2024-11-27 12:51 م

صناعة داعش والقاعدة..المخطط الأمريكي للسيطرة على احتياطي الغاز العالمي

2017-09-22
أصبح الغاز الطبيعي المسال في السنوات الأخيرة أحد أهم مصادر الطاقة النظيفة المطلوبة في معظم أنحاء العالم، وعلى الرغم من أن أكبر مستهلك لهذه المادة هو الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، فإن دولًا قليلة تقوم بإنتاجها.

فقد ظهرت أهمية الغاز الطبيعي في أواخر القرن العشرين كوقود نظيف وبانبعاثات كربونية أقل، في ظل الاحتباس الحراري الذي يعاني منه كوكب الأرض.

حيث وقعت غالبية الدول على اتفاقية كيوتو في اليابان عام 1992 الخاصة بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مما وجه أنظار العالم للبحث عن مصدر للطاقة النظيفة وأقل خطورة من استخدام الطاقة النووية، ووجدت الدول الصناعية مأربها في الغاز الطبيعي، مما عزز من أهميته كمصدر بديل ونظيف.

تعتبر روسيا أكبر دولة لديها احتياطي غاز في العالم (48 تريليون متر مكعب) تليها إيران (33 تريليون متر مكعب) فقطر بـ(25 ترليون متر مكعب) ثم تركمنستان بـ(17.5 تريليون متر مكعب)، وبالتالي يقع معظم احتياطي الغاز في العالم في أسيا مما ينقل الصراع العالمي إلى هناك.

مع وصول كل من بوتين وجورج بوش إلى سدة الحكم في القطبين السياسيين الأبرز مع مطلع القرن الحالي، وضحت خطط كل منهما لاستغلال الغاز أفضل استخدام ممكن، وبرزت عدة مشاريع عملاقة لنقل الغاز بالأنابيب، حيث أخذت روسيا بزمام المبادرة وشرعت بمد شبكة من انابيب الغاز التي تمد أوروبا بـ40 % من احتياجاتها من الغاز.

في المقابل وضعت أمريكا مخططًا لإيجاد بدائل للغاز الروسي القادم لأوروبا لتقليل هيمنة روسيا على مفاصل الاقتصاد والطاقة في أوروبا؛ ومن ثم تقليل النفوذ السياسي لروسيا الراغبة في استعادة مكانتها السابقة.

كما بدأت بالتدخل في رسم مسارات الغاز في وسط أسيا لتوزيعه على الدول الصديقة، تحت إشراف الشركات الأمريكية.

مشروع الغاز المار بأفغانستان
تبلورت فكرة مشروع نقل الغاز التركماني في عام 1996 وبدأت المباحثات مع حكومة طالبان في أفغانستان، حيث جري اختيار إحدي الشركات الأمريكية لتنفيذ الجزء المار بأفغانستان من الأنبوب، حيث سافر وفد من حكومة طالبان لأمريكا لاستكمال المباحثات.

كان الدعم الأمريكي للمجاهدين في أفغانستان ولحركة طالبان كبيرًا في معاركهم مع السوفيت، وبعد انتهاء الغزو السوفيتي لأفغانستان استمر التعاون بين حكومة طالبان والحكومات الأمريكية المتعاقبة. فبعد استيلاء حركة طالبان على حكم أجزاء كبيرة من أفغانستان عام 1996، رحبت أمريكا في البداية بالحركة بسبب التقارب في وجهات النظر حول مشاريع نقل الغاز من وسط أسيا عبر أفغانستان باكستان والهند، حيث جري توقيع عقد مع شركة يونيكال الأمريكية ودلتا السعودية لبناء الخط في القسم الأفغاني.

وفد من حكومة طالبان في زيارة لهيوستن في 4 ديسمبر عام 1997، للتباحث في شأن إنشاء خط أنابيب غاز عابر لأفغانستان (موقع المعرفة).

الرئيس الامريكي رونالد ريجان والملا عمر ووفد طالبتن في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض عام 1988(موقع المعرفة)

أيمن الظواهري عميل روسي
أيمن الظواهري عميل روسي.. هكذا فجر ليفتننكو هذه المفاجأة قبل وفاته بسنة متأثرًا بجرعة من سم البلوتونيم الذي تجرعه مع الشاي أثناء استقباله لرجال أعمال روس في أحد فنادق لندن.

إليكسندر ليفتننكو ..عميل بالمخابرات السوفيتية أعلن انشقاقه وهرب إلى لندن هو وزوجته حاملًا كمًا هائلًا من الأسرار، حيث عمل لسنوات مسئولا في قسم العملاء الخارجيين، حيث يؤكد أن المخابرات الروسية ألقت القبض في ديسمبر 1996 على أيمن الظواهري أثناء عبوره للحدود الداغستانية في طريقه للشيشان، حيث تم سجنه لستة أشهر بذريعة عدم حمله تأشيرة للدخول إلى روسيا، بينما يدعي ليفتننكو أنه قد تم تجنيده للعمل لصالح المخابرات الروسية في أفغانستان .

في السنوات التي أعقبت الانسحاب السوفيتي من أفغانستان، يعتقد أن الظواهري أقام في بلغاريا والدنمارك وسويسرا، واستخدم في بعض الأحيان جواز سفر مزور للسفر إلى منطقة البلقان، والنمسا، واليمن، والعراق وإيران، والفلبين. وفي ديسمبر 1996، أشارت تقارير إنه سجن لستة شهور، في روسيا بعد القبض عليه، لدخوله داغستان، في طريقه للشيشان، من دون تأشيرة دخول سارية المفعول، وفي عام 1997، يعتقد أن الظواهري قد انتقل إلى مدينة جلال أباد الأفغانية، حيث كان أسامة بن لادن يقيم.

وفقًا لمقال كتبه الظواهري، فإن السلطات الروسية فشلت في التعرف على النصوص العربية في جهاز الكمبيوتر الخاص به، ولذا لم تكتشف هويته!

لكن شهادة الكسندر ليتفينينكو الضابط السابق في المخابرات الروسية الذي أسلم، هي شهادة خطيرة جدًا، وتم قتله في لندن بعد فترة قصيرة من تحدثه عن هذا.

في يوليو 2005 في مقابلة مع صحيفة بولندية رزيكزبوسبوليتا، زعم ليتفينينكو أن أيمن الظواهري، القيادي البارز في تنظيم القاعدة، تم تدريبه لمدة نصف عام من قبل المخابرات الروسية (جهاز الأمن الفيدرالي) في داغستان في عام 1997، وسماه بالعميل القديم للمخابرات الروسية.

احتلال أفغانستان
توترت العلاقات بين أمريكا وحركة طالبان، بعد هجمات السفارة الأمريكية في دار السلام ونيروبي عام 1998 وتوقف العمل بمشروع خط الغاز التركماني.

حيث  عمدت روسيا إلي تصعيد الموقف في أفغانستان كرد فعل على مساعدة أمريكا للمجهدين وحركة طالبان ضد روسيا، حيث قامت بالتحالف مع أيمن الظواهري بعد تدريبه ومن ثم زرعه في أفغانستان وتحويل الموقف ضد أمريكا بعد  اقناع الظواهري لابن لادن بحرب مصالح أمريكا في كل دول العالم، وهو ما أسفر عن تحالف أيمن الظواهري مع أسامة بن لادن لتأسيس الجبهة العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين، لضرب مصالح أمريكا في أسيا الوسطي، وهو ما يتوافق مع مصالح روسيا.

كل هذه التغيرات دفعت أمريكا إلى تغيير قواعد اللعبة والدخول إلى قلب الأحداث.

عمدت أمريكا إلي دخول افغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر التي تشير بعد التحليلات في أمريكا نفسها إلى المساعدة في تفجير البرجين من الأسفل من أجل الدخول إلي مكامن الغاز في أسيا، حيث استولت أمريكا على أفغانستان القريبة من الغاز في كل من إيران وتركمنستان.

عقب احتلال أفغانستان حاولت أمريكا استكمال مشروع خط الغاز التركماني إلى الهند وباكستان، إلا أن وجود تنظيم القاعدة وحركة طالبان في طريق خط الغاز أوقف المشروع تمامًا.

تأثير تنظيم القاعدة على ممر الغاز المحتمل

في بداية وصول حركة طالبان إلى الحكم كان العلاقة  مع أمريكا إيجابية بالرغم من التزامهم بتطبيق الشريعة، كما أن المصالح الإستراتيجية أسفرت عن دخول شركات النفط الأمريكية لبناء خط أنابيب، إلا أن الغرض من التنظيم هو ضرب المصالح الأمريكية وتفجير العلاقات بين طالبان وأمريكا، وهو ما أسفر عن توقف خط الغاز من تركمنستان إلى الهند.

خطط بديلة
في عام 2002 وبالتزامن مع احتلال أفغانستان ومع اشتداد المعارك في أفغانستان بين أمريكا وحركة طالبان التي اتخذت نهج القاعدة في حرب أمريكا، برزت فكرة جديدة للالتفاف على المخطط الروسي الرامي لتعطيل أنبوب الغاز استفادة من الغاز التركماني، أطلق الغرب فكرة خط نابوكو لنقل الغاز من تركمنستان إلى أوروبا عبر بحر قزوين وأذربيجان فجورجيا وتركيا، حيث يكون بديلًا عن الغاز الروسي الذي يغطي كمًا كبيرًا من الاحتياج الأوروبي.

إيقاف روسيا للمشروع البديل أيضًا
ولأن موسكو ليست بالفريسة السهلة، ومن الصعب عزلها وتحييدها بناء على الرغبات الأمريكية الجامحة، فقد أظهرت روسيا ممانعتها قولًا وفعلًا لذلك المشروع الذي اعتبرته يستهدف كيانها الإقليمي ومعاديًا لها، وتبنت خطة استراتيجية دفاعية وذلك لمجابهة مشروع نابوكو وتفريغه من جدواه من النواحي القانونية والاقتصادية والسياسية.

فقد لجأت روسيا في تنفيذ استراتيجيتها إلى إثارة جدل قانوني حول مسار الأنبوب، وإمداداته وذلك من أجل الإيقاف الفوري أو على الأقل تعطيل مشروع خط نابوكو.

هذا الخلاف الذي أثارته روسيا هو ماهية الصفة القانونية للمسطح المائي لبحر قزوين في ظل القانون الدولي، وهل هو بحر أم بحيرة؟

هذا المحور من الاستراتيجية الروسية جعل من المستحيل، ليس فقط إنشاء خط أنابيب الغاز عبر حوض قزوين، بل حتى تطوير تركمانستان أو أذربيجان لأية حقول غاز على سواحل حوض قزوين في ظل هذا التعريف، إلى أن يتم الاعتراف به كبحر، وبالتالي فلا حق لأي دولة أخرى مطلة على البحر في حقول النفط والغاز على شواطئ الدول الأخرى المطلة على المسطح المائي.

وجاء المحور الثاني في الاستراتيجية الدفاعية الروسية عبر بناء قوة روسيا الاحتكارية في شراء كامل الغاز المنتج في أواسط آسيا وبالتالي احتكار بيعه عن طريقها وعبر أنابيبها العابرة للقارات، لذا فقد دخلت روسيا في عقود شراء غاز طويلة المدى من كل حكومات الدول المفترض منها ضخ الغاز في خط أنابيب نابوكو، كتركمانستان التي تنتج حاليًا نحو 80 مليار متر مكعب سنويًا، وقامت روسيا بشراء أكثر من 50 مليار متر مكعب في عقود طويلة الأجل.

كما أن أذربيجان التي يعول عليها كثيرًا بعد انسحاب تركمانستان من إمداد النسبة الأكبر من الغاز المنقول إلى أوروبا، دخلت هي الأخرى في تعهدات مع روسيا بعقود بيع طويلة المدى.

الغاز الإيراني محاصر
بالتزامن مع خط أنبوب وسط أسيا الأمريكي، كانت المفاوضات لمد خط غاز من حقل بارس، اكبر حقل غاز في العالم، إلى باكستان انتهاء بالهند والصين، إلا أن العقوبات الأمريكية على طهران عام 2006 منعت من تمدد الخط، حيث إنسحبت الهند من الاتفاقية بعد وعود أمريكية بإنشاء مفاعلات نووية لتوليد الطاقة .

كما ضغطت أمريكا علي باكستان لإيقاف المشروع واستبداله بخط غاز من طاجكستان عبر أفغانستان، إلا أن باكستان وقعت العقد في 2010 وتم إقامة القسم الخاص بإيران عام 2011، ومع التقارب الصيني الباكستاني وإنشاء ممر جوادر لربط غرب الصين ببحر العرب عبر باكستان، دخلت الصين كممول رئيس لاستكمال خط أنابيب السلام بين إيران وباكستان في 2015، خصوصًا مع رفع العقوبات عن طهران.

حيث يعتبر نجاح هذا الخط انتصارًا للتحالف الروسي الإيراني على حساب التحالف الأمريكي، حيث سيمكن من ضم باكستان لهذا التحالف، كما أنه من الممكن أن يمتد هذا الخط لاحقًا إلى غرب الصين في إطار ممر جوادر (أحد روافد طريق الحرير) وبالتالي يمكن إيران من استغلال مخزونها من الغاز بالشكل اللازم، ويؤمن للصين كميان كبيرة من الغاز، دون المرور بالطرق البحرية الواقعة تحت سيطرة الأسطول الأمريكي.
العقوبات الأمريكية على إيران والرد الإيراني
تقوم أمريكا بتوقيع عقوبات على إيران لمنعها من تطوير حقول الغاز (بالإضافة إلي قضية تخصيب اليوراينوم) ومن ثم مد خطوط أنابيب إلى وسط أسيا، وهو ما تحقق بانسحاب بعض الشركات الصينية والأوروبية من تطوير حقول الغاز، في المقبل تدعم إيران تنظيم القاعدة وحركة طالبان بشدة من أجل الضغط على المصالح الأمريكية في وسط أسيا وإعاقة الشركات الأمريكية عن استكمال مشاريع الغاز في أفغانستان، حيث تضمن الدعم استقبال مقاتلي الحركة للتدريب في المدن الإيرانية من أجل إشعال المنطقة جنوب تركمنستان بين أفغانستان وباكستان، بالإضافة إلى إستضافة قيادات وعائلات وأسر قيادات التنظيم .

انشقاقات طالبان بسبب الدعم الإيراني
بينما بدأت الانشقاقات من “طالبان” في الميدان، إذ أعلن القيادي في الحركة عبد الله جريك، والذي لديه نفوذ على الحدود مع دول آسيا الوسطى في شمال أفغانستان، انشقاقه من الحركة بحجة أن إيران وروسيا بدأتا تتلاعبان بها. وقال جريك في حوار مع وسائل إعلام أفغانية: “كنا نقاتل لتطبيق الشريعة وإعلاء كلمة الله، ولكن لما وصلت إلينا أسلحة إيرانية وروسية لندمر بها بلادنا ولنقاتل بها أبناء شعبنا، أدركنا أننا ضحية حروب أجنبية.

الثورة السورية وممرات الغاز وداعش
قامت الثورة السورية في خضم موجة الربيع العربي، واقتصرت علي مظاهرات سلمية رغم القتل والقمع الأمني، إلا أن قيام إيران وسوريا والعراق بالتوقيع عل مشروع الخط الإسلامي الذي ينقل الغاز من ايران إلي الساحل السوري وأوربا بعد ذلك (عبر العراق) يوليو 2011 ، حول الثورة فجأة إلى ثورة مسلحة، وبدعم من دول الخليج المناهضة لإيران، خصوصًا بعد رفض سوريا مشروع الخط القطري الذي ينقل الغاز من نفس الحقل غلي أوروبا عبر سوريا وتركيا.

ظهور داعش وتسليح الأكراد
ظهرت داعش في شمال غرب العراق وشرق سوريا، وهو نفس مسار خط الغاز الإيراني المار من إيران والعراق إلي سوريا، ومن اللافت للنظر ذلك  الانسحاب الكبير من الجيش العراقي وترك مخازن الأسلحة كغنيمة لداعش، الأمر الذي يدعو للتساؤل والتعجب!

حيث أدي ظهور داعش في تلك المساحة إلى إجهاض أية محاولة لإحياء خط الغاز الإيراني المدعوم من روسيا.

بعد بروز دور تركيا في الساحة الدولية والإقليمية، برزت الحاجة إلى عزلها عن امتدادها الإقليمي، وأصبحت تركيا تشكل معضلة للغرب بالتساوي مع إيران، بالرغم من اختلافهما في قضية الصراع في سوريا، قامت أمريكا وألمانيا بدعم الاكراد المتواجدين في جنوب شرق تركيا وغرب إيران لتشكيل دولة تابعة للغرب، لكبح جماح اللاعبين الرئيسيين في المنطقة .

حيث تقوم اللعبة علي تسليح الحزب السوري الكردي لمحاربة داعش، وبالتالي تقوم الأحزاب الكردية باحتلال المناطق التي تقوم بتحريرها، تمهيدًا لربط الأكراد في سوريا مع أكراد العراق وجنوب تركيا بحزام كردي واحد، إلى حين الإعلان عن قيام الدولة الكردية المزعومة، وبذلك يلعب داعش دورًا مزدوجًا.

وجدير بالملاحظة هو رفض أمريكا دعوات تركيا لحرب داعش إنطلاقا من الأراضي التركية والتصميم على تسليح الأكراد، كما تم إلقاء سلاح أمريكي لداعش بالخطأ عدة مرات، الأمر الذي يدعو للدهشة عن تكرار الخطأ، حيث استخدمت داعش هذا السلاح في دحر المعارضة الإسلامية مثل أحرار الشام وجيش الفتح، الذي تدعمهم به تركيا، مما يشتت الجهود التركية في حرب داعش والأكراد ودعم المعارضة المسلحة والجيش الحرفي إدلب وحلب.

حيث ترغب تركيا في خلق حزام شمال سوريا مستخدمه المعارضة الإسلامية لمنع قيام حزام كردي محتمل لتطويقها، حيث تعد تلك التحركات مناوئة لما تقوم به أمريكا.

فكان الحل هو إلقاء السلاح لداعش والإدعاء بأن الأمر مجرد خطأ متكرر.

تأثير ظهور داعش على تغيير ممرات الغاز
أدى ظهور داعش إلى إلغاء مرور خط الغاز الإسلامي من إيران إلى أوروبا عبر سوريا والبحر المتوسط، الذي يحظى بموافقة روسية، ونجحت خطة أمريكا في إيقاف أي خطوط غاز تقع تحت الوصاية الأمريكية.

بوكوحرام والسيل الإفريقي
تعتبر دلتا نهر النيجر في جنوب نيجيريا المطلة علي المحيط الاطلسي ، من أكثر المناطق الغنية بالنفط والغاز، حيث تحتل نيجيريا المركز السابع عالميا في احتياطي الغاز، حيث قامت الجزائر بالتفاهم مع الجانب النيجيري من أجل مد خط أنابيب بين البلدين ينقل 30 مليار متر مكعب من الغاز إلى أوروبا، بالشراكة مع عملاق الغاز الروسي غاز بروم الذي يطمح في السيطرة على ممرات الغاز إلى أوروبا لأهداف سياسية.

الصراع بين روسيا وأمريكا على الغاز الإفريقي
تحاول الدول الغربية تنويع مصادر الغاز، في إطار حماية أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي، في سبيل ذلك تحاول أوروبا استغلال كميات الغاز الكبيرة في نيجيريا كمصدر بديل للغاز الروسي الذي يمد أوروبا بـ 40% من احتياجاتها من الغاز.

خط الغاز بين نيجيريا والمغرب بديل لخط غاز نيجيريا الجزائر

 ظهور بوكو حرام.. هل هي صدفة؟
ظهرت الجماعة المتشددة في شمال شرق نيجيريا المسلم وكانت تحرم التعليم الغربي أو تعليم الفتيات ، وظلت الجماعة محدودة الـثأثيرعام 2002 وهو للمفارقة نفس العام الذي شهد توقيع عقد خط الغاز الجزائري، ومع تجدد المباحثات حول المشروع عام 2009 ، عاودت الجماعة نشاطها بدأت بالتمدد وقامت بعدة عمليات ضد الحكومة، حيث جرى تحريك ملف خط الغاز المار من الجنوب النيجيري إلى الجزائر وقام وزير الطاقة الجزائري شكيب خليل بتوقيع مذكرة تفاهم ، وقدرت التكلفة لاحقًا في 2014 بنحو 20 مليار دولار.

التدخل الأمريكي الأوروبي
أسفرت التدخلات الغربية في هذا المشروع إلي بروز فكرة ربط نيجيريا عبر المغرب وأوروبا عن طريق غرب القارة، بديلًا عن المشروع الجزائري الذي تشرف عليه روسيا، حيث قامت نيجيريا بالسير في كلا الملفين معًا، واسفرت المفاوضات عن توقيع العقد مع المغرب مستعينًا بالشركات البريطانية والأمريكية لتمويل وإنشاء الأنبوب، الأمر الذي شكل انتصارًا للمغرب على غريمه التقليدي الجزائر، كما شكل نصرًا سياسيًا للغرب على الغريم الروسي.

دول الخليج تتدخل
على الجانب الآخر ساندت الدول الخليجية المغرب من أجل تحويل مسار خط الغاز للمرور بغرب إفريقيا، حيث يتم إكمال إمداد خط غاز (نيجيريا-بينين-توجو-غانا) ليصل إلى المغرب ومن ثم أوروبا، كعقاب لروسيا التي تمنع مرور خط الغاز الخليجي إلى تركيا، بالرغم من المشاكل الحدودوية بين المغرب وموريتانيا، وبالرغم من مرور الأنبوب بعدة دول إفريقية تعاني من انخفاض مستوى الاستقرار والأمن، الأمر الذي أثار دهشة واستغراب الجزائر.

التدخل الفرنسي لمحاربة بوكو حرام
بعد قيام الجنرال محمد بخاري رئيس نيجيريا المنتخب في 2015 بتوقيع اتفاق لبناء ذلك الأنبوب الذي يتكلف 25 مليار دولار، قامت فرنسا باستخدام قواعدها في الكاميرون وتشاد ومالي بمساعدة الجيش النيجيري في القيام بمحاربة بوكو حرام، وقامت بتحفيز جيوش تشاد والكاميرن للهجوم علي مواقع بوكوحرام.

بالرغم من وجود تلك الجيوش والقواعدة العسكرية منذ بداية تمدد بوكوحرام، إلا أن الدعم العسكري واللوجيستي لم يحدث إلا بعد نقل مسار الخط غربًا بعيدًا عن أيادي الشركات الروسية.

من الجدير بالذكر أن نيجريا طلبت في وقت سابق الدعم من روسيا في مجال مكافحة الإرهاب، حيث تلعب الحكومة النيجيرية على احتمالية أن يتم تدشين أي من الخطين سواء إلى الجزائر أو المغرب، لأنه من الوارد تعطيل الخط في أي وقت بسبب الأفخاخ السياسية المتوقعة في دول العبور، والخلافات المحتملة، فيكون هناك بديل روسي محتمل.

تأثير بوكو حرام على أنبوب الغاز
وبالرغم من وجود عدة جماعات محلية تهاجم خطوط الغاز بحجة عدم التوزيع العادل للثروة، حيث تقوم الشركات الأجنبية بتحويل مكاسبها الضخمة إلى الخارج، إلا أن تأثير جماعة بوكو حرام  كان أكثر وأقوي، حيث قاموا بالسيطرة علي مساحات واسعة ومبايعة تنظيم داعش مما عطل مشاريع إمداد خطوط الغاز إلى أوروبا.

المناطق الملونة بالأصفر مناطق تسيطر عليها بوكو حرام وهي تقطع مسار أنبوب الغاز إلي الشمال وبالتالي لبابلبلي فقد تم إعاقة تنفيذ خط الغاز الجزائري.

مخدوعون أم خونة؟
غلب الظن علي كثر من المحللين أن معظم المنضمين للجمعات الإسلامية الجهادية هم أشخاص صادقو النية ولهم عقيدة قتالية، إلا أن أجهزة المخابرات الغربية تستغل ذلك الحماس وتوجه فيما يتوافق مع أهدافها المرحلية، مستخدمين قاعدة أن العدو يدمر نفسه، حيث تقوم المخابرات الأمريكية بتسهيل إيصال الدعم لتلك الجماعات وتوجيهها لضرب جهات وتنظيمات معينة، كما حدث مع تنظيم القاعدة في إيران حيث يحظر التنظيم تنفيذ ضربات داخل إيران بسبب المصالح المشتركة للتنظيم، حيث تعتبر إيران ممر لإمدادات القاعدة  المال والسلاح ومركز للتدريب، كما حدث ذلك في العشرية السوداء في الجزائر ، حيث قامت المخابرات الفرنسية والأمريكية بإنشاء والذي قام باستقطاب العناصر الجهادية للقيام بهجمات ضد النظام الجزائري، وبعد أربع سنوات تم تصفية جميع القيادات الإسلامية وتبقت عناصر المخابرات، التي أتمت قيادة التنظيم .

كلمة أخيرة
يجب على المجتمع الإسلامي أن يلم إلمامًا جيدًا بالمتغيرات والصراعات على المستوى الإقليمي والدولي، وكيفية إدماج التيارات الإسلامية في تلك الصراعات من أجل استخدامهم في ضرب أعداء لدول كبرى، ومن أجل تشويه الدين الإسلامي، كما حدث في تنظيم القاعدة وداعش، تجنبًا لوقوع الكثير من شباب التيار الإسلامي ضحايا لتلك الألاعيب.