أحمد صلاح
أصبحت إجراءات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة أحد الأسباب المباشرة للكارثة الإنسانية في مدينتي الموصل والرقة. نظرا لأخطاء متكررة من جانب الطيران الأمريكي استهدفت الضربات الجوية ليس أماكن تحشد إرهابيي داعش فحسب بل الأغراض المدنية والتي أسفرت عن مقتل المدنيين.
تجدر الإشارة إلى أن جرت العمليات العسكرية في الموصل والرقة دون تنظيم الممرات الإنسانية لإخلاء الجرحى. بهذا السبب آلاف المدنيين كانوا محتجزين كرهائن واستخدمهم إرهابيو داعش كدروع بشرية.
وعلاوة على ذلك حُرم سكان في كلتا المدينتين من فرصة مغادرة منازلهم قبل بدء هجوم قوات التحالف. وأعلنت القيادة الأمريكية أن الأهالي المقيمون داخل المدن فيعتبرون أنهم "شركاء الإرهابيين".
معركة الموصل (16 أكتوبر 2016 – 10 يوليو 2017)
في الواقع كانت الخسائر البشرية وحجم تدمير البنية التحتية للموصل مروعة حقا. ويبلغ عدد الضحايا بين المدنيين أكثر من 40 ألف شخص. أكدت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في العراق ليز غراند أن منذ بدء عملية تحرير الموصل فر أكثر من 930 ألف شخص من المدينة. من جهته قال مسؤول "يونيسف" في العراق مولد وارفا إن حجم الدمار بالموصل هائل. تم تدمير العديد من المنازل ويعاني أهالي المدينة وضواحيها نقص الضروريات الأساسية فيما بينها الأكل والشراب. قدرت الأمم المتحدة تكلفة الأضرار، التي قام بها التحالف الدولي، لإعادة إعمار المدينة العراقية القديمة بـ 700 مليون دولار.
مع ذلك أكدت منظمة العفو الدولية أن أسفرت عمليات التحالف عن مقتل أكثر من 5.8 ألف مدني في الموصل خلال فترة من 19 فبراير إلى 19 يونيو.
أجرت صحيفة "فورين بوليسي" الأمريكية تحقيقها الخاصة وتشير فيه إلى أن أدت قصفات طيران التحالف الدولي على الموصل إلى استشهاد 3500 مدني على الأقل. من جانبها قدرت منظمة "إيروورز" البريطانية غير الحكومية أن عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا جراء غارات التحالف الدولي حوالي 4 ألاف شخص.
معركة الرقة (6 يونيو 2017 – 17 أكتوبر 2017)
يتواجد التحالف الدولي في أراضي سورية منذ أغسطس 2014 بشكل غير قانوني ودون موافقة من جانب الحكومة السورية. لكن هذا العامل لم يمنع قوات التحالف لتنفيذ عملياته في سورية وفقا لسيناريو مماثل. لكن يشبه هجوم الأمريكيين بتعاون مع الأكراد ليس مكافحة الإرهاب فحسب بل حرب ضد المدنيين.
وانتهكت قوات التحالف القانون الدولي الإنساني مرارا وتكرارا خلال عملية تحرير مدينة الرقة من الإرهابيين. جاء ذلك في تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المكلفة بالتحقيق في الجرائم والانتهاكات الحقوقية بسورية. وفي الفترة من مارس إلى يوليو 2017 أُجبر 190 ألف شخص على مغادرة منازلهم بسبب الغارات الجوية الأمريكية، ولا يزال مصير 20 ألف شخص مجهولا.
بالإضافة إلى ذلك أدت ضربات طيران التحالف الدولي إلى تدمير العدد الكبير من المستشفيات والمدارس والأسواق وعناصر نظام إمدادات المياه.
يمكن القول إن حجم الدمار في الرقة لم أقل مما كان في الموصل. نشرت قناة "سي إن إن" الأمريكية في أواخر أغسطس شريط فيديو يظهر أحياء المدينة حيث جرت الأعمال القتالية. فيمكن أن نرى المنازل التي قد دمرت بنفس الشكل كـ"المدينة القديمة" في الموصل حيث كانت المعارك العنيفة.
ولا تزال كلتا المدينتين في حالة خراب.
وأُضطر معظم أهالي الموصل والرقة للعيش في مخيمات اللاجئين في حالة الكارثة الإنسانية حيث يعانون اشد المصاعب في ظروف عدم توفر مياه الشرب والغذاء والأدوية.
من الواضح أن لا يوجد الأموال الكافية لإعادة جعل مدينة الموصل صالحة للعيش من الجديد. وحسب تقديرات المحللين سيطلب إصلاح أنظمة المياه والكهرباء واستعادة البنية التحتية الأساسية الأخرى في المدينة حوالي مليار دولار.
وفقا لمعلومات الأمم المتحدة أصبح نحو 80% من أراضيها الرقة غير صالحة للعيش تماما بعد هجوم قوات التحالف الدولي على المدينة. وستستغرق هذه العملية عدة سنوات وستطلب الموارد المالية الكبيرة لإعادة الإعمار.
بهذا الصدد لا تهتم الولايات المتحدة بحل المسائل المتعلقة بالوضع الإنساني المتدهور في مدينتي الموصل والرقة. من غير المرجح أن تشارك واشنطن في تمويل عملية استعادة البنية التحتية التي دمرها التحالف الدولي وتقديم المساعدة والدعم الشامل لللاجئين والنازحين.
نظرا لذلك يجب على الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية عن مقتل مدنيين في الموصل والرقة والتدمير المتعمد للبنية التحتية والكارثة الإنسانية في هاتين المدينتين لأن طيران التحالف نفذ عشرات ألاف الضربات الجوية في سورية والعراق تحت ذريعة محاربة الإرهاب.المسؤولية عن الكارثة الإنسانية في الموصل والرقة تقع على عاتق الولايات المتحدة
2017-12-03