يبدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاثنين جولة إفريقية تستغرق 5 أيام، يستهلها بزيارة الجزائر ومن ثم موريتانيا والسنغال ومالي، وهي الثانية له لدول افريقية ضمن مسعى تركي واضح للتمدد في القارة من بوابة التعاون الاقتصادي والأمني.
ويسعى أردوغان ايضا خلال محطته الأولى لمحو أي أثر لشبكة فتح الله غولن التي تتهمها أنقرة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشل في يوليو/تموز 2016، في المنطقة.
وكان الرئيس التركي قد قام في ديسمبر/كانون الأول بزيارة للسودان انتزع خلالها عشرات الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية إلى جانب ظفره بموافقة سودانية على ادارة تركية كاملة لجزيرة سواكن الاستراتيجية على ساحل البحر الأحمر الذي يعد مجالا حيويا لأمن كل من مصر والسعودية.
وترسم زيارة أردوغان الثانية للقارة الافريقية خطوط خارطة التمدد التركي في المنطقة في الوقت الذي يحذر فيه مسؤولون عرب من خطر هذا التمدد على الأمن القومي العربي.
وتعد زيارة أردوغان إلى الجزائر الثانية من نوعها بعد استلامه منصب الرئاسة، حيث أجرى زيارة رسمية في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2014.
ومن المنتظر أن يعقد أردوغان لقاء ثنائيا مع نظيره الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة ويترأسا معا اجتماع وفدي البلدين لبحث سبل التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وكيفية رفع مستوى العلاقات السياسية والاقتصادية بينهما.
كما سيبحث الرئيس التركي الحد من نشاط منظمة فتح الله غولن في الجزائر ومسائل إقليمية ودولية ذات اهتمام مشترك.
ويرافق أردوغان في جولته مجموعة من رجال الأعمال والمستثمرين الأتراك للمشاركة في منتدى الأعمال التركي الجزائري الذي يلتئم بالعاصمة الثلاثاء المقبل.
كما سيتم خلال الزيارة، افتتاح مسجد "كاجي أوفا" الذي يحمل ملامح التراث الثقافي لكلا البلدين وقامت بترميمه وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا).
وكانت الجزائر التي تعد أكبر دولة في القارة الإفريقية، جزء من الدولة العثمانية، اعتبارا من عام 1519 إلى 1830، حيث خضعت حينها للاحتلال الفرنسي.
وبدأت العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة والجزائر فور إعلان الأخيرة استقلالها وتخلصها من الاحتلال الفرنسي عام 1962 وفتحت تركيا سفارتها في الجزائر عام 1963.
واكتسبت علاقات البلدين زخما كبيرا مع الزيارة التاريخية التي أجراها الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة إلى أنقرة في العام 2005، والزيارة التي قام بها أردوغان إلى الجزائر، عندما كان يشغل منصب رئاسة الوزراء في تركيا عام 2006.
وعقب ذلك، بدأت الزيارات المتبادلة بين كبار مسؤولي البلدين لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية.
وبلغت صادرات تركيا إلى الجزائر عام 2016 حوالي 1.7 مليار دولار، واستوردت منها منتجات بقيمة 1.3 مليار دولار.
وتستورد تركيا من الجزائر الغاز الطبيعي المسال وغاز البترول المسال والنفط الخام، وتشكل منتجات الطاقة 97 بالمئة من صادرات الجزائر إلى تركيا.
وفي المقابل تصدر تركيا إلى الجزائر مركبات النقل البري وقطعها والحديد والصلب ومنتجات النسيج والزيوت الطيّارة والأدوات الكهربائية والألبسة.
وتنشط الشركات التركية العاملة في الجزائر في مجال الحديد والصلب والنسيج والمواد الكيمياوية والمنظفات والمواد الغذائية وتجاوزت قيمة استثمارات تلك الشركات مليار دولار.
وتأتي زيارة أردوغان للجزائر فيما تعمل تركيا ايضا على مشاريع جديدة في ليبيا التي تربطها حدود طويلة مع الجزائر.
ويؤكد محللون أن المشاريع التركية في المنطقة مجرد واجهة لعمليات التغلغل في مفاصل القارة الافريقية لتأمين موطئ قدم في المناطق الاستراتيجية.
وينظر مسؤولون عرب إلى التحركات التركية في المنطقة بريبة معتبرين أنه لا يمكن النظر لها بمعزل عن مخططات التوسع وتأجيج الصراعات عبر دعم جماعات الاسلام السياسي.
ولئن حملت زيارة أردوغان المرتقبة للجزائر عناوين اقتصادية وثقافية فإنها ربما تتضمن أيضا فتح منافذ للتواصل مع اسلاميي الجزائر الذين يخوضون منذ سنوات معركة طويلة للوصول إلى السلطة بعد نجاح الجيش في تحييد الاسلاميين في تسعينات القرن الماضي ما فجر أسوأ موجة عنف في تاريخ الجزائر قتل خلالها نحو 200 ألف شخص فيما بات يعرف بالعشرية السوداء.