2024-11-30 12:36 م

الفلسطينيون وحسابات الربح والخسارة في أي تقارب سعودي إسرائيلي

2017-11-28
مرة أخرى، تصريحات لمسؤول إسرائيلي تتحدث عن وجود تقارب سعودي إسرائيلي بهدف التحالف ضد إيران. ياكوف ناغل الذي كان يشغل منصب مستشار للأمن القومي لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي أكد، في مقابلة نشرتها أول من أمس صحيفة "ذي تلغراف" البريطانية، أن الرياض حريصة جدا على بدء تعاون مفتوح مع إسرائيل ضد إيران وهي مستعدة للتوقيع على أي نوع من اتفاقات السلام الإسرائيلية الفلسطينية وإن كانت غير مواتية للفلسطينيين.

هذه التصريحات ليست الأولى من نوعها لكنها تأتي في سياق إقليمي متوتر غير مسبوق بين السعودية وإيران، يتصاعد على خلفية استهداف صاروخ بالستي للحوثيين لأول مرة العاصمة السعودية، في وقت تخوض فيه الرياض حملة شرسة على طهران وحلفائها في المنطقة وعلى رأسهم حزب الله اللبناني.

فما مدى التقارب السعودي الإسرائيلي إن وجد فعلا على الواقع؟ وماذا سيكون موقف الفلسطينيين منه؟

"القضية الفلسطينية بوابة المشاكل وأرهقت العرب"

قبل أيام من تصريحات المسؤول الإسرائيلي التي نقلتها صحيفة تلغراف البريطانية، أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بما أسماه "التعاون المثمر" بين إسرائيل ودول عربية وذلك خلال خطاب بمناسبة الذكرى الرابعة والأربعين لوفاة مؤسس إسرائيل دافيد بن غوريون. نتنياهو قال إن هذا التعاون هو بشكل عام سري "لكنني واثق من أن العلاقات معهم ستستمر بالنضوج حيث سيسمح لنا ذلك بتوسيع دائرة السلام".

هذه التصريحات تتماشى أيضا مع ما سبق أن صرح به في وقت سابق سفير إسرائيلي سابق في مصر لموقع DW عربية بخصوص وجود تحركات في الكواليس بين تل أبيب وعواصم عربية بهدف التحضير لمبادرة سلام شامل برعاية أمريكية يكون فيها للدول العربية دور الوساطة.

التقارب غير المسبوق بين إسرائيل ودول عربية، خاصة السعودية، يأتي في ظل قلق مشترك بين السعودية وإسرائيل من تنامي نفوذ إيران وفي وقت يبدي فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقفا عدائيا من طهران يباركه الإسرائيليون والسعوديون. ويقول أنور عشقي رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في جدة وهو خبير عسكري وسياسي سبق أن زار إسرائيل، يقول في حوار مع DWعربية إن السعودية تحاول بكل جهدها دفع الإسرائيليين نحو المصالحة مع الفلسطينيين "لأن القضية الفلسطينية هي بوابة المشاكل في الشرق الأوسط التي أرهقت الدول العربية فإيران تستغلها كورقة للتوسع في المنطقة ولهذا فكل الدول العربية مهتمة بإيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحتى الفلسطينيين أنفسهم يريدون إنهاء الصراع".

مجرد تصريحات إعلامية؟

وعما إذا كانت الرياض فعلا مستعدة لدعم أي اتفاق سلام وإن كان على حساب الفلسطينيين كما ورد في تصريحات المسؤول الإسرائيلي السابق ياكوف ناغل، يقول الخبير السعودي إن السعودية لديها ثوابت فيما يتعلق بسياستها الخارجية بما في ذلك القضية الفلسطينية حتى عندما يتعلق الأمر بالخطر الإيراني، "فإيران تزعجنا لكنها لا تخيفنا". ومن هذا المنطلق فإن السعودية مازالت تؤيد حلا للصراع ضمن مبادرة السلام العربية ولم يتغير شيء في موقفها حسب قول الخبير السعودي.


لكن ما الذي يجعل إسرائيل الآن ملتزمة بهذه المبادرة مادامت لم تلتزم بها طيلة كل هذه السنوات؟ يقول أنور عشقي إن إسرائيل يهمها أن لا تبقى معزولة في المنطقة وهي مهتمة بإنشاء علاقات مع السعودية وتريد التحرر من الارتباط بأمريكا وحدها. وفي الوقت الذي وصلت فيه تصريحات إسرائيلية إلى التلميح بأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان زار شخصيا إسرائيل، يقول أنور عشقي إنه لا توجد حتى الآن أي زيارات رسمية سعودية لإسرائيل وكل ما يوجد في الأمر هو أن شخصيات سعودية تحمل أيضا جنسيات أجنبية سبق وأن زارت إسرائيل وأجرت لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين لكن دون توجيه من الحكومة السعودية وإنما انطلاقا من مبادرات شخصية.

يوني بن مناحم الخبير الإسرائيلي يرى أن هذه التصريحات هي موضوع مسيس سواء من قبل إسرائيل أو من قبل جهات أخرى. ويشرح ذلك بالقول إن هناك محاولات لأعضاء بارزين في حزب الليكود لخلق صورة بأن هناك تطبيعا قادما في العلاقات بين إسرائيل والسعودية وهذا في حد ذاته إنجاز سياسي كبير لنتنياهو في الداخل الإسرائيلي على اعتبار أنه نجح في تحقيق تقارب وتنسيق أمني مع السعودية وهو ما سيقود لتحقيق عملية سلام، ومن جهة أخرى "هناك تضخيم للموضوع من طرف حركة الإخوان المسلمين وحركة حماس من خلال نشر الكثير من الأخبار الكاذبة التي تسيء لولي العهد السعودي لتصويره على أنه يتعاون مع إسرائيل، حسب ما صرح به بن مناحم  لقناة DW عربية.

أما قيس عبد الكريم عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية ونائب الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية فيرى أن ما يصرح به المسؤولون الإسرائيليون بين الفينة والأخرى عن وجود تقارب مع السعودية لا يعدو أن يكون "تصريحات إعلامية الهدف منها الإيحاء بأن العلاقات تكاد تتحول إلى تحالف بين الطرفين بحجة أن هذا يعبر عن موقفها المشترك من إيران وحلفائها في المنطقة".


ويضيف عبد الكريم في تصريحات أدلى بها لـ DW عربية بأن السعودية لطالما أكدت للفلسطينيين التزامها بحل للقضية في إطار مبادرة السلام العربية بما في ذلك خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الفلسطيني محمود عباس الأخيرة للرياض حيث تم التأكيد على أن الرياض ستكون مع الحل الذي يريده الفلسطينيون لأنفسهم.

جزء من صفقة القرن؟

ويقول السياسي الفلسطيني إن الموقف العربي من القضية الفلسطينية مازال كما هو ولا يوجد حديث عن أي تغيير، ويضيف: "عند التدقيق في التصريحات الإسرائيلية بما فيها ما قاله نتينياهو عن التعاون المثمر مع دول عربية، بغض النظر عما إذا كان كلامه صحيحا أم لا، نجده يؤكد على أن العلاقات تجري من تحت الطاولة وأنها أفضل بكثير مما تبدو عليه، لكن الجانب العربي هو الذي يصر على أن تبقى في السر. معنى هذا الكلام أن التطبيع غير وارد حتى الآن بالنسبة للحكومات العربية، فعندما لا تكون مستعدة للإعلان عن التطبيع فهي غير مستعدة للبدء فيه أصلا.


وعن ما إذا كان هذا التقارب المحتمل جزءا مما أصبح يعرف بـ"صفقة القرن" التي تسعى إدارة الرئيس ترامب تحقيقها في الشرق الأوسط، يقول عبد الكريم "في الحقيقية الحديث عن هذه الصفقة هو حديث عن المجهول، سمعنا عنها منذ شهور طويلة وحتى الآن لم تتحدد ملامحها فالأمريكان يقدمون أسئلة أكثر من الأجوبة. يفكرون في تسوية إقليمية تقلب المبادرة العربية رأسا على عقب بينما لم يرد أي موقف عربي رسمي بخصوص أي تغيير للمبادرة العربية.

أما أنور عشقي فيرى أن "صفقة القرن" هي الصيغة الأمريكية التي يريد من خلالها الرئيس الأمريكي ترامب التميز بها عن سابقيه من رؤساء أمريكا الذي عجزوا عن إيجاد حل للقضية، وهذه الصفقة تنبني على بناء علاقات بين إسرائيل والدول العربية لكن بالنسبة لنا لن يكون ذلك ممكنا سوى بعد إيجاد حل للقضية.

 وعن استعداد الشارع السعودي لأي تطبيع مستقبلي مع إسرائيل يقول عشقي إن الشارع مهيأ لذلك ويتضح ذلك من خلال متابعة تفاعل المواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي فسنجد أن البعض يغردون مثلا بأن "الخطر الإيراني أشد من الإسرائيلي"، وبأن "إسرائيل لم تضربنا بصواريخ ولم تقم بأعمال عدائية ضدنا وإنما إيران هي التي تفعل ذلك وهي التي تهدد أمننا القومي".



سهام اشطو