نمت علاقة ثنائية بين «حركة المقاومة الإسلامية – حماس» وروسيا، على مدار العامين الماضيين، تكاد ترقى لمستوى التحالفات بين كلا الجانبين. الدلائل على هذه الخصوصية في العلاقة تجلّت في تصريحاتٍ داعمة من جانب القطب الروسي للحركة وسط الحصار الدولي المفروض عليها، وزياراتٍ ثنائية مستمرة، ودفاعٍ روسيٍّ عن الحركة بوصفها حركة «وطنية» وليست «إرهابية». يرصد هذا التقرير مدى إمكانية أن تكون روسيا حليفًا بديلًا قويًا للحركة الفلسطينية بدلًا من المراهنة على المحادثات مع واشنطن التي وضعت قادتها على قوائم الإرهاب مؤخرًا، وتُحرض الدول الأوروبية على مقاطعتها.
روسيا تغازل «حماس»: باركت وثيقتها الجديدة بلقاءات مع مسئوليها
سعت روسيا لتوظيف حالة العزلة الإقليمية لحركة حماس خلال العامين الماضيين، خصوصًا بعد القطيعة الكاملة من جانب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الحركة الفلسطينية، ووضع عدد من قادتها على قوائم الإرهاب، وذلك بمد جسور التعاون مع الحركة الإسلامية التي لا تزال تتمتع بنفوذ كبير داخل قطاع غزة، وإحياء علاقاتها بسلسلة لقاءات وتصريحات تُبارك خُطوات الحركة العامين الأخيرين.
تنطلق أهمية إحياء علاقة روسيا مع الحركة الفلسطينية في استثمار هذا التحالف في إحياء النفوذ الروسي في القضية الفلسطينية وسيطًا دوليًا له وزن إقليمي، ووضع موطئ قدم لها في قضايا الشرق الأوسط من خلال استخدام صلاتها مع الحركة في فتح باب الحوار مع حركات الإسلام السياسي بعدد من الدول العربية، الذين لا يزالون يحتفظون بأوراق النفوذ داخل بلدانهم.
ويتزامن إحياء القطب الروسي لعلاقاته مع الحركة الفلسطينية لشغل الفراغ والانكفاء الأمريكي في قضايا الشرق الأوسط، وسياساتها الرامية نحو توفيق أوضاعها مع القوى الإقليمية المتصارعة، في ظل استراتيجية روسية لاستعادة الهيمنة الروسية بالشرق الأوسط.
وبدأت مُغازلة روسيا للحركة الإسلامية بإرسال تهنئة رسمية للحركة عقب انتخاب إسماعيل هنية رئيسًا للحركة، وهي الخطوة التي تلتها مُباركة الخارجية الروسية للوثيقة السياسية الجديدة للحركة، واصفة إياها بـ«الخطوة في الاتجاه الصحيح».
وتكللت هذه الاتصالات الرسمية وغير الرسمية بإعلان السفير الروسي في إيران لوان جاغاريان الشهر الماضي أنّ «حماس هي أحد الممثّلين الرئيسيين للشعب الفلسطيني، وهي حركة وطنية، وموسكو لا تعدها إرهابية».
مُغازلة القطب الروسي للحركة الإسلامية قوبلت بحفاوة كبيرة من جانب قادة الحركة الذين أطلقوا سلسلة تصريحات تدعو لتقارب مع روسيا، وتأسيس تحالف جديد، بينما توازى ذلك مع بدء المحادثات بمكالمة هاتفية من جانب إسماعيل هنية بنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، وهو الممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط، تباحثا خلالها في قضايا الشرق الأوسط والعلاقات الثنائية بين البلدين، والوثيقة السياسية للحركة.
وسعت الحركة في العام الأخير لولاية خالد مشعل لفتح قنوات اتصال مفتوحة مع الجانب الروسي، تكللت بلقاء جمع بين خالد مشعل ووزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي لافروف في قطر عام 2015، أعقبها لقاء ثنائي بين مشعل وميخائيل بوغدانوف بقطر أيضًا العام الماضي، تلاها زيارة من جانب وفد للحركة إلى روسيا بداية العام الجاري، ولقاؤها بمسؤولين بوزارة الخارجية الروسية لمناقشة الأوضاع الفلسطينية.
حسب أحمد يوسف، وهو المستشار السياسي السابق لزعيم «حماس» إسماعيل هنيّة، في تصريحات نقلها موقع «المونيتور»: «حماس ذاهبة في اتجاه تقوية علاقاتها مع روسيا لمواجهة الضغوط التي قد تأتيها في المرحلة المقبلة من قوى دوليّة وإقليميّة كالولايات المتّحدة الأمريكيّة وإسرائيل»، بينما ذكرت وثيقة غير منشورة للحركة نشرتها «المونيتور» أن «استمرار اتصالات حماس مع روسيا يعني أنّ الحركة تجاوزت مرحلة الطوق الذي يُراد فرضه حولها بتواطؤ أمريكيّ».
وتجلى الدعم الروسي الأكبر للحركة الفلسطينية في عدم التجاوب مع الضغوط الأمريكية والإسرائيلية بوضع الحركة ضمن قائمة الحركات الإرهابية، وبث القطب الروسي أكثر من رسالة عبر سفرائها بدول الخارج يطالبون بعدم تصنيفها بالإرهابية، وتوصيفها بأنها «حركة وطنيّة لا تمارس إرهابًا على الأرض».
وظهر الانعكاس الواضح عن هذا التقارب في دخول روسيا وسيطًا في القضية الفلسطينية بقبول من جانب الحركة، ومساعيها المستمرة لإنهاء الأزمة الفلسطينية خصوصًا بعد التقارب الأخير بينها وبين حماس.
كيف دفعت العزلة الأمريكية حماس إلى القطب الروسي؟
سعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفرض عزلة سياسية على الحركة الفلسطينية، وتحجيم أدوارها في تسوية القضية الفلسطينية، خلافًا لما كانت عليه سياسات رؤساء أمريكا السابقين تجاه الحركة، فضلًا عن تحريض بعض الحكومات الغربية لمقاطعة الحركة سياسيًا، وعزلها عن القضية الفلسطينية، ومنع دخول قادتها بلدانها.
العزلة التي تعيشها الحركة لا تقتصر فقط على التوتر الملحوظ من الجانب الأمريكي، ولكنها تمتد مع عدد من العواصم العربية كالقاهرة وإيران وسوريا والأردن. وتجلى التشدد من جانب إدارة ترامب حيال الحركة الفلسطينية في وضع عدد من أبرز قادة حماس على القوائم الإرهابية، كقائد اللواء الشمالي في كتائب القسام – الجناح العسكريّ لـ«حماس» أحمد الغندور في القائمة الإرهابيّة، واستمرار إطلاق التصريحات التي تتهم الحركة بمُمارسة أقصى درجات العنف.
ويُعد الغندور خامس قيادي للحركة تُدرجه واشنطن على القائمة الأمريكية للإرهاب، إذ سبقه محمد الضيف، الرجل الأول في كتائب القسام في سبتمبر (أيلول) من عام 2015، ويحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي للحركة في غزة، وعضوا مكتبها السياسي روحي مشتهى وفتحي حماد في عام 2016.
دفعت هذه العزلة الإقليمية التي تعيشها الحركة، وحالة الحصار المفروضة من جانب إدارة ترامب الجديدة تجاهها، إلى استثمار علاقاتها مع الجانب الروسي في مدّ جسور التحالف مع القطب الروسي، على أمل أن يكون هذا التحالف أحد الحلول لكسر حالة العزلة الإقليمية المفروضة تجاهها، ودمجها في القضايا الإقليمية الكبرى من الجانب الروسي الذي يجد في المقابل تقوية علاقاته مع الحركة هي أحد الأبواب للهيمنة على الشرق الأوسط، واستعادة نفوذه التاريخي المفقود خصوصًا فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
القضايا المؤجلة في تحالف روسيا – حماس: الأزمة السورية والقضية الفلسطينية
دخول حركة حماس في تحالف مع الجانب الروسي ليس أمرًا هينًا بالنسبة للحركة التي اعتادت تنويع تحالفاتها، ومناورة خصومها، وأخذ مواقف تلائم مرجعيتها، التي لطالما أكدت أن مرجعيتها الإسلامية هي مصدر شرعيتها.
فالحركة الإسلامية التي أخذت موقفًا مناوئًا لنظام بشار الأسد، الذي كان يدعمها ماليًا، ويحتضن مكتبها الرئيسي بالعاصمة السورية، في بدايات الثورة السورية، سيسعى القطب الروسي الذي يدعم النظام السوري بشكل واضح، ويدافع عن بشار الأسد ونظامه بقواتٍ روسية على الأراضي السورية، لحلحلة موقفها حيال الأزمة السورية، وأخذ موقف داعم للنظام السوري.
مساعي روسيا لحلحلة مواقف الحركة الفلسطينية حيال النزاع السوري، ستشمل كذلك محاولة استخدام الحركة لترويض التيارات الإسلامية التي تتمتع بنفوذ داخلها في أخذ نفس الموقف، وهي المسألة التي ستكون اختبارًا كاشفًا وحاسمًا عن قدرة هذا التحالف على الصمود.
«لم تكن هذه المرة الأولى التي يغدرون فيها بنا. حصل ذلك قبلًا في 2007 و2009» كان هذا التصريح الذي نطق به بشار الأسد في إحدى مقابلاته الصحفية كاشفًا عن حالة الشقاق بين الحركة والنظام السوري، الذي أوضح كذلك: «لو يستطيع أحد ما إقناعهم بأن يعودوا حركة مقاومة مجددًا، لكنني أشك».
وتُشكل القضية الفلسطينية كذلك اختبارًا حقيقيًا لمتانة هذا التحالف، فروسيا التي تسعى لإحياء دورها في الأزمة الفلسطينية عبر فتح قنوات اتصال مع كافة أطراف الصراع، لن تقبل بأدبيات الحركة الفكرية في التعامل مع إسرائيل عدوًا «ينبغي الجهاد ضده»، وستعمل على إعادة صياغة بعض مطالب الحركة للتسوية، وهي المسألة التي قد تجعل الحركة – إذا وافقت عليها – تخسر شعبيتها وسط جموع الإسلاميين، وأنصارها من كافة دول العالم العربي.
ويبدو أن الوثيقة الجديدة التي أصدرتها الحركة منذ شهور أحد تجليات هذا التحالف، أو التمهيدات له، خصوصًا في قبول الحركة بحدود 1967، وهي المسألة التي وجدت قبولًا من الجانب الروسي بالطبع.