2024-11-30 12:34 م

الاحتلال والضائقة المالية نغّصا عيد المقدسيّين

2017-09-04
لم يكن عيد الأضحى الذي احتفل به المسلمون قبل أيام، شبيهاً بأيّ عيد آخر بالنسبة إلى عائلة الإعلامي محمد الفاتح من حيّ البستان في سلوان، جنوبيّ المسجد الأقصى. فسلطات الاحتلال أقدمت قبل نحو ثلاثة أسابيع على هدم بيتها. لكنّ عائلة الفاتح أعادت قبل نحو أسبوعَين بناء جزء من البيت، بدعم ومساندة من عائلات سلوان وأشخاص متضامنين هبّوا لنصرة العائلة.
وكانت تلك المرّة الثانية التي يُهدَم خلالها البيت الذي يؤوي أسرتَين. فيقول الفاتح: "لسنا على عجلة من أمرنا". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّه "حين تتلقى ضربة، عليك أولاً أن تمتصها لتتمكّن من النهوض. سوف نمهل أنفسنا بعض الوقت قبل أن نعيد بناء الجزء الثاني من البيت. ونحن على يقين بأنّهم سوف يعودون لهدم ما سوف نبنيه".

احتفلت العائلة بعيد الأضحى على طريقتها، إذ في ذلك بحسب الفاتح تأكيد على أنّ "عملية الهدم لن تمنعنا من البقاء والصمود. ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه، وسوف نبقى هنا في حيّ البستان. سوف نبقى في سلوان، ولن نغادرها أبداً".
الإصرار على البقاء يكاد يكون ما يشدّد عليه كل مقدسي بات بعد هبّة الأقصى هدفاً للاحتلال وممارساته، أكثر من ذي قبل. ولعلّ حملات المداهمة اليومية على مدار الساعة التي تنفّذها بلدية الاحتلال في المدينة المقدسة وضواحيها، خير مثال على واقع صعب يعانيه المقدسيون، سواء في حيّ البستان في سلوان أو في بلدة العيسوية. والأخيرة بحسب محمد أبو الحمص، وهو عضو لجنة المتابعة للدفاع عن منازل وأراضي البلدة، "ذات أفضلية بالنسبة إلى الاحتلال وممارساته، في ما يتعلّق بهدم البيوت ومصادرة الأراضي لإنشاء الحدائق التوراتية عليها. وآخرها كان عندما عمدت طواقم ما يسمى بالمراقبة على البناء في بلدية الاحتلال بتسليم إخطارات هدم جديدة ووقف أعمال بناء في مساكن أخرى في البلدة منتصف الأسبوع الماضي". ويؤكد أبو الحمص لـ "العربي الجديد" أنّ بلدته باتت "من بلدات القدس وأحيائها الأكثر استهدافاً، ليس على صعيد الهدم فحسب بل كذلك في حملات المداهمة والاعتداء على المواطنين واستهداف أطفال البلدة، مثلما حدث مع الطفل طارق العيساوي ابن الحادية عشرة الذي فقد عينه بعيار مطاطي خلال هبّة الأقصى الأخيرة".

خلال أيام عيد الأضحى وقبله، راح التجّار المقدسيّون في البلدة القديمة ينتقدون السلطة الفلسطينية التي لم تفِ بعد بما وعدت به، عبر تقديم دعم مادي لهم يساعدهم على مواجهة الضائقة الاقتصادية الخانقة التي يعانون منها، لا سيّما وأنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس كان قد أعلن عن دعم بقيمة 25 مليون دولار أميركي لأهل المدينة المقدسة الذين أفشلوا خطط الاحتلال لإقامة بوابات إلكترونية عند أبواب الأقصى.

آحمد عبد اللطيف الزين، من أصحاب المحال التجارية في شارع الواد في البلدة القديمة، يقول: "وعدونا بمساعدة مالية بقيمة ثلاثة آلاف دولار لكل تاجر، على أن تدفع على ثلاثة أشهر. حتى اليوم، لم يحدث هذا". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "العيد حلّ وكنّا نتمنى أن تكون تلك المساعدة قد صرفت"، لافتاً إلى أنّ "الأسواق افتقرت عشيّة العيد إلى المتسوّقين".
من جهتها، تشكو رحاب الرموني من سكان حيّ الجالية الإفريقية في البلدة القديمة، المتاخم للمسجد الأقصى، من إهمال عشرات الطلبات التي تقدّمت بها لترميم بيتها الآيل للسقوط. وتخبر "العربي الجديد" أنّ "ظنّي قد خاب، إذ لم يرمّم بيتي قبل حلول عيد الأضحى"، فهي كانت تأمل أن تستقبل مهنئيها بالعيد والبيت في أفضل حال. تضيف أنّ "لا أحد يلتفت إلينا. المساعدات تذهب إلى ناس دون آخرين". يُذكر أنّ المستوطنين لا يكفّون عن مضايقتها بعروضهم المالية الهائلة لقاء شراء بيتها.
في السياق، يقول رئيس لجنة تجار شارع صلاح الدين، حجازي الرشق، إنّ "الضائقة الاقتصادية التي يعانيها المواطنون، هي ذاتها التي يعانيها التجار وجميع فئات المجتمع المقدسي، نتيجة ممارسات الاحتلال واستهدافهم بسياسات الإذلال والإهانة التي تستهدف خصوصاً الشبان والفتية". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "هذا هو ما يتسبب بعزوف المواطنين عن التوجّه إلى أسواق البلدة في فترة العيد"، مشيراً إلى أنّ "العيد هذا العام تزامن مع بداية العام الدراسي الجديد، الأمر الذي أرهق كاهل الأسر المقدسية أكثر".
إلى ذلك، يقول مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زياد الحموري، إنّ "ما يعانيه المقدسيون من ضائقة اقتصادية انعكس في فترة عيد الأضحى، بطريقة جليّة على حركة التسوق التي سجّلت تراجعاً هائلاً خلال الأيام التي سبقت العيد". ويشرح لـ "العربي الجديد" أنّ "الأسر المقدسية بمعظمها، استنزفت ما لديها من مدخرات ومداخيل على قلّتها في بداية الموسم الدراسي لا سيّما لتسديد رسوم التعليم العالية. كذلك فإنّ مواطنين كثيرين ملاحقون من قبل ما يسمى بدائرة الإجراء الإسرائيلية، بسبب عجزهم عن دفع رسوم ضريبية ومخالفات سير وغرامات مالية على منازلهم التي تهدمها سلطات الاحتلال وتلزم أصحابها بدفع رسوم الهدم والتي تصل إلى عشرات الآلاف الشواقل".

في سياق متّصل، كانت قاعة فندق مول الدار في شارع صلاح الدين في القدس المحتلة، قد ازدحمت قبل يومَين من عيد الأضحى بأعداد كبيرة من الأسر المقدسية التي توجهت بأبنائها إلى هناك لاستلام حقائب مدرسية وقرطاسية تبرّعت بها لهم جمعية المرأة للتنمية والتمكين، بهدف التخفيف عن تلك الأسر التي تعاني من أوضاع مادية صعبة. وتوضح مديرة الجمعية إلهام نعمان لـ "العربي الجديد" أنّهم عمدوا إلى "توزيع 450 حقيبة مدرسية بكامل قرطاسيتها على تلاميذ مستحقين لها، بعد دراسة للحالة الاجتماعية والاقتصادية لهذه الأسر التي تعاني من فقر شديد جعلها غير قادرة على تأمين الحقائب المدرسية لأبنائها". تضيف: "اخترنا عشيّة عيد الأضحى لتوزيعها كي نوفّر على الأسر، فتتمكّن بالتالي من شراء ما تحتاجه للعيد، وذلك مع إدراكنا أنّ هذه الأسر بالكاد تملك ما يمكّنها من شراء احتياجاتها". وتشير إلى أنّ "ثمّة فاعلي خير عمدوا إلى مساعدة تلك الأسر من خلال توفير مواد تموينية لها وكذلك لحوم الأضاحي".