2024-11-27 11:37 م

السعودية مقبلة على اقامة علاقات رسمية مع اسرائيل

2017-11-21
توفيق رباحي
السعودية مقبلة على علاقات مع إسرائيل، دبلوماسية وأمنية واقتصادية، رسمية وواضحة، في آجال أقرب مما نتوقع. المجموعة الحاكمة في السعودية بقيادة وليّ العهد محمد بن سلمان، حسمت أمرها وقررت. لم تعد هذه المجموعة تكترث لأيٍّ من الأسباب التي كانت، في وقت ما، تمنع دولة عربية بحجم السعودية من إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل، خصوصا الدول البعيدة جغرافيا وغير المعنية بالصراع بشكل مباشر. اللغة المستعمَلة في وسائل الإعلام السعودية، حكومية وخاصة، متطرفة وحادَّة بشكل لا يترك هامشا للشك بأن الأمر قد حُسم إلى غير رجعة. المملكة متجهة هذه الوجهة من دون حرجٍ كبير. المزاج العربي العام أن التطبيع مع إسرائيل لم يعد عراً أو شتيمة. والقناعة اليوم في الأوساط الحاكمة هناك والأجهزة الموالية لها، هي أن العرب تنازلوا عن القضية الفلسطينية فلم تعد قضيتهم الأولى، وأنهم منشغلون بمصائبهم العديدة والمتنوعة فلم يعد يهمهم ما يطرأ على هذا الملف من تطورات. وقبل «تخلي» العرب عن الفلسطينيين، سيدفع السعوديون المتحمسون بأن الفلسطينيين ذاتهم «باعوا» قضيتهم واستسلموا لقدرهم، بين مستعجل حلا و«مستقيل» ويائس وجبان وحتى خائن. كما أن «أصدقاء» القضية الفلسطينية، إقليميا ودوليا، وفقا للقناعة ذاتها، تقلصوا تدريجيا وتراجع حماسهم منذ سقوط الاتحاد السوفييتي وتهاوي الأيديولوجيا الاشتراكية والشيوعية.  ناهيك عن عامل ذاتي قوي، بل هو الأقوى، يتمثل في إدراك محمد بن سلمان أن تل أبيب هي الممر الآمن نحو واشنطن التي يحتاج إليها الرجل كغطاء لمغامراته الداخلية والخارجية. وها هو يحترم الأعراف ويدخل البيوت من أبوابها! التطبيع، إذًا، لم يعد «تابو» طالما أن حكومات عربية أخرى سبقت إليه ولا تخجل به، وطالما أن الفلسطينيين لن يعترضوا عليه، وطالما لم يعد هناك «صف عربي» يُخشى على وحدته.  كلام يحمل بعض الوجاهة مع الآخرين، لكن مع السعودية، يختلف الأمر إذ هناك فرق بحجم معضلة: الأردن «طبَّع» بمفرده. مصر كذلك، والمغرب وحتى موريتانيا والبحرين وتونس وقطر في وقت سابق. المعضلة مع السعودية أنها لا تتجه إلى إقامة علاقات مع إسرائيل من منطلق استراتيجي واضح، بل مدفوعة بهزائمها وخيباتها المتكررة إقليميا، ومدفوعة بعجزها عن مقارعة إيران في حروب الوكالة المشتعلة في أكثر من مكان من حولنا.  وإذا كان هذا الاندفاع، بسبب إيران، مفهوما أو مقبولا إلى حد ما، إلا أن الأخطر أنه يخفي في ثناياه مخاطر جمّة قد تنتهي إلى نتائج غير محمودة، ذلك أن السعودية تخوض هذه المغامرة وفي لاشعور من يقودونها في هذا الاتجاه أنهم أوتوا زعامة عالمين، عربي وإسلامي. أخطر من التصرف بـ«اللاشعور»، مخاطرةُ أن يتعمّد المسؤولون السعوديون التطبيع لا كدولة منفردة، بل بصفتهم زعماء ناطقين باسم فضاء يضم مئات الملايين من العرب والمسلمين السُنَّة، ويستطيعون اقتيادهم إلى الزريبة بلا صعوبة.  هذه المخاطرة واردة بقوة، والمسؤولون السعوديون أصحاب سوابق، أعلنوا ميلاد «النيتو الإسلامي» في 2015 وضموا إليه دولا لم يكلفوا أنفسهم عناء استشارة حكوماتها أو إبلاغها حتى علمت بالأمر من شاشات التلفزيون. وكذلك تنظيمهم قمة العالم الإسلامي ـ دونالد ترامب في الرياض الربيع الماضي من دون استشارات كافية، بل استدعاء قادة دول إليها وصلوا الرياض وهم لا يعلمون شيئا عن جدول الأعمال.  عندما يتصرف الحكام السعوديون بهذا الغرور، فهم ينطلقون من تراث متراكم لدى مسلمي الأرض انتهى بهم مستسلمين لقناعة أن السعودية هي البوصلة بحكم أنها الأرض التي نزل فيها الإسلام والتي تضم الحرمين. ستكون المعالم الأولى لهذه «الزعامة» قد رأت النور إذا صدقت التسريبات عن أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس دُعي إلى الرياض، الأسبوع قبل الماضي، ليسمع صيغة جديدة حول وجوب الموافقة على «خطة» ترامب لتسوية النزاع مع الإسرائيليين من دون نقاش. في هذه الظروف، يستحق عباس التعاطف لأنه لا يستطيع قول «لا» وموافقته لن تجد فسحة على الأرض. لا يمكن لهذا التوجه إلا أن يريح الإسرائيليين، حتى وهم يدركون بطرقهم الخاصة وعملهم الدؤوب، أن السعودية لا تتزعم العالم العربي والإسلامي في المطلق لأنها غير مؤهلة للقيادة، ولن تضمن ولاءه بسهولة ولن تجر الناس فيه كالنعاج لأنها عاجزة عن كسب ثقتهم (مصر «طبّعت» منذ 40 سنة، لكن فوقيا فقط والرفض الشعبي لإسرائيل لم يتغير. وكذلك حال الأردن بعد ربع قرن من التطبيع). لكن الأهم لدى الإسرائيليين هو العامل النفسي الذي، عندما يتعلق الأمر بالسعودية، مختلف حقا ولا يقدّر بثمن. أما في ذروة التصنيف الطائفي اللعين الذي تشهده المنطقة، فسيكون تطبيع السعودية مع إسرائيل «باسم المسلمين السُنّة» (لا يمكن إبعاده عن هذا) تكريسا لثنائية السُنة العملاء والمفرِّطين في فلسطين، مقابل الشيعة الصامدين المضحِّين لأجل مقدساتها. تلكم أثمن هدية لإيران ولغلاة المذهب الشيعي، وكفٌّ أخرى على وجه السياسة الخارجية السعودية الخرقاء.