"مصر بوابة أفريقيا وقلب الوطن العربى".. طالما ما سجلت تلك الكلمات شعارا للدور الريادى والحيوى للدولة المصرية فى القارة السمراء، فلم تكتف مصر بدورها الرئيسى والريادى فى حركات التحرر لدول أفريقيا من الاستعمار الأجنبى، بل أنها دأبت على التواصل السياسى والثقافى والتجارى أيضا لإنماء تلك الدول، ومساعدتها فى النهوض بعد الخروج من عباءة الاستعمار.
وبعد أن نهضت تلك الدول، ابتعدت مصر قليلا، تارة لظروف سياسية، وتارة أخرى لشئون إقليمية عن التواصل مع دول القارة السمراء، عادت اليوم مصر لأحضان الأم الجغرافية "أفريقيا".
حيث اتسعت تحركات مصر فى داخل أفريقيا وسطاً وغرباً وجنوباً وشرقا، كما باتت العلاقات المصرية-الأفريقية لا تتوقف فقط عند ملف الأمن المائى وبعثات الأزهر الشريف، بل اتخذت منحى أعمق مؤخرا بعد تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مقاليد الحكم، سعياً لرجوع مصر لمكانتها الطبيعية والتاريخية وسط دول القارة.
وتميزت توجهات مصر الأفريقية مؤخرا بأنها أكثر شمولية من سابقتها، حيث ضمت توطيد العلاقات الاقتصادية، والأمنية، والثقافية والتجارية، وهو ما تكلل بزيارات الرئيس السيسي الأخيرة لأربع دول بالقارة هى: تنزاينا ورواندا، شرقاً، والتشاد، بوسط القارة، والجابون بغرب وسط.
وتتزامن تلك الزيارات مع إرسال المساعدات الإنسانية إلى جنوب السودان "جوبا"، علاوة على لقاء السفيرة مشيرة خطاب، مرشحة مصر والقارة الإفريقية لمنصب المدير العام لليونسكو، بسفير الاتحاد الأفريقى فى جنيف، التى لم تكن فقط لكسب أصوات لمرشحة مصر باليونسكو، بل تعزيزا للعلاقات الودية على مستوى الشخصيات السياسية كما عهدت مصر فى عصر عبد الناصر.
وعلى خطى عبد الناصر، وذكراه، زار الرئيس تنزانيا لأهميتها التاريخية ودورها مع مصر فى تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية فى فترة الزعيمين عبد الناصر، ونيريرى.
ومن الناحية الاقتصادية؛ تعد زيارة الرئيس السيسى خطوة مهمة واستكمالية لمصر نحو فتح سوق واسعة وعالية التنافسية للإنتاج المصرى مستغلة بذلك وجودها فى أهم التكتلات الاقتصادية فى مختلف أرجاء القارة، مثل الكوميسا، الساداك، وتكتل شرق أفريقيا.
وكانت استضافت مصر قمة التكتلات الاقتصادية الأفريقية فى يونيو 2015 بمدينة شرم الشيخ، والتى أعلنوا فيها عن تدشين منطقة تجارة حرة بين 26 دولة أفريقية من التكتلات الثلاث، وإعفاء التعريفة الجمركية بين تلك الدول، كخطوة تمهيدية وثابتة تجاه تعزيز التبادل التجارى والنفاذ إلى الأسواق الأفريقية، والتى بالطبع سيكون لمصر نصيب الأسد فيها، ولهذا دعا عمرو موسى المستثمرين الصغار منهم والكبار إلى الاستثمار فى السوق الإفريقية، بملتقى جمعية رجال أعمال الإسكندرية الأسبوع الماضى، حيث ان الصادرات المصرية لا تتعدى الـ 17% للسوق الإفريقية على الرغم من وجود سوق مفتوحة وواسعة ومليئة بالفرص، ومكونة من 660 مليون نسمة.
كما يسهم الطريق البرى القاهرة – كيب تاون فى زيادة الصادرات المصرية، وهو ما يتوافق مع المساعى المصرية لزيادة الإنتاج والصادرات وتهيئة الأجواء للحث على إقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر وخلق الفرص للاستثمار المحلى، وفتح الأسواق الأفريقية يتيح أمامنا فرص واسعة لتحقيق ذلك.
وكانت زيارة الجابون، وتحديدا إبرام اتفاقية لإنشاء مصنع خشب مصرى بها، دلالة واضحة على أولويات مصر الاستثمارية، والإنتاجية، ورغبتها على التواجد فى الجابون كمستثمر، ومصدر وطرف فى التعاون التجارى والثقافى، موفرة بذلك فرض تدريبية للعمالة الأفريقية.
ولم تكن مصر بمعزل عن آلالام إفريقيا وجروحها المفتوحة، وجائت زيارة الرئيس لمتحف الإبادة الجماعية برواندا خير دليل على تضامن مصر مع ماضى أفريقيا وحاضرها ومستقبلها.
التحديات واحدة والمستقبل واحد، فاليوم تشهد أفريقيا ملحمة التقارب بينها وبين مصر، حتى أصبحت "يد واحدة" لمواجهة ملفات الأمن المائى، الأمن القومى، مواجهة الإرهاب، الذى سيكون للأزهر الشريف دوراً كبيراً فيه، خاصة فى الدول الإفريقية التى بها بعثات كبيرة للأزهر الشريف، والجابون والتشاد منهم، فمصر بحاجة لإفريقيا، وأفريقيا بحاجة لمصر مستقبلاً وحاضراً.