ثابت العمور
للقدس حضورها المتفرد في فكر وممارسة الحركة الوطنية الفلسطينية عموما وحركة الجهاد الإسلامي على وجه الخصوص، وخصوصية التركيز على حركة الجهاد له عدة اعتبارات أولها: خصوصية النشأة والظروف والبيئتين الفلسطينية والعربية التي انطلقت فيهما حركة الجهاد الإسلامي، وثانيا: الطرح السياسي والخطاب الإعلامي الذي قدمته حركة الجهاد الإسلامي، وثالثها الموقع والموضع وهما ميزتان حرصت حركة الجهاد الإسلامي على الحفاظ عليهما؛ فأما الموقع فحركة الجهاد الإسلامي وحدوية ليس طرفا في الانقسام الفلسطيني لم تنحز فلسطينيا أو عربيا لطرف مقابل طرف ولم تكن يوما في كفة مقابل الأخرى.
منذ نشأتها مثلت الجهاد الإسلامي كفة لوحدها، ولم يمنعها ذلك من استحضار الخطاب الوطني الوحدوي بل والخطاب القومي أيضا ومزجت ما بين الوطني والإسلامي دون اصطدام أو تعارض أحدهما بالآخر، وأوجدت مساحة متاحة ما بين البعدين الفلسطيني والعربي فلم تستحضر الأول ولم تغيب الآخر، لم تختصر القضية بقطرية ضيقة ولم تطالب بأممية فضفاضة عامة، بل قالت فلسطين القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية، وأما الموضع فحركة الجهاد ليست طرفا في أي هيكل سياسي فلسطيني رسمي واقصد الحكومة وما يترتب على التموضع فيها من التزامات ، وبالتالي لا تخضع حساباتها لحسابات الحكومات ولها في ذلك دفوع فكرية وسياسية كثيرة لا يتسع المجال لذكرها فلست بصدد مناقشة الفكر السياسي لحركة الجهاد الإسلامي هنا. بقدر ما استهدف التقاط القدس في خطاب الجهاد الإسلامي وإجراء قراءة لهذا الحضور والالتقاط لمعرفة مستقبل انتفاضة القدس وفق رؤية حركة الجهاد الإسلامي.
في خطاب الشقاقي
أول القراءات التي يمكن التقطاها في خطاب حركة الجهاد الإسلامي ، هي وصف الدكتور الشهيد فتحي الشقاقي رحمه الله للقدس، وتسميتها بـ (كاشفة العورات) ، ولست بصدد الإتيان على كل ما ورد في مقال الشقاقي ولكن سألتقط ما يجيب عن السؤال المركزي مستقبل انتفاضة القدس وفق رؤية حركة الجهاد الإسلامي وخطابها السياسي، يقول الشقاقي ) منذ سنوات طويلة كان واضحا أمام متابعي ومراقبي التسوية السياسية في المنطقة، أن العقدة الجوهرية أمام عملية التسوية تكمن في وضع القدس، فعلى الرغم من النسبي الذي يسود العالم إلا أنه في القدس يتواجه مطلقان، مطلقان متصارعان: المطلق الإسلامي والمطلق اليهودي. والمطلق العربي الفلسطيني والمطلق الصهيوني.
في القدس حسمت كمدينة مسلمة مقدسة - بأمر وتوجيه إلهي- يوم كان محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه لا يتجاوزون بضع عشرات مهددين بالموت في شعاب مكة والقدس في الفكر التوراتي مكان لراحة اليهودي الأبدية، حتى جسد اليهودي الذي يموت في أٌقصى الأرض عليه أن يزحف تحت البحار والمحيطات والأرضين إلى أن يصل بيت المقدس. أورشليم- لتستقر روحه كما تتحدث أساطيرهم، إن التخلي عن القدس في الفكر اليهودي التوراتي ضرب من ضروب الكفر، أما عند المسلمين فهذا الأمر- التخلي عن القدس- هو الكفر بعينه، إذ هنا أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، هنا مستقر راحلة محمد صلى الله عليه وسلم في الأرض وهنا صلى بالأنبياء تأكيدا لعالمية الرسالة وقيمومة وشهادة المسلمين على البشرية، وفي ليلة القدس كان الوحي بالصلاة كما الوحي بالبشرى والوعد. هنا المطلق الذي لا يعرف القسمة، هنا القدس أو الكفر).
القدس إذن وفق هذه الرؤية – رؤية الجهاد الإسلامي- وهذا الخطاب ليست عاصمة أبدية للدولة الفلسطينية مطلقا، وليست مجرد مدينة شرقية أو غربية، وليست جزءاً من حدود العام 67، وليست محل تفاوض في مراحل متقدمة أو متأخرة، القدس وفق هذه الرؤية جزء من العقيدة من الإيمان ، القدس هي المطلق في زمن النسبيات والحسابات والانفراجات والتسويات والسياسات، القدس في رؤية الجهاد الإسلامي محسوم وضعها بأمر رباني إلهي، والتخلي عن القدس هو الكفر بعينه، لا يوجد طريق أو خيار ثالث فإما القدس وإما الكفر، أن حرص الشقاقي على الإتيان بالقدس في الفكر اليهودي التوراتي وأساطيره ثم التعرض للقدس في البعد الإسلامي يعني إن الصراع ممتد وان كل الاتفاقيات والتسويات لا يمكنها وقف الجهاد في القدس وان المعركة والانتفاضة والاشتباك وفق هذه الرؤية مستمرة باستمرار الحياة وأن الأمر مطلق وليس نسبياً. قد تتراجع الإحداثيات قد يحدث هدوء قد تتوقف العمليات الفردية، قد ترفع البوابات قد تتسع دائرة الاشتباك الى حرب ، قد تتقدم قضية ما أخرى وتصبح شغلنا الشاغل، لكن هذا لا يعني سقوط القدس من الحسابات ولا يعني وفق رؤية حركة الجهاد الإسلامي انتهاء الصراع والمواجهة، وان السيف قد يهزم الدم.
في خطاب الأمين العام
أما القراءة الثانية التي يمكن إجراءها في خطاب حركة الجهاد الإسلامي فيمكن التقاطها في أي كلمة للأمين العام الدكتور رمضان عبد الله ، إذا أردت القدس في خطاب الجهاد الإسلامي بإمكانك التقاط أية كلمة أية بيان أية مقابلة وستجد القدس حاضرة ثابتة ، وقد التقطت كلمة الأمين العام في الذكرى الـ 29 لانطلاقة حركة الجهاد واخترت هذه الكلمة كونها لم تقال مؤخرا ولم تكن بمناسبة انتفاضة القدس الحاصلة الآن، وواحدة من أهم القراءات التي يمكن قراءتها في الخطاب القول : (إن فلسطين هي قضية مبدأ وقضية عقيدة قبل أي شيء، ولن يكتب لهذه الأمة نصر ولا عزة ولا كرامة ولا حياة إذا فرطت بقلبها فلسطين والقدس. إن (فلسطين بالنسبة لنا في حركة الجهاد قضية مبدأ وعقيدة قبل أي شيء والإنسان المؤمن الحر لا يساوم على عقيدته).
والسؤال هل تنتهي الانتفاضة وما هو مستقبل انتفاضة القدس وفق هذه الرؤية والجواب وفق خطاب الأمين العام كالتالي : (لا يحلم أحد بأن ينتهي الصراع وأن تنعم المنطقة بالسلام والأمن ما لم يرجع الحق إلى أهله وتعود فلسطين»، إن المقاوم الحر لا يساوم على عقيدته ووطنه، وإننا باقون على هذه الأرض وكيانكم إلى زوال وباقون على عهد الجهاد والمقاومة حتى النصر والتحرير... لست بحاجة لإعادة التأكيد هنا على ما قلته سابقاً بأن إسرائيل هذه التي تظنون أنها يمكن أن توفر الحماية لبعض الأنظمة، هي غير قادرة على حماية نفسها من سكين المطبخ الفلسطيني بيد شباب وشابات انتفاضة القدس المباركة).
أما القراءة الثالثة فقد وردت في كلمة نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الحاج زياد النخالة عبر صوت إذاعة القدس، يوم السبت الماضي، وقد جاءت القدس بشكل مباشر لتؤسس لمرحلة جديدة من مراحل النضال الفلسطيني وتحمل واحدة من أهم دلالات التكتيك المتوقع والمتوائم مع أداوت الانتفاضة في هذه المرحلة وهو العمليات الفردية التي باتت التكتيك المقلق والمرعب للكيان الصهيوني، ورغم أن تكتيك العمليات الفردية لم يأتِ بشكل مباشر ألا أنه هذا هو الجزء الأصيل المسكوت عنه من في النص فحينما يقول: ( أن القدس هي كلمة السر لانطلاق مرحلة جديدة في مواجهة إسرائيل)، إن ابرز معالم المرحلة الجديدة في تقديرنا هو العمليات الفردية. وتكتيك العمليات الفردية واحد من أهم الأدوات التي استعملتها حركة الجهاد الإسلامي قبيل اندلاع الانتفاضة الأولى العام 1987.
تجري حركة الجهاد الإسلامي في خطابها المتعلق بالقدس وبالقضية الفلسطينية عملية ربط بالصراع ما بين الحق والباطل، وهو صراع مستمر ومتواصل، وهو ما ورد في كلمة الحاج النخالة الذي اعتبر أن ما يجري في القدس هو معركة بين الحق والباطل الذي تمثله شرذمة من البشر باسم دولة إسرائيل، التي تدنس المقدس في حياة الناس.
إن مستقبل انتفاضة القدس مرتبط بالصراع وهو وفق رؤية حركة الجهاد صراع بين الحق والباطل، وهو مستقبل مرتبط بفلسطين كقضية مركزية للأمة العربية والإسلامية، وان فلسطين بقدسها وأقصاها لا تواجه الباطل الصهيوني فقط بل تخرج الجميع من ضيق المعارك الجانبية إلى سعة الوحدة والتآخي.
(إن الله اختار المقدسيين لإساءة وجوه بني إسرائيل، و أن شرف الدفاع عن الأقصى من يحرم منه فقد حرم خيرا كثيرا.إن المعركة ليست على مساحة ارض أو على اقتصاد وتجارة وإنما على أقدس ما يمس عقيدة الأمة ودينها وانتماءها).
إن القدس وانتفاضتها ليست خطابا أو رؤية أو قراءة في فكر حركة الجهاد الإسلامي فقط، إن القدس حاضرة في كل ثنايا وتفاصيل الجهاد الإسلامي ، وإنه ليست مصادفة أن يسمى الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي بسرايا القدس.