لينا كنوش
انطلقت فرنسا وألمانيا في مسار تقارب طويل منذ اتفاقيّة الإليزيه (1963). لكن أثناء محاولة تطوير مختلف أشكال التعاون، صاغت الثقافة السياسيّة القوميّة لكلّ من البلدين توجهات مختلفة. من ذلك نذكر بالخصوص استثمار ألمانيا بشكل مكثّف في تطوير اقتصادها، بما يشمل الصناعة العسكريّة، في ظلّ الحدّ بعناية من البُعد العسكريّ القوميّ. في الجهة المقابلة، تركت فرنسا اقتصادها ينجرف، لكنّها استثمرت في سياسة عسكريّة نشطة، مع تقييد إمكانات جيشها بدفع من ضغوط الموازنة.
اليوم، تجاوزت موازنة الدفاع الألمانيّة نظيرتها الفرنسيّة، لذلك صارت ألمانيا مهيمنة في جميع المجالات. تبقى لفرنسا إرادة الفعل في الميدان العسكريّ الاستراتيجيّ في العالم، وهي مسألة بصدد النقاش في ألمانيا، ولن تحلّ قبل عقود من الزمن. في الأثناء، لا يمكن لتعاون في الميدان العسكريّ الاستراتيجيّ إلا أن يتم بين شريكين يملكان قدرات متماثلة، أو تحليلات استراتيجيّة متطابقة واتفاقاً لتقاسم المهمات. في غياب ذلك، تُبنى العلاقة على التبعيّة.
*فرنسا قوّة عسكريّة، لكنها ليست قوّة اقتصاديّة. ألمانيا على عكسها، قوّة اقتصاديّة، لكنّها ليست قوّة عسكريّة. هل تظنّ أن برلين تطمح حقّاً إلى أن تصبح قوّة عسكريّة، وكيف ترى موقف فرنسا في ضوء ذلك؟
يوجد في ألمانيا ترفيع في موازنة الدفاع ونقاش حول النشاط العسكريّ، لكن لا يزال المجتمع الألمانيّ مشبعاً بالريبة في ما يتعلق بالمسائل العسكريّة، وهو أمر طُبع في أذهان المواطنين منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية. إضافة إلى ذلك، توجد في هذا البلد، المعادي للنزعة العسكريّة، مجموعة من الترتيبات التشريعيّة والاجتماعيّة التي وُضعت لعدم تسهيل انتداب الجنود، ما يحدّ من فعاليّة القوات العاملة في الميدان. إذا تمكنت ألمانيا من استعادة قوّتها العسكريّة، فسيكون ذلك في سبيل الدفاع عن الحدود الشرقيّة لأوروبا، وهي مهمّة يصادق عليها شعبها. لكنها ما زالت بعيدة عن الرؤية الفرنسيّة للتدخلات الخارجيّة، إذ إنّ شعبها غير جاهز وكذلك أساليب عملها.
من جهتها، ستواجه فرنسا في ظلّ غياب إصلاحات اقتصاديّة، صعوبات أكبر في الحفاظ على جيشها، لذلك يمكن لتسوية مؤقتة قائمة على تقاسم المهمات بين الحدود القريبة والأخرى البعيدة ضمان نوع من التعاون المتوازن.
من ناحية المبدأ، علاقة فرنسا بألمانيا أفضل عامّة من علاقاتها ببقيّة البلدان الأوروبيّة، لكن من الناحية العسكريّة وفي ما يخص النشاط العسكريّ، فبمجرّد وجود توافق سياسيّ حول نشاط ما، يصير التعاون مع المملكة المتحدة أفضل، وقد تم تأكيد الحفاظ على جميع اتفاقات الدفاع والتعاون منذ اليوم الموالي لـ«البريكست».
*ما رأيك في «المظلة العسكريّة الأميركيّة» إذا ما طبّق ترامب تخفيضاً في قدراتها الدفاعيّة، مع الأخذ في الاعتبار أنّ مشروع «أوروبا الدفاعيّة» يبقى افتراضيّاً ما دام لأعضاء الاتحاد الأوروبيّ مصالح متباعدة حول الموضوع (أطلسيّة وسياديّة، فيما لا يمتلك أعضاء أخرون أيّ قدرة عسكريّة)؟
أساساً، يتعلّق السؤال الحقيقيّ بمعرفة «من هو العدوّ؟»، لأنّ التحالفات والدفاع المتبادل إجابة عنه. وتجب الملاحظة أنّ الولايات المتحدة، منذ ما قبل مجيء ترامب، كانت قد طلبت من أوروبا أن تتولى أكثر مسألة الدفاع عن نفسها، وقللت تبعاً لذلك عدد قواتها في أوروبا.
العدوّ هو العنصر الأوّل في المعادلة، العنصر الآخر هو معرفة إن كانت التهديدات العسكريّة لهذا العدوّ ضدّ أوروبا تعني أيضاً تهديدات ضدّ القوّة الأميركيّة. على الأغلب أنّ الأمر كذلك، لأنّ أساس كلّ سياسة أميركيّة، مهما كان الرئيس، مستلهم دائماً من رفض رؤية تكوّن جسد أوراسيّ واسع يكنّ لها العداء، أو يكون في أقلّ الحالات منافساً لها. هذا يقيناً ما تحسبه كثير من البلدان الأوروبيّة، بما فيها فرنسا منذ تخليها عن فكرة السيادة الديغوليّة [نسبة إلى الرئيس الأسبق شارل ديغول].
أما «أوروبا الدفاعيّة» فهي فخّ، إذ لا يمكن إلا لكيان سياسيّ موحّد أن يستثمر سيادة شعب مُصمَّم كجسد سياسيّ موحّد لتأسيس «أوروبا دفاعيّة». وفي انتظار ذلك، ستكون أيّ آلية عسكريّة بين القوى الأوروبيّة المتعددة الجنسيات مجرد هدر. فما لم تُحل مسألة هويّة أوروبا السياسيّة، لن يوجد سوى «دفاع أوروبيّ» مؤسس على تحالفات بين جماعات مصالح، قد تنهار بتغيّر المصالح، لكن ذلك هو قانون السياسة الراسخ.