2024-11-25 09:49 م

هل ستحارب مصر قريبًا من أجل المياه؟

2017-10-19
منذ أيامٍ قليلة نُشر في وكالة الـ«بي بي سي» (BBC) بحثًا مفزعًا ينذر باحتضار أطول أنهار العالم «نهر النيل»، معللًا ذلك بالنمو السكاني والزحف العمراني والتلوث والتغيرات المناخية، هذا إلى جانب النزاع الإقليمي الدائم على المياه؛ مما قد يؤدي إلى حربٍ قريبة.

يقسم «بيتر شوارتزستين»، وهو صحافي وكاتب بريطاني، بحثه إلى خمس نقاط أساسية، تستعرض تنبؤاتٍِ مستقبلية بما قد يحدث لأعتق أنهار العالم، مُشيرًا إلى أن التصحر وتسمم المياه قد يكونان هما المستقبل الذي ينتظر دول حوض النيل، فهل نحن حقًا في صدد مواجهة سنوات عجاف؟ في هذا التقرير تعرض تلخيصًا لهذا البحث الذي يحاول الإجابة عن السؤال الصعب.

انقطاع الأمطار.. قد يكون أولى علامات الموت
طبقًا لاتفاقية باريس للمناخ، والتي وقعت في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2015، للحد من انبعاثات الوقود الحفري، وتخفيف حدة الاحتباس الحراري، فإن إفريقيا وحدها تحتوي على سبعة من بين عشر دول هي الأكثر عرضة لخطر التغير المناخي العالمي؛ وهو ما سيجعل بعض الدول تعاني من فيضانات مدمرة، في حين يعاني البعض الآخر من جفاف قد يعرضها للتصحر.

والحقيقة أنه من بين تلك الدول بعض دول حوض النيل، مثل السودان والتي من المتوقع لها بحلول عام 2060 أن تتزايد درجة حرارة المناخ بها لتصل الزيادة إلى ثلاث درجات سيليزية، وهو ما سينتج عنه عدم انتظام الأمطار، واحتمالات التصحر والجفاف الشديد، وهو ما يشير إليه «بيتر شوارتزستين» في بحثه، مُرجحًا أن تبدأ الأزمة من إثيوبيا منبع النيل الأزرق، حيث تُشكل حصتها من الأمطار أكثر من 80% من مياه نهر النيل، وأنه على الرغم من أن الحصة الأخرى من النيل الأبيض، والتي تنبع من بحيرة فيكتوريا، شرق إفريقيا، وتندمج مع الفرع الإثيوبي في الخرطوم ليست ضئيلة، إلا أن الأمطار مهددة في تلك المنطقة، حيث أصبحت نسبة الأمطار غير منتظمة؛ مما قد ينذر بكارثة لحوض النيل بأكمله.

يقول «لاكيماريام يوهانيس وركو»، محاضر وباحث مناخي في جامعة أربا مينش، إن هناك حالة من عدم انتظام الأمطار بشكل يصعب رصده، فهي أحيانًا أقوى مما كانت عليه، وفي أحيانٍ أخرى أقل بشكلٍ ملحوظ، ولكن في حالة وجود المطر فإنه يكون مصحوبًا بعواصف شرسة تجرف أطنانًا من الطمي والرواسب إلى داخل نهر النيل؛ مما يحرم المزارعين من مغذيات التربة، كما تعلق تلك الرواسب بالسدود مما يعيق عملها.

والواقع أن هذه العواصف ما هي سوى نتيجة من نتائج النمو السكاني، والذي ترتب عليه إزالة أشجار الغابات التي كانت تحجب تلك العواصف من أجل توسيع رقعة الأرض، وتوفير أماكن للبناء.
كل هذه العوامل كان لها تأثيراتها على المجتمعات الزراعية التي تعيش في دولة المنبع إثيوبيا، فتلاشت العديد من المحاصيل الزراعية وارتفعت أسعار المواد الغذائية فأضحوا يعيشون في فقرٍ مدقع؛ وهو ما أدى إلى تخلي الكثير من القرويين عن الزراعة تمامًا، فيقول «جيتيش آدمو» وهو شاب في الـ17 من عمره، تخلى عن دراسته ليساعد عائلته في زراعة أرضهم: «لم أقرر بعد إن كنت سأرحل أم سأبقى، بالطبع أود أن أكون إلى جانب عائلتي، ولكن إن استمرت الأمطار في الانحسار والتدفق على هذه الحالة فلن أتمكن من البقاء».
هل ستحارب مصر على «السد» من أجل البقاء؟
في تقرير نشرته وكالة أسوشيتد برس عن نهر النيل وأزمة سد النهضة أوضح تعرض مصر لتهديدٍ حقيقي؛ فستفقد حوالي 50% من حصتها الزراعية في خلال ثلاث سنوات، ويقلل من حصتها في مياه نهر النيل، وهو الأمر الذي قد ينجم عنه نزاعاتٍ دولية في المنطقة خاصة مع فشل الدولتين في إدارة الأزمة، مُشيرًا إلى أن العلاقات لطالما كانت سيئة بين الدولتين.

من جانبه يشير «شوارتزستين» إلى أنه من بين كل القضايا الساخنة التي تخيم على الساحة، تأتي قضية سد النهضة الإفريقي الكبير في المقدمة، وهو ما يثير آمال المنطقة ومخاوفها أيضًا؛ فمن جانب ينتظر الإثيوبيون آمالًا عريضة مُتعلقة بإمكانية جلب الكهرباء للملايين، فيغني للكهرباء أطفال المدارس، وتنتشر اللوحات الإعلانية للمشروع الضخم على جانبي الطريق؛ وهو انتصار صغير بعد مجاعاتٍ قد عانوا منها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.

ولكن على الجانب الآخر نجد مصر، والتي هي في الأساس دولة صحراوية، ذات أمطار قليلة، وتعتمد على النهر في 95% من مياهها؛ مما يجعل تهديد سد النهضة بانحسار المياه عنها، أو حتى قلة منسوبه، هو تهديد للحياة، بحسب الدراسة.
كانت هناك تهديدات بالحرب من القاهرة، وحوارٍ شرس بين كلا الطرفين، يقول عنه موسى، ضابط البحرية الإثيوبي: «أعلم أن الأمور تبدو ودية، ولكن الحقيقة غير ذلك، فنحن ندركُ جيدًا أننا على خط المواجهة، ها هنا حيث المياه والسد والأرض الأفضل بإفريقيا»، وعلى الرغم من أن إثيوبيا قد فقدت منفذها على البحر، خاصة عقب استقلال إريتريا عنها عام 1991، إلا أنها استطاعت أن تحتفظ لنفسها بمرفق مائي وحيد عن طريق بحيرة تانا، وهو ما أشار إليه الضابط موسى بأنهم قد يحتاجون لهذا المرفق في المستقبل، في حال اندلاع أية صراعات جديدة.
كما يقول علي منوفي من وزارة الموارد المائية المصرية لبي بي سي: «النيل هو كل شيء بالنسبة لنا، فهو ما نأكله وما نشربه، ستكون كارثة إن حدث شيء له». وهو الأمر الذي أدى بمصر إلى تعزيز قدراتها الاستراتيجية عن طريق الحصول على سفينتين فرنسيتين حربيتين بعيدتي المدى، من طراز (ميسترال)، وهو ما يعده المحللون السياسيون رسالة واضحة إلى الجنوب الإثيوبي.

وطبقًا للتقرير، فإنه رغمًا عن ذلك، فمن غير المرجح أن تندلع حرب على الموارد المائية بين دول حوض النيل، مُشيرًا إلى أن المنطقة لديها تاريخ طويل من الحلول السلمية للنزاعات المائية العابرة للحدود، ولكن المفاوضات حول المدة التي سيستغرقها ملء الخزان الهائل للسد هو ما يؤجج الأزمة.

اقرأ أيضًا حول الأزمة المصرية الإثيوبية: إثيوبيا بدأت تخزين المياه.. 5 مخاطر ستواجه المصريين في «أيّام العطش»

مصر والسودان.. ما الذي فعله البشر في ماء النيل؟
تعتبر السودان هي مدينة التقاء فرعي النيل الأبيض والأزرق، وعاصمتها هي نقطة تجمعهما، والتي يتخذ فيها النيل شكله المميز والمعروف؛ فيصف الشعراء هذا اللقاء بأنه أطول قُبلة في التاريخ، ولكن الواقع لا يخدم تلك النظرة الرومانسية؛ فما أن يلتقي الفرعان حتى يبدأ نهر النيل في التعثر، وتتبلور مشكلة المياه، خاصة في المدن الكبرى التي تطل عليه، والتي تشكل فيها مصر والسودان بؤرتي التحول.

تبدو مياه النهر خالية تمامًا من الصرف الصحي في لحظة دخولها مدينة الخرطوم، ليبدأ البشر في لعب الدور الأكبر في تعكير مياه النيل، والتي يشير التقرير إلى أنها نتيجة حتمية لهذا النمو السكاني الذي يتناسب عكسيًا مع مياه النيل التي تقل باستمرار.

تضاعف عدد السكان في مصر نحو أربعة أضعاف العدد عام 1960، في حين تبلغ الزيادة السكانية في إثيوبيا نحو 2.5 مليون نسمة سنويًا، وهو ما تحذر منه وكالة بي بي سي في تقريرها، متوقعة أن يبلغ مجموع عدد سكان دول حوض النيل ما يقرب من 500 مليون نسمة عام 2050.
يقول «يوسف أبو غرون»، مهندس وصياد سوداني: «لقد تعاملنا مع نهر النيل على نحوٍ سيئ، باعتبار أنه كبير بما فيه الكفاية؛ ليتحمل غباءنا البشري»، والحقيقة التي يواجهها يوسف بشكلٍ شخصي هو أن معدل صيده الآن هو 10% مما كان يصطاده قبل عقد من الزمان.

والحقيقة أن مشاكل الصيد وقلة عدد الأسماك هي مشكلة واحدة من المشاكل التي تقابلها الخرطوم، ومن بعدها مصر؛ بسبب الانفجار السكاني؛ ففي الخرطوم مثلًا شبكات الصرف الصحي لم تجدد منذ زمن، هذا على الرغم من توسيع حدود العاصمة السودانية خلال العقود القليلة الماضية.

هذا إلى جانب عدم كفاية مرافق التخلص من المخلفات؛ فلجأت الكثير من الشركات والمصانع لنهر النيل كحلٍ سهل للتخلص من مخلفاتهم بدءًا من من المخلفات الكيميائية السامة، ووصولًا إلى بقايا الحيوانات.

ويبدو أن حكومة السودان تساعد على تفاقم الأزمة؛ خاصة بعد حملتهم الشرسة على المجتمع المدني في عام 2014 حيث سجنت الدولة مجموعة من قادة حماية المُستهلك، وهو الأمر الذي أدى إلى تقاعس علماء البيئة عن السعي خلف أكبر الملوثين لمياه النيل في الدولة.

يشير «معتصم بشير نيمير» عضو الجمعية السودانية للحفاظ على البيئة (SECS) في تقرير البي بي سي إلى أنهم يقومون بالفعل بالدعوة، وأحيانًا يصل الأمر للمحاكم ضد إجراءات حكومية، مُضيفًا: «هنا نحن نحاول البقاء على قيد الحياة، ولذلك نحن بحاجة لعمل توازن».

للتعرف أكثر على الآثار الخطيرة للزيادة السكانية إقرأ أيضًا: الزيادة السكانية: أزمة مصر الوجودية

حصار الرمال.. الخطر القادم
في تقرير أعده برنامج «الواقع العربي» ونشر بالجزيرة عن التصحر والزحف الصحراوي الذي يواجه المنطقة العربية، وبدأت بوادره في الظهور بالسودان؛ حيث – طبقًا للإحصاءات- تواجه المنطقة خطرًا محدقًا، خاصةً بعد عمليات الهدر المُتسارعة لأكثر من 12 مليون فدان من الأراضي الخصبة خلال العقد الأخير فقط.

فبالرغم من ترشح السودان لتكون منفذ الغذاء في العالم؛ نظرًا لاتساع رقعة الأرض الزراعية بها، إلا أنها الآن تواجه تهديدًا بالحياة بعد أن أضحت أغلب أراضيها جافة وعُرضة للتصحر، وهو ما يشير إليه – تقرير البي بي سي – موضحًا أن زحف الرمال يبدأ من مدينة «كريمة» السودانية، والتي تعمل الآن تحت ظروفٍ قاتلة لأي محصول، خاصة مع العواصف الرملية التي تتعرض لها المنطقة، مُضيفًا أن الصحراء الآن تتغذى على الشريط الضيق الباقي الذي يصلها بنهر النيل، والذي كان في السابق مساحاتٍ خضراء زراعية، لتبتلع الرمال مزارع بأكملها.

يقول «عثمان عبد المُعطي» وهو أحد مزارعي كريمة: «إننا محاصرون الآن بين الكثبان الرملية التي تهدد بابتلاع حقول القمح، فالأرض المُنتجة تتلاشى».
كل هذا قد يكون نتيجة الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية – تشير البي بي سي – فالصحراء تخطت حوالي 120 كيلومتر من غابات الخرطوم خلال الثلاثين عامًا الماضية، هذا بالإضافة إلى ازدياد درجات الحرارة، والتي تساعد على تبخر ماء النهر.

لكن ليست العوامل الطبيعية وحدها هي الخطر الذي يهدد الأرض الزراعية السودانية؛ فهجرة المزارعين إلى أرض الأحلام الجديدة – دول الخليج – بحثًا عن الذهب الأسود، إلى جانب زحف البعض الآخر نحو المدن؛ قد أدى إلى ضعف الأيدي العاملة، والآن يضطر بعض ملاك الأراضي إلى تأجير عمالة من المهاجرين الإثيوبيين ومن إريتريا ومنطقة دارفور السودانية.

اقرأ أيضًا عن الإحتباس الحراري: من حر خانق إلى برد قارس.. قفزات الطقس تعبر عمّا يفعله الاحتباس الحراري بحياتنا

القاهرة ونهاية نهر النيل المُسممة
يصل نهر النيل إلى القاهرة وهو في حالة يرثى لها، مُتخمًا بالسموم وضفافه مُحاطة بالقمامة، يناضل تدفقه الآخذ في التضاؤل ليروي قنواتٍ مُمزقة، يشكو فيها المزارعين من قلة منسوب المياه، فهل ستكون نهاية النهر كئيبة وقاتمة كما توقع لها التقرير؟

رحلة النهر التي تمتد من دول المنبع إثيوبيا وبحيرة فيكتوريا شرق إفريقيا لتنتهي في دلتا مصر، حيث يصب في البحر الأبيض المتوسط، تنتهي دائمًا نهاية مُسممة، بحسب التقرير، وهو ما يقوله صيادو مدينة رشيد المصرية، حيث صرح خميس، أحد الصيادين المصريين لباحث البي بي سي، أنهم يبتعدون قدر الإمكان عن نهر النيل عند الاصطياد، فالأسماك غالبًا ما تكون ميتة من السموم، مُشيرًا إلى أن امتداد نهاية نهر النيل سامة، وعلى الرغم من أن بعض أنواع الأسماك تستطيع البقاء على قيد الحياة في تلك المنطقة، إلا أنهم لن يأكلونها، مُضيفًا: «نحن نعبد النهر، لكننا الآن لا نريد منه شيئًا، وكلنا – الصيادين – نستخدم نفس التكنيك عند الصيد، نبتعد عن النهر قدر الإمكان».

في حين يشير محمد وهو أحد الصيادين والمزارعين المصريين الذي حول مركبه فيما بعد إلى أداة لنقل المهاجرين واللاجئين، وذلك بالرغم من القبض عليه مرتين، أنه يريد أن يحصل على رزقه من النيل كما كان يفعل أبوه ومن قبله جده، إلا أن هذا أصبح غير ممكن الآن، وهو ما اضطره للمكافحة من أجل العيش.