2024-11-25 10:33 م

ضغوط سعودية بأوامر أمريكية على القيادة الفلسطينية

2017-12-20
زيارة جديدة للرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إلى السعودية تعد الثانية من نوعها خلال أقل من شهرين، حيث سبق أن استدعت المملكة أبو مازن بشكل عاجل مطلع نوفمبر الماضي، لممارسة ضغوط سياسية واقتصادية عليه للقبول بما يسمى “صفقة القرن”، لكن يبدو أن الاستدعاء هذه المرة سيحمل في طياته المزيد من الضغوطات على السلطة الفلسطينية التي قد تصل إلى التهديد، بعدما رفعت الحكومة الفلسطينية بجميع مسؤوليها لهجتها في مواجهة أمريكا بعد قرار ترامب الأخير بشأن القدس.

مع اشتعال الأوضاع السياسية في الكثير من الدول العربية، خاصة فلسطين، على خلفية قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي اتخذه في 6 ديسمبر الجاري، بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية هناك، ومع تصاعد الغضب بعد “الفيتو” الأمريكي في مجلس الأمن، والذي صب الزيت على نار الانتفاضة المشتعلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وصل رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، مساء أمس الثلاثاء، إلى العاصمة السعودية الرياض، في زيارة رسمية ثانية خلال فترة قصيرة لا تتجاوز الـ45 يوما.

رافق عباس في زيارته، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس هيئة الشؤون المدنية، الوزير حسين الشيخ، ورئيس جهاز المخابرات العامة، اللواء ماجد فرج، وسفير فلسطين لدى السعودية، باسم الأغا، وكان في استقباله نائب أمير منطقة الرياض، الأمير محمد بن عبد الرحمن، ووزير الخارجية، عادل الجبير، الذي عقد اجتماعًا عاجلًا مع الرئيس الفلسطيني فور وصوله، تم التباحث فيه حول موضوع إعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، وسبل الرد، ومن المفترض أن يجتمع عباس اليوم الأربعاء، مع الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده محمد بن سلمان.

السعودية تتخندق مع أمريكا

يبدو أن الإدارة الأمريكية مُصره على المضي قدمًا في مخططها القاضي بتصفية القضية الفلسطينية، وجر الدول العربية والأوروبية إلى الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل على شاكلتها، حيث أظهرت المؤشرات أن واشنطن لا تعتزم التراجع عن موقفها الذي أجج الغضب الشعبي الدولي وخاصة الفلسطيني، منها “الفيتو” الذي رفعته واشنطن في مجلس الأمن، حيث وأدت من خلاله مشروع قرار مصري للحؤول دون نقل الدول سفاراتها إلى القدس.

في مواجهة الإصرار الأمريكي، يقف الكثير من الدول العربية والأوروبية، فمنها الذي خرج بتصريحات وانتقادات لاذعه لترامب، وآخرون خرجوا بنداءات وتحذيرات ضمنية على استحياء، لكن اللافت للاهتمام أن السعودية التي تُنصب نفسها زعيمة الدول العربية والإسلامية بشكل عام لم يصدر عنها بيانات أو تحركات جادة فيما يتعلق بقرار ترامب، بل أظهرت المملكة لا مبالاه غير مسبوقة، وأصدرت أوامر لوسائل إعلامها بتحاشي تغطية الانتفاضة الفلسطينية أو ردود الفعل الغاضبة في الدول العربية، الأمر الذي أرسل مؤشرات بأنها غير معنية بمعارضة قرار الرئيس الأمريكي أو الوقوف في وجه الإدارة الأمريكية.

وبهذه المؤشرات، يتصور كثيرون بأن السعودية خرجت من دائرة اللعبة الأمريكية الخاصة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن الحقيقة أنها انضمت إلى المعسكر الصهيوأمريكي، بل أخذت على عاتقها إقناع السلطة الفلسطينية به، وهو ما سبق أن ظهر في زيارة عباس إلى المملكة في 7 نوفمبر الماضي، حيث ذكرت صحف أمريكية وإسرائيلية حينها، أن الأمير محمد بن سلمان، طلب من الرئيس الفلسطيني التنازل عن القدس، والقبول ببلدة “أبو ديس” عاصمة للدولة الفلسطينية الموعودة، والقبول بالصفقة الأمريكية الكبرى التي يطبخها الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر، مقابل عروض مالية مغريه سيحصل عليه عباس، تتخطى عشرة مليارات دولار.

ضغوط جديدة

استدعاء السعودية لعباس مرتين خلال فترة قصيره بشكل عاجل، لم يكن نتيجة لغرام المملكة المتبادل مع السلطة الفلسطينية، بل بأوامر أمريكية لإضافة المزيد من الضغوط التي لاتزال في علم الغيب، لكن الأيام المقبلة ستكشف حقيقتها، فمثلما سبق أن عرض “بن سلمان” على عباس التنازل عن القدس لإسرائيل واستبدالها بـ”أبو ديس” لتكون العاصمة الفلسطينية، قد تدخل المملكة تحسينات جديدة على العرض لجعله أكثر جاذبية وقبولًا، وقد تعيد المملكة طرح العرض نفسه من جديد على السلطة لكن بإضافة المزيد من الامتيازات المادية للسلطة.

الزيارة تأتي بعدما تصاعدت اللهجة الفلسطينية الرسمية تجاه إسرائيل وأمريكا، حيث ارتفعت نبره عباس ووزير خارجيته على وجه الخصوص مؤخرًا، خاصة بعد “الفيتو الأمريكي”، وهو ما ظهر في إدانة مجلس الوزراء الفلسطيني، خلال جلسته الأسبوعية التي عقدها في مدينة رام الله، أمس الثلاثاء، برئاسة رامي الحمد الله، واعتبر المجلس القرار الأمريكي استهتارا بالمجتمع الدولي وانحيازا للاحتلال والعدوان الصهيوني، موكدًاً أنه وبالتصويت الموحد للدول الأعضاء في مجلس الأمن وقفت الولايات المتحدة معزولة في مواجهة قواعد ومبادئ القانون الدولي، وقرارات المجتمع الدولي.

واتهم رئيس السلطة الفلسطينية، أمريكا بتبني العمل الصهيوني، وأضاف: الولايات المتحدة اختارت ألا تكون وسيطًا في العملية السياسية، ونحن نرفض أن تكون وسيطًا سياسيًا وهي مع إسرائيل وتدعمها وتساندها، وتابع عباس: الولايات المتحدة شريك حقيقي وأساسي في وعد بلفور، وهي لم تكن عضوًا في مجلس الأمن، وكانت تناقش كل حرف فيه حتى أصبحت بريطانيا منتدبه على فلسطين، وكنا مخدوعين ومغشوشين عندما طالبنا في يوم من الأيام عن جهل في 1920 أن تكون الولايات المتحدة منتدبة على أرضنا، لاعتقادنا أنها بلد حر ونزيه بدل بريطانيا، لكن تبين أنها تتبنى العمل الصهيوني منذ أن نشأت حتى يومنا.

بدوره، أعلن وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، أن صفقة القرن أصبحت من الماضي، وأضاف أن قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإجهاضها مشروع القرار المقدم من مصر إلى مجلس الأمن لحماية وضع القدس، باستخدامها حق النقض، تكون قد اختارت الوقوف على الجانب الخطأ من التاريخ والانحياز للاستعمار والظلم، وكل ما يقوض جهود السلام في الشرق الأوسط والعالم.

تجارب استباقية

على جانب آخر، ربط بعض المراقبين بين استدعاء السعودية لعباس بشكل عاجل، والحديث عن زيارة مرتقبة للرئيس الفلسطيني إلى إيران نهاية الأسبوع الجاري، بدعوة من الرئيس الإيراني حسن روحاني، ورغم أن المتحدث باسم حركة فتح، أسامة القواسمي، لم يحسم الأمر حول ما إذا كان عباس سيلبي الزيارة من عدمه، إلا أنه ترك الباب مواربا عندما أشار إلى عدم استبعاد زيارة طهران في وقت لاحق، الأمر الذي دفع الكثير من السياسيين إلى القول بأن هذا الاستدعاء العاجل من جانب المملكة جاء استباقًا لدعوة إيران، في تجربة لإبقاء عباس تحت العباءه السعودية الأمريكية وعدم ترك الساحة لإيران للعب دور أكبر في قضية القدس، فيما رأى البعض أن الدعوة الإيرانية ستكون ورقة ضغط قوية قد يوظفها عباس للضغط على السعودية.