عشرات الكتب صدرت في السنوات الأخيرة من الحرب السورية أبرزها تلك التي صدرت في الغرب لكتّاب ومتخصصين في الشرق الأوسط من بينهم من عرف سوريا والمنطقة عن قرب حتى بات يتقن لغتها وبما يكفي لكي يخرج بخلاصة قائمة على معطيات الميدان والسياسة. خلاصة تقول إن ما جرى في سوريا هو حرب قذرة دمّرت وطناً من أجل اللاشيء. عدد من هؤلاء الكتاب تحدثوا ضمن برنامج لعبة الأمم عبر الميادين.
ثلاثة كتّاب غربيين تحدثوا عن رؤيتهم للحرب السورية والحقائق التي كرّستها ضمن برنامج لعبة الأمم على الميادين، أحدهم عمل على مدى سنوات طويلة دبلوماسياً في المنطقة ومبعوثاً خاصاً لبلاده في سوريا بين عامي 2015 و2016 هو الهولندي نيكولاوس فان دام الذي صدر له حديثاً كتاب "تدمير وطن: الحرب الأهلية السورية" والأسترالي تيم أندرسون صاحب كتاب "الحرب القذرة على سوريا" الذي ترجم مؤخراً للغة العربية والفرنسي فريديريك بيشون الذي سأل في كتاب سابق له "لماذا أخطأ الغرب في سوريا" محاولاً تشريح الأسباب لينتهي في إصدار جديد إلى أن الحرب في سوريا هي "حرب من أجل اللاشيء
عشرات السنين أمضاها نيكولاوس فان دام في المنطقة التي سبق اهتمامه بها مسيرته المهنية كسفير لبلاده في لبنان والأردن وقبرص وبغداد ثم قائماً بالأعمال الهولندية في العاصمة الليبية ونائباً لمدير الشؤون الأفريقية والشرق أوسطية في وزارة الخارجية الهولندية.
درس فان دام اللغة العربية بعمر التسعة عشر عاماً، وتاريخ الشرق الأوسط في الجامعة واختار "الصراع على السلطة في سوريا: الطائفية والإقليمية والعشائرية في السياسة" عنواناً لرسالة الدكتوراه، كل ذلك جعل في رصيده من المعرفة بطبيعة التركيبة القائمة في سوريا نظاماً وشعباً ما جعله يستنتج أن سياسة الغرب في سوريا كانت بعيدة عن الواقعية.
يقول فان دام للميادين ضمن برنامج لعبة الأمم إن التفكير بأن النظام سيسقط وأن الرئيس السوري بشار الأسد سيتنحى مسألة أقرب إلى الخيال مشيراً إلى أن من يعرف طبيعة وعقلية النظام كان سيدرك استحالة حصول ذلك.
وفق فان دام كل السوريين يريدون وحدة سوريا لكن المشكلة تكمن في أن الأكثرية تريد السلطة لها وحدها.
يرى الدبلوماسي الهولندي السابق أنه لو لم يكن هناك تدخل خارجي من دول غربية وعربية لما تدخلت روسيا بهذا الشكل، لافتاً إلى أن العنصر العسكري دخل إلى الحراك الشعبي السلمي منذ بدايته.
في كتابه الصادر حديثاً يقول فان دام إن الغرب افتقر للرؤية بعيدة المدى والبراغماتية التي كانت ضرورية لحل الصراع. وأن التعامل مع المعارضة على أنها سلمية وعصرية ولديها مطالب متواضعة بقي كذلك حتى حين اخترقها الإسلاميون والجهاديون.
بيشون: على الغرب أن يقرّ بأخطائه في سوريا
يعرف عن فريديريك بيشون اختصاصه بالشأن السوري وقضايا الأقليات. يرى أن من الأسباب التي أدت إلى ارتكاب الخطأ تلو الآخر في سوريا هو تجاهل آراء الخبراء في هذا المجال وعدم فهم طبيعة المجتمع السوري والاستماع حصراً لعرب الخليج الذين كانت لديهم وجهة نظر خاصة للمجتمع في سوريا.
يستند بيشون في حديثه إلى الزميل سامي كليب في لعبة الأمم عبر الميادين إلى ما يسمعه من أصدقاء سوريين وآخرين ليخلص إلى أن الشعب السوري يفضل بغالبيته العيش تحت سلطة الحكومة السورية بمن فيهم السنّة، معتبراً أن هناك تسخيفاً للوضع حين يقال إن لا بديل لدى السنة في سوريا من اختيار الإخوان المسلمين وبما هو أسوأ داعش.
في كتابه الأول يعدد بيشون الأخطاء التي ارتكبها الغرب وفي كتابه الثاني يعرض للنتيجة التي أدت إلى خسارة الدول الرئيسية الداعمة للمعارضة ومنها فرنسا نفسها. بيد أن هذه الدول التي أدركت لاحقاً أن الإخوان ليسوا أصحاب الحلّ في سوريا وأنه لا يمكن إزاحة الأسد بدأت تبدّل مواقفها.
يقول بيشون إن تركيا أدركت أن سياستها عبثية وقطر المنشغلة بالخلافات بين دول الخليج فهمت أن الأسد ربح غير مستبعد حصول تبدّل جذري في الموقف القطري في الاسابيع المقبلة. أما بالنسبة للدبلوماسية الفرنسية فقد بدأت بالفعل تتجه نحو المزيد من البراغماتية.
أندرسون: صمود الأسد فاجأ الجميع
اختار تيم أندرسون "الحرب القذرة" عنواناً لكتابه الذي استشرف فيه منذ 2015 صمود سوريا في وجه المؤامرة التي يجب النظر إليها من منظار تاريخي أوسع مرتبط بمشروع الولايات المتحدة لإقامة شرق أوسط كبير، كما يقول في مقابلته مع الميادين.
استغلال التظاهرات السلمية بدأ منذ آذار/ مارس 2011 وتلا ذلك عسكرة الحراك وصولاً إلى تدخل الجماعات السلفية التي كان الجيش السوري مستعداً للقضاء عليها لولا تدخل الأطراف المختلفة لدعمها.
لكن الخطة لم تسر كما كانت تريد هذه القوى لجهة قيام دويلة إسلامية في شرق سوريا يقول أندرسون، لافتاً إلى أنه بالرغم من كل ما حصل بقي الجيش السوري موحداً باستثناء بعض الانشقاقات التي لا تذكر فضلاً عن الدعم الشعبي القوي له معتبراً أن هذه العناصر ساهمت في صمود سوريا إلى جانب دعم أصدقاء أقوياء لها وهو ما فاجأ العالم.
يذكر أندرسون أن الكثيرين في المعارضة عادوا إلى الدولة منذ 2011 مشيراً إلى أن جزءاً من المعارضة لم يشارك في القتال في إشارة إلى المعارضة العلمانية.
سمير الحسن: المعارضات كانت واجهة لمشروع التدخل الخارجي
سمير الحسن، الكاتب والباحث اللبناني كان معارضاً للنظام السوري لا سيّما في زمن الوجود السوري في لبنان. وقّع مؤخراً كتابه "الحرب السورية ـ القوى ـ الاستراتيجيات ـ المفاهيم العسكرية الجديدة".
يؤكد الحسن في حديثه ضمن "لعبة الأمم" أن المؤامرة على سوريا بدأت منذ 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. يستند في ذلك إلى ما حصل معه شخصياً حين اتصلت به مجموعة من قيادات المعارضة في سوريا وطلبوا منه الذهاب إلى دمشق حيث سألوه عن الوضع في لبنان وأبلغوه أنهم سيغادرون إلى باريس وسيشكلون حكومة في المنفى.
في كتابه يشير الحسن إلى أن "الأحداث لم تأخذ شكل ثورة منظمة ذات أهداف واضحة، وما حدث في حمص كان أقرب إلى الاقتتال الأهلي وفي حلب كان اقتتال الريف ضد المدينة".
يخلص الحسن إلى أنه لم تكن هناك رؤية واحدة تجمع كل المعارضات التي أثبتت التجربة أنها لم تكن سوى واجهة سياسية لمشروع التدخل والغزو الخارجي.
المصدر : برنامج "لعبة الأمم"