالية الغربية.