ميزة أميركا العسكرية على الصين تتآكل بسرعة، وقد أكدت هذه الحقيقة استراتيجية الدفاع الوطني الأميركي الأولى التي وضعتها إدارة ترامب والتي أصدرها مؤخرا وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي أعلن أن “المنافسة الكبرى في السلطة، وليس الإرهاب هي الآن محور التركيز الرئيسي للأمن القومي الأميركي”، وهذا الإعلان عن الصين أولوية قصوى هو أمر مدروس، طال انتظاره، وربما يحتمل أن يكون تاريخيا.
وسيركز الكثير على ما إذا كان الرئيس دونالد ترامب يمكن أن يقدم في الواقع إعادة تشكيل سياسة الدفاع الأميركية، ولم يكن خطابه الأول عن حالة الاتحاد مشجعا،وبعد إشارة صريحة إلى الصين، أعطى اهتماما أكبر لدولة إسلامية وكوريا الشمالية، مما يثير التساؤل عما إذا كان يشارك التزام فريقه بمواجهة التحدي الصيني.
وإذا فعل ذلك، سيتعين على الرئيس أن يفعل أكثر من تنقيح خطابه، وتحتاج إدارة ترامب إلى تخصيص أموال إضافية للبقاء قادرة على المنافسة العسكرية في آسيا، كما أن ماتيوس نفسه يعترف “إذا لم تحصل على الموارد، فإن استراتيجيتك ليست أكثر من مجرد الهلوسة”، ستكون ميزانية ترامب الأسبوع المقبل مؤشرا مبكرا على أن المزيد من الدولارات (أو لا تكون) في الواقع مكرسة لتعزيز الجيش الأميركي والسلطة وحل التحديات التشغيلية في غرب المحيط الهادئ.
يحتاج الجيش الأميركي بشدة إلى مخزونات أكبر من الذخائر والدفاعات السلبية والفعالة أقوى في القواعد الأميركية في المنطقة والمزيد من البحر والجسور الجوي لتفريق القوات ،وتفريقها وأنظمة إدارة المعركة الجوية الأكثر تقدما لضمان الوعي الكامل بمساحة المعركة ،والمزيد من السفن والطائرات الجيل الخامس إلى الأمام ونشرها وعلى استعداد للقتال في آسيا والمحيط الهادئ.
كما تحتاج الى مزيد من البحث والتطوير وزيادة الاستثمارات فى التكنولوجيات المتقدمة بما فى ذلك الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا الفائقة السرعة والحرب الالكترونية والسيبرانية لضمان وصول الجيش الأميركى وتشغيله فى شرق اسيا بالرغم من المزايا المحلية للصين.
متى وأين تقرر ترامب لاستخدام الجيش الأميركي سيكون حاسما أيضا، وسيتطلب تنفيذ استراتيجية البنتاغون الجديدة مقاومة نداء صفارات الإنذار بتهديدات أقل خطورة ولكن أكثر إلحاحا، وهو أمر أبعد الإدارات الأميركية منذ نهاية الحرب الباردة، وينبغي أن يكون من المعطى أن الولايات المتحدة في منافسة مع الصين لا يمكن أن تحمل حربا كبيرة في سوريا أو مع إيران.
سوف تحتاج ترامب أيضا إلى كبح عمليات مكافحة الإرهاب الحالية لدعم استراتيجية طويلة الأجل في آسيا، وسيكون من الضروري إعادة معايرة أهداف وتوقعات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بحيث يتم تخصيص الموارد المحدودة، بما في ذلك أصول الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (مثل الأقمار الصناعية التصويرية والطائرات بدون طيار) أولا وقبل كل شيء لآسيا.
وعلاوة على ذلك، فإن تحرير الموارد اللازمة لزيادة الوجود العسكري للولايات المتحدة وبناء قدرات الشركاء الأميركيين في جنوب شرق آسيا سيتطلب تقييدا ??لا يتوسع، كما فعلت هذه الإدارة – الولايات المتحدة، والحملات العسكرية في أفغانستان وأجزاء من أفريقيا كما أن إجراء مقايضات صعبة وقبول مخاطر أكبر في مناطق معينة سيكون أمرا لا مفر منه في الأشهر والسنوات القادمة.
وليست هذه هى المرة الأولى التى تعلن فيها واشنطن انها جادة بشأن الصين، في بداية ولايته الأولى، وصف الرئيس جورج بوش أيضا الصين بأنها “منافس استراتيجي”، لكنه عكس مسارها سريعا بعد هجمات 11 سبتمبر، متخلى عن الجغرافيا السياسية لصالح التركيز شبه المفرد على مكافحة الإرهاب الجهادي.
وبعد عقد من الزمان، أطلقت إدارة أوباما “محورها” الخاص لآسيا، ولكنها حولت الانتباه والموارد إلى الحرب العالمية على الإرهاب ردا على صعود الدولة الإسلامية والحرب الأهلية والتمرد المستمرين في الشرق الأوسط الكبير.
واستخدمت الصين طوال العقود الأولى من القرن الماضي “نافذة الفرص الاستراتيجية” التي تم وصفها ذاتيا لتضمين القوة الكافية لتحدي الولايات المتحدة في آسيا وخارجها.
وقد نجحت بكين إلى حد كبير في هذا المسعى: بناء جزر اصطناعية في بحر الصين الجنوبي وتوسيع حضورها العسكري العالمي وتأثيرها الاقتصادي بمبادرة الحزام والطريق والتحديث العسكري الصارم والإصلاحات.
وتمتلك الصين الآن مئات الاسلحة النووية عالية الغلة ويمكنها تسليمها الى أهداف فى اى مكان فى العالم بما فى ذلك المدن الأميركية. ويمكن لبرامجها الصاروخية والباليستية، التى تعد الاكثر تطورا فى العالم، أن تغرق حاملات الطائرات الأميركية وتصبح قواعد أميركية غير قابلة للتشغيل فى اليابان وكوريا الجنوبية وربما حتى غوام، ونتيجة لذلك، فإن قدرة الجيش الأميركي على تحقيق مهام الدفاع الأساسية في آسيا، بما في ذلك الدفاع عن حلفائه وضمان حرية الملاحة والتجارة في المنطقة، هي الآن موضع شك.
ومن الواضح أن استراتيجية الدفاع الوطني الأميركي الجديدة هي محاولة لمعالجة خطورة المنافسة الاستراتيجية الأميركية مع الصين، ومن أجل دفع وتراجع تآكل الميزة العسكرية الأميركية، دعا ماتيس إلى المزيد من القوات المقاتلة، وشراكات أمنية أقوى، وقسم دفاع أكثر ابتكارا يمكن أن يبقى خطوة إلى الأمام.