2024-11-25 07:31 م

«حجّ» خليجي إلى البيت الأبيض: «تبويس لحى» ببركة ترامب؟

2018-02-26
يستضيف الرئيس دونالد ترامب في الفترة القصيرة المقبلة، الزعماء الخليجيين كلاً على حدة، في محاولة لتعبيد الطريق أمام القمة الأميركية - الخليجية التي يفترض أن تنعقد الربيع المقبل. محاولة لا يبدو أنها ستؤدي، حتى في حال نجاحها، إلى حسم الخلاف وانطواء صفحته، بالنظر إلى التركيز الأميركي على بعد واحد لا يخلو من الزيف، واستمرار التناوش بين «الأشقاء» على الجبهات كافة

يستعد زعماء الخليج لـ«الحجّ» إلى الولايات المتحدة الأميركية، تباعاً، في شهرَي آذار/ مارس ونيسان/ أبريل المقبلين، للتباحث في إمكانية انعقاد القمة الأميركية - الخليجية التي أضحت تقليداً سنوياً، منذ انعقاد أول لقاء من هذا النوع في منتجع كامب ديفيد الرئاسي الأميركي عام 2015، إبان عهد الرئيس السابق، باراك أوباما.

وفيما لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت تلك المباحثات المرتقبة ستسفر عن انعقاد القمة بنسختها الرابعة بعد القمة الأخيرة التي انعقدت في العاصمة السعودية الرياض في أيار/ مايو الماضي، يبدو أن كلاً من طرفي الأزمة الخليجية يستعد لتجميع أكبر عدد ممكن من أوراق القوة في جعبته، والتوجه بها إلى البيت الأبيض، أملاً في تعزيز محاولاته اجتذاب الحبل الأميركي إلى جانبه، في وقت لا تُظهر فيه واشنطن عزماً على حسم الخلاف لصالح أي من حلفائها.
وفقاً للمعلومات التي أدلى بها مسؤولون أميركيون كبار قبل يومين، فإن أول الواصلين إلى ضيافة الرئيس دونالد ترامب سيكون ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، منتصف آذار، يليه ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، بعد يومين، ثم يتبعهما أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، في نيسان. لقاءات تأمل الولايات المتحدة، بحسب ما ذكر أحد المسؤولين المشار إليهم، أن تسفر عن «حل الخلاف قبل القمة» المفترض انعقادها في واشنطن أواخر الربيع، «للسماح بتركيز أكبر على الشؤون الاستراتيجية الأخرى مثل إيران». هذا الهدف يكاد التشديد عليه يكون جامعاً لكل التصريحات الأميركية بشأن الأزمة الخليجية، التي يبدو أن رؤية وزارتي الخارجية والدفاع لحيثياتها وكيفية التعامل معها تركت تأثيرها على البيت الأبيض، الذي بات «أكثر اعتدالاً وتوازناً» في إدارة الخلاف، بعدما أظهر في بداياتِه انحيازاً واضحاً ضد قطر.


هل يعني ذلك أن الإدارة الأميركية ستنجح في لمّ شمل حلفائها؟ يوحي التركيز الدائم على ملف «مكافحة الإرهاب» دون سواه، وتشجيع الولايات المتحدة قطر على اتخاذ خطوات «أكثر تقدماً» في هذا المجال، ومكافأتها إياها على «الطاعة» بسلسلة اتفاقيات تم توقيعها خلال «الحوار الاستراتيجي الأميركي - القطري» الذي انعقد أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي، بأن واشنطن قد تنجح في جمع القادة الخليجيين تحت هذه اللافتة، بغرض الخروج بمشهد «توافقي» على «تعزيز فاعليتنا على الكثير من الجبهات» (على حد تعبير وزير الدفاع جيمس ماتيس)، وهو مشهد بإمكان أي من طرفي الأزمة ادعاؤه انتصاراً له. تُعزّز الاحتمال المتقدم التصريحات الأخيرة الصادرة عن المسؤولين الخليجيين والتي يتقدمها اثنان: أولهما لوزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أعلن فيه استعداد بلاده للمشاركة في القمة الأميركية - الخليجية، معرباً عن اعتقاده بأن «الوضع سيكون تحت السيطرة في النهاية»، مشدداً على أن «قطر لا تدخر جهداً في مكافحة الإرهاب، ويمكن لجميع الدول أن تفعل المزيد». وثانيهما لوزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، الذي اعتبر، قبل أيام، أن «لدول المقاطعة الفضل في التنازلات القطرية لواشنطن في ملف تمويل الإرهاب»، مؤكداً أن تلك الدول «ستستمر في ضغطها لتكسب تنازلات إضافية ضد التطرف والإرهاب، حتى وإن جاء الحصاد عبر عواصم أخرى».
لكن هذا الستار الذي يتلطى خلفه جميع المعنيين بالأزمة، لا يخفي حقيقة أن للخلاف بين «الأشقاء» الخليجيين أبعاداً سياسية أخرى، قد لا تكون الإدارة الأميركية راهناً معنية بالعمل على معالجتها، فضلاً عن أن إمكانية توصل الوسطاء المحليين (الكويت مثلاً) إلى تسوية بشأنها تبدو ضعيفة أكثر من أي وقت مضى. من هنا، فإن احتمال تحقق مصالحة بينية مماثلة لما شهده عام 2014 عقب أزمة سحب السفراء يبقى في مستوى الهشاشة أقله على المدى المنظور، لتتقدم احتمالات أخرى (ليس من بينها التصعيد العسكري)، فحواها استمرار دول المقاطعة في محاولة تقويض النظام القطري مع ادعائها خلاف ذلك في العلن، وإصرارها على هامشية «القضية القطرية» (قال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، الأسبوع الماضي، في بروكسل، إن «قطر قضية صغيرة أمام الملفات الهامة في المنطقة»)، ومحاولتها تكريس هذا الوضع وإرساء تطبيع إقليمي ودولي معه، وفي المقابل مواصلة قطر مساعيها إلى كسر تلك المحاولات عبر تمسكها بخوض الحرب الإعلامية والدعائية والدبلوماسية إلى منتهاها.
ما يدعّم الاحتمالات المتقدمة عدة مؤشرات صادرة من كلا المعسكرين لعل أهمّها اثنان: الأول أن عواصم المقاطعة عاودت محاولاتها إنتاج بديل سياسي لـ«نظام الحمدين»، بعد فشل تجربتها الأولى مع الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، الذي انتهى به مسار التعويم «البائس» إلى ظهوره محتجزاً في أبو ظبي وممنوعاً من الحركة. وما جديد السعودية والإمارات على هذا الصعيد إلا استضافتهما لشخص ثانٍ من العائلة القطرية الحاكمة يدعى سلطان بن سحيم آل ثاني (ابن شقيق أمير قطر السابق، خليفة بن حمد آل ثاني)، كان أول من التقاه - علناً - الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، خلال الحفل الختامي لـ«مهرجان الملك عبد العزيز للإبل 2018»، قبل أن يحضر جنباً إلى جنبه افتتاح «مهرجان الجنادرية 32»، ليتوجه عقب ذلك إلى البحرين حيث التقى ملكها، حمد بن عيسى، ومنها إلى الإمارات حيث اجتمع بولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد (تداولت وسائل الإعلام القطرية تسجيلاً منسوباً لوالدة سلطان، تحرّض فيه أحد الأشخاص على الانضمام إلى نجلها في تدبير انقلاب على الحكم). وعلى الضفة المقابلة، برزت دعوة أمير قطر، خلال «مؤتمر ميونيخ»، إلى «اتفاقية أمنية جامعة في الشرق الأوسط»، وهو ما رأت فيه دول المقاطعة «دعوة من لاعب ثانوي... ومشروعاً مضاداً لاستعادة العرب لفضائهم، ومتناقضاً مع التوجه الأميركي اتجاه طهران».
(الأخبار)