2024-11-27 10:38 م

"خلية الأزمة" بين القيادتين الاردنية والفلسطينية.. لماذا الآن؟!

2017-08-08
القدس/المنـار/ أسفرت زيارة العاهل الاردني عبدالله الثاني الى رام الله عن تشكيل "خلية أزمة" لمتابعة القضايا ذات الاهتمام المشترك، ويبدو أن هذه الخطوة هي استشراف لما هو قادم وتحمله الأيام، في ظل أوضاع يعيشها الجانبان الفلسطيني والاردني، فهناك من التحديات ما يضطرهما الى اتخاذ هذه الخطوة، لمواجهة آثار هذه التحديات مواقف مشتركة واجراءات مواجهة يتفق بشأنها.
ويتضح من خطوة خلية الأزمة، وسرية اللقاء المتفرد بين الزعيمين وسريته أنهما يتوقعان مواقف مواقف عدائية من جهات محددة، في مقدمتها اسرائيل وقوى في الاقليم، اتجاه قضايا تهم الاردن وفلسطين وتمس ساحتيهما مباشرة، تتطلب تنسيقا جادا ومواقف متطابقة، لدرء الأخطار والارتدادات وما يدفع اتجاه هاتين الساحتين من نيران امكانية واحتمالات اشتعالها واردة تماما.
ولقاء عباس وعبدالله في رام الله، في هذه الظروف والتطورات المتلاحقة، وما تعيشه ساحتيهما من اوضاع، لها انعكاسات متبادلة بدد الغيوم التي أظلت العلاقات بين الجانبين، بعد أن أدرك كل منهما ضرورة التشاور والتنسيق والاتفاق، وعدم الثقة بتحالفات تتشكل وتنفرط وجميعها تتعمد وضع الاسافين بينهما، وابعادهما عن التلاقي في دائرة واحدة، وهنا، نكوص أحدهما لاغراء أو تهديد، أو وعود وحوافز، أو الوقوع في مصيدة شراء الذمم، ولعبة النكاية يلحق الأخطار والضرر بالجانبين.
وقبل الخوض في الظروف التي سبقت واحاطت بهذا اللقاء، يشار الى أن الأوضاع في الاردن والاراضي الفلسطينية ليست على ما يرام، وتتعرضان الى افرازات أحداث وقعت مرشحة للتصعيد، دون التقليل من خطورة الانقسام البشع في الساحة الفلسطينية، والتشتت في المواقف بين القوى السياسية، وتعميق العادة السيئة المتمثلة في كثرة "الناطقين" وعشوائية تصريحاتهم الممجوجة التي تزيد النار اشتعالا.
أما الظروف التي أحاطت باللقاء وفرضته، فتتمثل فيما يلي:
ــ أولا: التعاطي السيء في العلاقات الذي بات نهجاً لرئيس الوزراء الاسرائيلي اتجاه الاردن، واصراره على احراج القيادة الاردنية، بكل غرور وصلف، كما جرى في حادثة السفارة الاسرائيلية في عمان، وهذا من شأنه التأثير على الشارع الأردني، ويمس بالساحة الاردنية، التي تنتظر عود ثقاب.
ــ ثانيا: تجاهل دول في المنطقة كالسعودية لدور الاردن المركزي اتجاه القضية الفلسطينية، والقدس والمقدسات بشكل خاص ومحاولتها سلب هذا الدور والقفز من فوقه، بغية ولوج أبواب التطبيع مع تل ابيب، ممتطية حلا مشوها للقضية الفلسطينية، تمريره لا يمس الساحة الفلسطينية وحدها، وانما الساحة الاردنية أيضا، ومفاعيل ذلك خطورتها قاتلة.
ــ ثالثا: المحاور التي تشكلت مؤخرا في الاقليم، وضعت على "هامش" التحركات والتطلعات والمصالح، مما يهدد مركزية رقمها في معادلة المنطقة، وهكذا الأمر بالنسبة للقيادة الفلسطينية.
ــ رابعا: الاردن يتعرض لضغوط من السعودية، لتحويل ساحته الى منطلق وميدان لتنفيذ خططها ضد الساحات العربية، وترفض الرياض أي تحفظ أردني اتجاه التوجه السعودي ، رابطة ذلك، بالدعم الاقتصادي.
ــ خامسا: اتضح للاردن في معركة الاقصى، تجاهل اسرائيل لـ "الستاتيكو" الخاص بالأماكن المقدسة، وتعاطيها مع جهات معنية بشطب الدور الاردني، وكذلك الامر بالنسبة للدور الفلسطيني الرسمي.
ــ سادسا: تخشى الاردن من تحركات خليجية لفرض تسوية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي، ليست بعيدة عن المشروع الاسرائيلي بحل الصراع على حساب الاردن.
والساحة الفلسطينية، أوضاعا وأحداثا لا تختلف كثيرا عن الساحة الاردنية، من حيث الاستهداف وشطب الأدوار، ويمكن تلخيص الظروف التي تمر بها، على النحو الآتي:
ــ أولا: القيادة الاسرائيلية مستمرة في احراج القيادة الفلسطينية، وشن تسريبات تشويه ضدها، ووصلت في تعنتها حدا لا تعترف بوجود شريك فلسطيني للحديث معه في محاولة للتملص من التزاماتها اتجاه عملية السلام ومواصلة برامج التهويد والاستيطان.
ــ ثانيا: فشل الجهود الدولية، وعدم رغبة واشنطن بشكل خاص، في دفع اسرائيل الى المسار الحقيقي لعملية السلام، مما منحها مواصلة تنفيذ خططها وبرامجها.
ــ ثالثا: هناك قوى عربية ودولية، تتجه الى صياغة حلول للصراع بعيدا عن الفلسطينيين، ومن خلف قيادتهم.
ــ رابعا: لم تتوقف اسرائيل عن اشعال احداث للمس بالساحة الفلسطينية والدفع باتجاه أعمال عنف صعبة، تخشى الأردن أيضا عوافبها وتداعياتها، كما هو حاصل ضد القدس والمقدسات، 
ــ خامسا: وهو المؤلم والأخطر، حيث تتواصل تداعيات الانقسام الخطيرة في الساحة الفلسطينية، انقسام مضى عليه عشرة اعوام، دون أن يتفق الطرفان المتصارعان على آلية لتحقيق المصالحة مما يفقد الجانب الفلسطيني أوراقا عديدة، وتأثيرات ضاغطة لحماية المشروع الوطني، وتفتح الأبواب مشرعة لتدخلات شائنة في أمور الساحة الفلسطينية، ويعطي اسرائيل وادواتها فرصة الحديث عن عدم وجود شريك فلسطيني يمكن الحديث معه.
ــ سادسا: لم تعد القضية الفلسطينية، والصراع الفلسطيني الاسرائيلي يشغل اهتمامات قوى التأثير، وبالتالي، الجمود في العملية السلمية سيتواصل، ويعني أن الساحة الفلسطينية مفتوحة على المجهول، وهذا أيضا ما تخشاه الأردن.
ــ سابعا: يخشى الجانبان مواجهات حول الأقصى أشد من سابقاتها، فالمخططات الاسرائيلية لن تتوقف، وحرائق المواجهات ستمتد الى الاردن.
هذه الظروف، وما تحمل في ثناياها من مخاوف والخشية من أحداث صعبة قادمة، فرضت على الجانبين الفلسطيني والاردني يشكل "خلية أزمة" تأخذ على عاتقها دراسة كل ما يستجد، لصياغة المواقف المشتركة، وتحديد طرق وأساليب المواجهة، والانطلاق في تحرك باتجاه الساحة والمحافل الدولية، لتفادي وقوع المحظور، وارساال رسالة الى جهات في المنطقة، بأن الاردن وفلسطين مسار واحد وموقف مشترك، وأراء متطابقة، وأنه من الصعب تجاوز هذه الحقيقة، ولأن المخاوف رهيبة والتطورات متسارعة، والهمجة مسعورة، كان لا بد من اقامة خلية الأزمة، وهذه في حد ذاتها تطور ايجابي في العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية.
* ملاحظة: وفي ذات السياق، فان الملك الاردني لم يطرح وساطة لانهاء الانقسام في الساحة الفلسطينية فالمحاذير اتجاه هذا الشأن كثيرة، واحتمالات الفشلواردة، والأيادي المحركة التي تعيث في هذا الملف عديدة، والوسطاء غالبيتهم لم يعلنوا بعد عدم قدرتهم وعجزهم، ومنهم من يرى في هذا الملف ورقة تستجيب لمصالحهم التي تتطلب عدم انجاز المصالحة.
لكن، الحال الفلسطيني لم يكن غائبا عن لقاء عبدالله ــ عباس، فالتساؤلات بشأنه كثيرة وملحة، من حيث لعبة البدائل، والتنصيب والخلافة، وخطوات الرد على الانقسام المستعصي على الحل، وبالتأكيد طرح العاهل الاردني ذلك، وسماع الردود من الرئيس عباس شخصيا في لقاء لم يضم أحدا غيرهما أحيط بسرية وكتمان.
وهناك حقيقة يدركها الزعيمان جيدا، وان حاولا اخفاءها، وهي عجزهما عن التأثير على اسرائيل لوقف انتهاكاتها في القدس والمقدسات، ومحاولة جهات أخرى تجيير انتصارات أهل القدس لها، هذه النقطة بحثت جيدا في لقاء رام الله .