2024-11-28 06:42 م

نزع الشرعية الدولية عن «إسرائيل» يشكل تحديا استراتيجيا يهدد مستقبلها

2012-12-28
نواف الزرو 
 
أثار الاعتراف الأممي الأخير بفلسطين "دولة غير عضو"، الهواجس والمخاوف الاسرائيلية التاريخية المتعلقة بشرعية وجود تلك الدولة الصهيونية، فهم يعتبرون وجود الدولة الفلسطينية، وإن على الورق حاليا، النقيض الجذري لوجود الدولة الصهيونية، ويتخوفون على نحو خاص من احتمالية اللجوء الفلسطيني لمحكمة الجنايات الدولية بشأن جرائم الحرب الاسرائيلية، وهذه الاحتمالية تبقى قائمة بقوة، إن جد الجد لدى القيادة الفلسطينية والدول العربية في ذلك، وتخشى اسرائيل بعدا آخر يتعلق باحتمالية العمل مستقبلا من أجل نزع الشرعية عنها، فالمؤسسة الاسرائيلية بكل عناوينها - الامنية- العسكرية - السياسية –الاعلامية –الاكاديمية وغيرها تعتبرها جبهة حربية اخرى تعتبرها- اخطر جبهة تفتح ضد "اسرائيل" بعد العسكرية، بل إنها جبهة تشكل تحديا وخطرا استراتيجيا على مستقبل تلك الدولة، هي جبهة "نزع الشرعية الاممية عن اسرائيل"، وهناك قلق وهلع وهواجس وجودية اخذت تتفاقم وتتسيد الجدل السياسي الاسرائيلي، في ظل هذا المناخ الدولي الاممي المناهض لـ "اسرائيل المجرمة"، ولـ "اسرائيل العنصرية -دولة الابرتهايد- في العالم"، واخذت هذه الهواجس تنعكس تباعا في ادبياتهم السياسية على نحو متصل.. فالاساطيل وقوافل التضامن مع غزة التي تواصلت على مدى السنوات الاخيرة، تحولت الى جبهة اعلامية اخلاقية قانونية اثارت ولا تزال الكثير من القلق والرعب لدى المؤسسة الصهيونية، خاصة في بعدها الاخلاقي والقانوني، وكذلك الحملات الشعبية الاهلية التضامنية مع فلسطين، التي انتشرت على امتداد المساحة الاوروبية، ترعب من جهة ثانية الدولة الصهيونية، بينما جاء هذا الاعتراف الاممي الاخير بفلسطين" دولة غير عضو"، ليستكمل طوق الخناق الاممي على "اسرائيل".
فها هو رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو يعلن في أقرب تصريح له"إن إسرائيل تتعرض لهجمات تهدف إلى نزع الشرعية عن مجرد وجود الدولة والسيادة اليهودية والحدود"، متطرقا إلى تصريحات أيقونة الاعلام الامريكي على مدى ستين عاما هيلين طوماس، التي دعت اليهود للعودة إلى بولندا أو المغرب، قائلا "إن هذه هي دولة اليهود، وإن هذه التصريحات تعني تفكيك المشروع الصهيوني"، والكاتب أري شافيت يقول في" هآرتس" إن نزع الشرعية هو التحدي الوجودي الاكبر لاسرائيل"، مضيفا: "انها حرب قانونية لم نشهدها مع الفلسطينيين من قبل"، ويؤكد المحلل ألوف بن في هآرتس"ان الانتفاضة البيضاء الفلسطينية تسعى الى عزل إسرائيل دولياً"، ويلحق بهم دوري غولد في اسرائيل اليوم-قائلا: "إن المعركة في مواجهة سلب الشرعية الاسرائيلية"، ويوثق معهد رئوت في دراسة له"ان الاحتجاجات ضد إسرائيل في العالم تزعج الإسرائيليين ويعتبرونها تهديدا استراتيجيا -12/02/201".
فالاجماع السياسي الامني الاكاديمي الاسرائيلي، ان الفلسطينيين ومعهم حلفاؤهم في العالم، نجحوا في فتح جبهة جديدة- جبهة شرعية وجود اسرائيل- لم تعهدها "اسرائيل" على مدى عقود عمرها الماضية، ولم تكن واردة في حساباتهم بأنها ستشكل تهديدا استراتيجيا لمستقبل دولتهم، الى جانب التهديدات الاستراتيجية، وهي كثيرة ومتشعبة.
ست جبهات مفتوحة ضد إسرائيل
والحكاية ليست اعلامية ونظرية، فوزير الأمن الإسرائيلي، إيهود باراك، يعلن ايضا من جهته "إن إٍسرائيل تواجه "تسونامي سياسي، وإن الجمهور لا يدرك ذلك"، وفي كلمته في "المعهد لدراسات الأمن القومي" في تل أبيب، قال باراك "إن نزع شرعية إسرائيل تلوح في الأفق، وإن ذلك يعتبر خطرا جدا ويتطلب العمل على مواجهة ذلك -"عــ48ـرب: 14/03/2011"، وكذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت يعلن: "إن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تدفع إسرائيل إلى عزلة غير مسبوقة بسبب سياستها الخاصة بالمستوطنات اليهودية"، مضيفا "نتنياهو يعزل إسرائيل عن العالم كله بطريقة غير مسبوقة وسندفع ثمنا غاليا في جميع نواحي حياتنا وعلى الشعب الإسرائيلي أن يعرف ذلك"، وقال عوزي اراد- رئيس مجلس الامن القومي في"إسرائيل اليوم -2010-2-9" "تدور معركة غير سهلة ضد اسرائيل. يمكن الاشارة الى اربع جبهات يوجد بينها اتصالات متبادلة: المعركة الاعلامية، المعركة القانونية، المعركة السياسية، واخيرا، المعركة الاقتصادية، حيث يوجد المزيد فالمزيد من المقاطعات للبضائع الاسرائيلية لدرجة إشعال النار في هذه البضائع، انا لا أعرف شخصا ضالعا في معرفة التاريخ اليهودي لا يتقلب أقرباؤه في قبورهم حين يرون مثل هذه الشعلات"، ونضيف من جهتنا جبهتين: الخامسة وهي العسكرية، كما تجلت في الحرب الاسرائيلية الاخيرة على غزة، التي سجل فيها الفلسطينيون انتصارا ردعيا وسياسيا وقانونيا كبيرا، والانتفاضة الشعبية المشتعلة في انحاء الضفة الغربية ضد الجدران والمستوطنين الإرهابيين، وكتب أري شافيت في هآرتس 2010-2-12"اما التهديد غير الامني الاساسي فهو تهديد نزع الشرعية، فمنذ نحو عقد من الزمن وفكرة الدولة اليهودية تعاني من هجوم متجدد، وفي السنة الأخيرة كان الهجوم شاملا، والتحالفات الواسعة للقوى الراديكالية استخدمت عملية "الرصاص المصبوب" كي تسود وجه إسرائيل واستغلت الاحتلال كي تنزع الشرعية حتى عن إسرائيل السيادية، وهكذا حشرت إسرائيل في الزاوية وجعلتها دولة شبه منبوذة".
وقال التلفزيون الاسرائيلي-7 / 12 / 2012 ان رئيس دولة فلسطين محمود عباس يقوم بخطوات خطرة جدا ضد اسرائيل، وان السلطة كانت تتوقع رداً قاسيا على توجهها الى الامم المتحدة، وانه ورغم ذلك فإن وضع اسرائيل أصبح صعبا على الساحة الدولية، وان الرئيس ابو مازن يقوم بخطوات خطرة ضد اسرائيل".
وكتبت يديعوت-الأربعاء 20/01/2010 "ينبغي أن نتابع بعناية شديدة ما يجري في الساحات السياسية والعسكرية، كي نفهم ونشخص بأن تحت السطح يعتمل شكل جديد من الارهاب ضد اسرائيل، في هذا النوع من الارهاب لا يطلقون النار، لا يجرحون ولا يقتلون، ورغم ذلك يبدو ان هذا الارهاب خطر علينا اكثر من إرهاب القنابل: هذا إرهاب نزع الشرعية العالمية – نزع دولة إسرائيل من أوساط أمم العالم"، وحذر نائب رئيس الوزراء، الوزير موشيه بوغي يعلون قائلا: اضافة الى صراع الإرهاب العنيف يستخدم الفلسطينيون وحلفاؤهم في العالم، أدوات قضائية دولية للمس بمجرد وجود إسرائيل"، مضيفا: "إسرائيل ملزمة بأن تتعاطى مع حملات نزع الشرعية في العالم كأداة مركزية في الصراع الذي تقوده محافل عربية وفلسطينية ضدها- يديعوت- الخميس 12/05/2011"، وبينما يقول جدعون سامت في معاريف 29/10/2009 "إن إسرائيل في أحد المفترقات الأكثر خطورة التي شهدتها في تاريخها"، يكتب الجنرال احتياط شلومو غازيت في معاريف 22/10/2009قائلا:"إن إسرائيل تواجه تهديدين استراتيجيين،الأول هو عملية نزع الشرعية عن إسرائيل، وهي عملية مشابهة لتلك التي اجتازها النظام الأبيض في جنوب إفريقيا، وأدت إلى انهياره قبل ثلاثين سنة، والثاني هو الخطر الديمغرافي، وهذا هو الخطر الأكثر قربا وملموسية على مجرد وجودنا، خطر لا يقل عن تطوير النووي الإيراني وبالتأكيد يفوقه كعملية محتمة".
قرن من «الغولدستونات» في فلسطين...!
وفي هذا السياق الصراعي على "شرعية وجود اسرائيل"، اعتبرت الحرب العدوانية-المحرقة-التي شنتها"إسرائيل" على أهل غزة، العنوان الأهم في هذه المعركة، وعلى نحو خاص في أعقاب تقرير غولدستون الذي جرم "إسرائيل" باقتراف جرائم حرب، ففي غزة هاشم- استخدمت دولة الاحتلال ما أطلق عليه لديهم"استراتيجية الضاحية"، أي التدمير الشامل ومحو البنية التحتية وما فوق الأرض عن وجه الأرض، على نمط "ما حصل في الضاحية الجنوبية لبيروت في صيف/2006"، كما استخدم الاحتلال سياسة "الإبادة والمجازر الجماعية البشعة التي ارتقت إلى مستوى ما بعد الجريمة... وإلى مستوى المحرقة الحقيقية"، ووفقا لتقرير موثق فقد طال التدمير الشامل: "مساجد، مشافي، ومدارس، جامعات، بيوت آمنة، مسعفون، سيارات إسعاف، أطفال رضع وصبية، شيوخ ونسوة، حتى مقابر الأموات لم تسلم، الكل تهدم، وأصبح هدفاً لآلة حرب عنصرية لا ترحم، ولجيش "دفاع" بل دمار، منزوع الضمير الإنساني ومنزوع الأخلاق"، إلى ذلك كان هناك قنص، وسحل، وهدم، وحرق، وتفجير وتهجير، ومعان وكلمات أصبحت مفردات أساسية في حديث أهل غزة اليومي، الجزيرة- /1/14/ 2009".
فاذا كان تقرير غولدستون بات يعني ضمنا وجوهرا تجريم الدولة الصهيونية، باقتراف جرائم الحرب المشار اليها بالعناوين اعلاه واكثر، فإن هذا التقرير الاممي جاء متأخرا عمليا نحو اثنين وستين عاما من النكبة، ونحو اكثر من قرن من نشأة الحركة والتنظيمات الارهابية الصهيونية ومن الجرائم الصهيونية، اذ اقترفت الحركة والتنظيمات الارهابية الصهيونية قبل قيام"اسرائيل"المئات من جرائم الحرب التي تستحق كل منها "غولدستون" خاص بها، كما اقترفت تلك الدولة بعد اقامتها المئات الاخرى من الجرائم التي تستحق كل منها ايضا "غولدستون" خاص بها...!.
يضاف الى ذلك القرصنات البحرية الاسرائيلية ضد اساطيل التضامن الدولي مع غزة، التي تعتبر كل عملية منها جريمة حرب، لنصبح بالتالي امام سجل طويل من مئات اذا لم يكن آلاف"الغولدستونات-ان جاز التعبير-" الممتدة على امتداد الجسم الفلسطيني..!.
منذ الوعد البلفوري
فهناك في فلسطين، في كل بيت فلسطيني مهدم وفي كل خيمة فلسطينية مقامة وعلى كل وجه فلسطيني معالم جريمة وحكاية حزينة لا تمحوها الأيام ولا تخطئها ذاكرة التاريخ ...جراح وأسرار وحكايات قديمة-جديدة- متجددة متراكمة تتضافر كلها اليوم ونحن امام محرقة غزة وتقرير غولدستون، لتقدم لنا مشهدا فلسطينيا مثخنا بالغولدستونات، فكل حكاية منها تستحق كذلك غولدستون خاصا بها..!
وتبدأ الحكايات الغولدستونية في فلسطين، منذ ان منح ذلك الوعد البلفوري المشؤوم للحركة الصهيونية من دون حقٍ وطناً ودولة ومستقبلاً، فدشن في فلسطين العربية والمنطقة برمتها عصرا جديدا من الحروب والاعتداءات والانتهاكات وجرائم الحرب المروعة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.
فكان ذلك الوعد الباطل فاتحة مسلسل الجرائم المتصلة في فلسطين، لتعقبه بالتتابع المخطط والمبيت جملة أخرى من الجرائم الشاملة التي لم تبلغ نهايتها حتى يومنا هذا ونحن في الألفية الثالثة من الزمن.
فكانت الجريمة الاكبر موجات الهجرة والتهجير والغزو البشري اليهودي لفلسطين، ثم الاستيلاء على أكبر مساحات ممكنة من الأراضي العربية.. وبناء أكبر عدد ممكن من المستعمرات الاستيطانية فيها.. لتأتي بعد ذلك كله أقذر وأبشع الجرائم الصهيونية عبر التاريخ: حرق شامل للأخضر واليابس في فلسطين، وتدمير شامل للمدن والقرى الفلسطينية (نحو 530 قرية وبلدة ومدينة)، ومجازر جماعية دموية بشعة مروعة لم ينج منها حتى الطفل الفلسطيني الرضيع، ثم ترحيل وتشريد وتلجيء جماعي للشعب الفلسطيني (نحو 800 ألف فلسطيني، ليبقى في فلسطين 48 (156 ألف فلسطيني فقط).
لتتحول فلسطين العربية إلى كيان صهيوني، وليتحول شعب فلسطين إلى لاجئين في أصقاع العرب والعالم ، بلا وطن وبلا هوية وبلا حقوق وبلا مستقبل، ولتتحول الحركة والعصابات الصهيونية إلى نظام وكيان ودولة معترف بها لها وطن وهوية وحق في الوجود والمستقبل..
ولتتواصل الجرائم الصهيونية بأشكالها المختلفة الدموية والاستيلائية الاستيطانية الاحتلالية، والانتهاكية السافرة لحقوق الفلسطينيين هناك في فلسطين 1948،على امتداد المرحلة الزمنية الأولى للمشهد الممتد من تاريخ الوعد البلفوري الكارثي وحتى حرب / عدوان حزيران / 1967، حيث تواصلت سياسات الاحتلال الحربية التنكيلية التطهيرية العنصرية لتشمل الأرض كلها والشعب كله، ولتبدأ بسلب الأرض كلها واستيطانها وتهويدها، ولتستمر بمنهجية سياسة العقوبات الجماعية الشاملة من اعتقالات ومحاكمات وهدم وإغلاق بيوت وإجراءات خنق اقتصادية، وإجراءات تهويد ثقافية وتعليمية وغير ذلك، ولتصل إلى اقتراف المجازر الدموية الجماعية والفردية.
فلا يزال المشهد الفلسطيني رغم مرور خمسة وستين عاما على النكبة وتفريخاتها وصولا الى محرقة غزة الاخيرة، مفتوحا على المزيد والمزيد من التصعيد المنهجي المبيت للإجهاز على ما تبقى من فلسطين ارضا وشعبا..!، لقد أثقلت مشاهد القتل الجماعي والتدمير البشع التي ألحقتها آلة الحرب التدميرية الإسرائيلية مجددا الذاكرة الوطنية الفلسطينية...!
فهناك -اذا- في كل بيت فلسطيني ألف قصة وقصة عن التضحيات والشهداء والجرحى والمعتقلين... وعن الاجتياحات والتجريفات وعمليات الهدم والتدمير.. وكذلك عن خيام الألم والمعاناة والصبر..!، وهناك بالتالي ألف غولدستون وأكثر..!.
ما يثبته الاسرائيلي "ميخائيل سفراد"-المستشار القانوني لمنظمة حقوق الانسان "يوجد قانون"- في يديعوت احرونوت-5 / 11 / 2009 قائلا:"تقرير غولدستون ليس الوثيقة الدولية الاولى التي تقضي بان اسرائيل خرقت القانون الدولي، سبقها في السنوات الاخيرة عشرات التقارير، القرارات، التصريحات والفتاوى في الامم المتحدة، ولجان الفحص ولجان الخبراء الدوليين، بل والمحكمة الدولية في لاهاي، ،اسرائيل تجاهلتها جميعها وقول "سيكون على ما يرام" أثبت نفسه حاليا".
هكذا كان المشهد إذا واكثـر...!
اذا- هكذا كان ولا يزال المشهد في قطاع غزة، فـ"جنرالات الاحتلال تجاوزوا في مجازرهم وجرائمهم حدود وسقوف تلك المجازر والجرائم، وأصبحوا يقترفون منها ما يمكن ان نطلق عليه ما بعد الجريمة، او"المحرقة "المفتوحة، وإن كانت هذه المحرقة مفتوحة على نحو إرهابي لم يسبق له مثيل ضد كل ابناء الشعب العربي الفلسطيني، فإنها مفتوحة على نحو أشد وأبلغ وأبعد إجرامية ضد اطفال فلسطين، اذ أصبحوا يستهدفونهم مع سبق التبييت والترصد، وأصبحوا"يغطون المجزرة بمجزرة أفظع، ويقابلون شجاعة المقاتلين، بالمزيد من إبادة الأبرياء، وبات الموت فائضاً يتجاوز قدرة من يراقبون من بعيد، على الاحتمال والتماسك، فما بالنا بمن يفيض هذا الموت في مهاجع نومهم، وفي كل موضع من رقعة وجودهم، بل إن المدمنين على الجريمة باتوا لا يعرفون متى يتوقفون/اقتباس عن الحياة الجديدة".
احتقار «إسرائيل» لقرارات الأمم المتحدة
ولكن، ورغم الكم الهائل من الغولدستونات-الجرائم والتحقيقات الدولية-، الا ان الدولة الصهيونية لم تلتزم يوما بالقرارات والمواثيق الدولية، بل إنها لم تحترم يوما الامم المتحدة، رغم ان هذه المنظمة هي التي شرعت وجود تلك الدولة، بل انهم-أي قادة اسرائيل-يعلنون صراحة عن احتقارهم للامم المتحدة وعدم انصياعهم لقراراتها، فباتت تلك الدولة خارجة على القانون الدولي.
وفي هذا الصدد والمعنى الاحتقاري للأمم المتحدة، قررت الحكومة الإسرائيلية رفض قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة بقبول فلسطين دولة مراقب غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وكررت الإعلان عن أن القدس بشطريها الغربي والشرقي "عاصمة أبدية" لإسرائيل، وقال بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إن"للشعب اليهودي حقا طبيعيا وتاريخيا وشرعيا على وطنه وعاصمته الأبدية القدس، ولدولة اسرائيل بصفتها دولة الشعب اليهودي حق ومطالب في مناطق متنازع عليها في أرض اسرائيل" في إشارة إلى الضفة الغربية"، وأضاف البيان أن حكومة إسرائيل تقرر"رفض قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 19167 من يوم 29 تشرين الثاني–2012/12/22"، واعتبر"أن القرار المذكور أعلاه (الصادر عن الجمعية العمومية) لن يغير وضعية المناطق المتنازع عليها ولن يمنح أي حق لطرف آخر ولا ينال إطلاقا من حقوق دولة اسرائيل والشعب اليهودي في أرض اسرائيل"، وليس ذلك فحسب، بل ان نتنياهو اعلن"أن حكومته ستواصل البناء بالمستوطنات في القدس الشرقية والضفة الغربية"، مؤكداً على"أن دولة فلسطينية لن تقوم من دون اعتراف الفلسطينيين بيهودية إسرائيل ونهاية الصراع".
وكتب موقع "واللا" الإلكتروني: 04/12/2012 - أنه بعد يوم واحد مما سمّاه "الهجوم السياسي الأوروبي الأمريكي على إسرائيل"، بسبب تصريح نتنياهو عن نيته بناء 3 آلاف وحدة سكنية في المنطقة "E1"، فإن مقالات هيئة التحرير في أكبر صحيفة في الولايات المتحدة قد هاجمت الأداء الإسرائيلي بشدة، وتحت عنوان "الخطأ الإستراتيجي لنتنياهو" كتبت "نيويورك تايمز"أن رئيس الحكومة يعبر عن تصميمه على تصعيد الأزمة من خلال معاقبة الفلسطينيين، بعد الاعتراف بالسلطة الفلسطينية كدولة مراقبة من قبل الأمم المتحدة، "أن مثل هذه الإجراءات الإسرائيلية تثير التساؤلات بشأن استخفاف إسرائيل من التصويت في الأمم المتحدة، وتعاملها معها على أنها "من دون معنى".
وفي السياق، وفي اهم واحدث المواقف، فإن السفير الاسرائيلي المؤقت الى الامم المتحدة ميرون روبين، هاجم المنظمة التي يخدمها وقال ان"الحياة كانت ستكون أسهل من دونها"، هذا ما يتضح من مقابلة منحها السفير لوكالة الانباء اليهودية "JTA"، موضحا:"الحياة كفيلة بان تكون أسهل بكثير لو لم تكن الامم المتحدة موجودة، ولكن هذه منظمة اضطرارية، سواء أحببنا ذلك أم لا، فعلينا أن نشارك في مداولاتنا، الامم المتحدة هي المنظمة المتعددة الجنسيات الاكثر اهمية في العالم واسرائيل لا يمكنها الا تكون عضوا فيها".
واللافت ان هذا الاستخفاف الاسرائيلي بالامم المتحدة وقراراتها ليس جديدا او عابرا او لمرة واحدة، فهناك تراث من الاحتقار الاسرائيلي للامم المتحدة رغم ان كل قراراتها تجاه"اسرائيل"مع وقف التنفيذ...
فقد كان دافيد بن غوريون اول رئيس للحكومة الاسرائيلية قد كناها- وصفها- باحتقار قائلا: "أوم شموم" (أوم - اختصار هيئة الأمم المتحدة بالعبرية، شموم - لا شيء). في حرب عام 1948"، ويوثق اوري افنيري اليساري الاسرائيلي المناهض للسياسات الاجرامية الاسرائيلية عن بن غوريون قائلا: "لقد خرق بن غوريون آنذاك من دون تردد قرارات وقف إطلاق النار التي أصدرتها هيئة الأمم المتحدة عندما كان الأمر مريحا له (لقد شاركت –اي افنيري- كجندي في عدة حملات كهذه).،لقد خرق هو ومن خلفه، طيلة عشرات السنوات، معظم القرارات المتعلقة بنا، بادعاء أن هناك أغلبية مسيطرة للكتلة السوفييتية ودول العالم الثالث ضد إسرائيل".
ويأتي المحلل الاسرائيلي المعروف ألوف بن في ظل المحرقة الاسرائيلية في غزة ليتحدث عن هذا التعاطي الاحتقاري الاسرائيلي مع الامم المتحدة وقراراتها في هآرتس"عندما اتخذ مجلس الامن خلافا لرأي إسرائيل، القرار رقم 1860، الذي دعا إلى وقف لإطلاق النار في غزة، فمن الذي أعلن أنه لن يقبل به ومضى في القتال؟ إنها بالطبع إسرائيل"، ويشرح بن الخلفيات قائلا:" لم تقرر إسرائيل بعد إذا كانت ترغب في أن تصبح عضوا طبيعيا في المجتمع الدولي، وأن تدفع ثمن هذه "الطبيعية"، أو أن تظلّ وحيدة في الخارج، بدأت هذه الحيرة منذ قيام الدولة تقريبا واستمرت منذها، هنالك ميل طبيعي لدى السياسيين الإسرائيليين بأن يروا الأمم المتحدة ومؤسساتها بأنها "صحراء"، كما كان قال دافيد بن غوريون، منظمة معادية، تسيطر فيها غالبية معارضة لإسرائيل، حيث لا ينقذنا من أيادي هؤلاء سوى الفيتو الأمريكي".
وابعد من ذلك- ففي تعقيبه على قرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة اتخذت في نهاية تشرين الثاني/2006، كان نائب المدير العام للمنظمات الدولية في وزارة الخارجية الإسرائيلية، روني لاشنو- ياعر قال: "إن هذه القرارات" نكتة"...وبرأيه: "الأمم المتحدة تعتبر أن تلك القرارات "تقليدية"، ويزيد: "لا تحمل الإدانة أي معان خاصة، فتلك قرارات متكررة تتخذ كل عدة سنوات"، ويشرح: "قد يكون هناك من تفاجأ، ولكن القرارات أصبحت تقليدا، فقد حدث السنة الماضية وقبل 20 عاما وقبل 30 عاما". ويلخص: "لا جديد تحت الشمس".
نحو طرد إسرائيل ونزع الشرعية عنها
وحسب المشهد الاممي، وارشيف القرارات الدولية المتعلقة بالشعب العربي الفلسطيني وحقوقه المغتصبة، فإن هناك اليوم نحو 845 قرارا دوليا صادرا عن الامم المتحدة ومؤسساتها ولجانها المختلفة لم تلتزم "اسرائيل" ولم تنفذ في يوم من الايام ايا منها، غير ان كل هذه القرارات الملزمة منها وغير الملزمة، اصبحت متراكمة مغبرة على رفوف المنظمة الدولية، بعد ان رفضتها الدولة الصهيونية وضربت بها عرض الحائط، او بعد ان استخدمت الولايات المتحدة "فيتو" الظلم والعربدة والطغيان ضدها.
ونقول في الاستخلاص الرئيس، حينما تتجمع مثل هذه الاعترافات والوثائق، فإنها تضاف إلى جملة اخرى طويلة من الشهادات والوثائق، ومن ضمنها اعترافات وشهادات ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي في مقابلات أجريت معهم، الذين قاموا بالكشف عن جملة من المجازر والمحارق التي نفذت ضد جنود مصريين في عام 1956 وفي عام 1967، فانه لا يبقى عمليا إلا ان تتحرك العدالة الدولية /الغائبة المغيبة حتى اليوم/ وان تتحرك محكمة الجنايات الدولية الفعالة على نحو يحقق العدالة الدولية المعتقلة لصالح الدولة الصهيونية...!، والاهم – ان يتحرك الفلسطينيون والعرب على هذه الجبهة في اطار خطة استراتيجية موحدة وجادة...!
فلذلك نقول في ضوء كل ذلك، وفي ضوء هذا الكم الهائل من القرارات الدولية والانتهاكات الاسرائيلية لها، لقد آن الاوان لان تنزع الشرعية الدولية عن تلك الدولة التي لا تعترف باي شرعية غير شرعية القوة والبلطجة والجرائم، فلتحتشد الطاقات والجهود الفلسطينية العربية اذا، وراء المطالبات المتراكمة بمعاقبة "اسرائيل" على احتقارها للقرارات والمواثيق الدولية، بطردها من المنظمة الدولية، وهذا اضعف الايمان بالنسبة لعربنا...فالامر ممكن ومساحته وادواته العربية واسعة وكثيرة، اذا ما جد الجد لدى امتنا ودولنا وانظمتنا.. والمسألة في نهاية الامر مسألة ارادة عربية سياسية سيادية.. أليس كذلك؟!! .
عن "العرب اليوم"