سركيس ابو زيد
تتسارع التطورات في سوريا والمشھد يتغيّر. التدخل الأميركي، يركز على منطقة الحدود السورية مع كل من العراق والأردن وفلسطين المحتلة. تحولت الأنظار من شمال سوريا والعمليات التركية المتوقفة عند "منبج" الى جنوب سوريا والعمليات المشتركة المتوقعة تحت ما يُسمى بعملية "الأسد المتأهب 2017".
وھي أحداث وتطورات تزامنت مع الحديث عن المنطقة الآمنة في الجنوب السوري المقرَّرة بين مثلث الأراضي السورية - الأردنية مع الجولان المحتل ومثلث الحدود السورية - الأردنية – العراقية. في وقت يتحرك الجيش السوري لتوسيع سيطرته على مناطق البادية السورية بھدف الوصول الى الحدود العراقية وفتح المعابر التي تربط البلدين.
وتشهد مؤخراً منطقة الجنوب الشرقي السوري تطورات ميدانية غير اعتيادية. فمن جھة ھناك حشود عسكرية "متعددة الجنسيات" في الأردن على الحدود مع سوريا بإدارة وإشراف من الولايات المتحدة، ومن جھة ثانية تنفذ الطائرات السورية عمليات قصف لمواقع مقاتلي المعارضة عند الحدود الأردنية . إلا أن التطور الأبرز، ھو المعلومات عن قيام أكثر من وفد من المستشارين الأميركيين والبريطانيين، بجولات داخل الأراضي السورية، أولاھا في محيط مدينة درعا، وكذلك زاروا مدينة بصرى الشام جنوب غرب السويداء (شرق درعا).
ھذه التطورات تجري وسط ظروف وعوامل متشابكة:
1ـ المناورة العسكرية الكبيرة التي تنفذ في منطقة أردنية محاذية للحدود مع سوريا تحت اسم "الأسد المتأھب 2017".
2ـ اتفاق أستانة بشأن مناطق تخفيف التوتر، وتشمل جنوب سوريا، وھذا الاتفاق بدأت مفاعيله تتبلور على الأرض.
3ـ قدوم الرئيس الأميركي الى المنطقة من بوابتي "إسرائيل" والسعودية وتحت لافتة "تحالف إقليمي" من أجل تغطية اتفاق فلسطيني- إسرائيلي محتمل، ومن أجل مواجھة واحتواء النفوذ الإيراني في المنطقة.
4ـ انطلاق مفاوضات أميركية - روسية بين وزيري خارجية البلدين، وھذه المحادثات ھي تكملة لمحادثات بدأھا وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في موسكو، وتتصدرھا الأزمة السورية.
فسيرغي لافروف وزير خارجية روسيا ھو أرفع مسؤول روسي يزور واشنطن منذ وصول الرئيس ترامب الى البيت الأبيض. وكان لافتاً أن ترامب استقبل لافروف بحفاوة في المكتب البيضاوي المخصص لاستقبال رؤساء الدول، وأشاد لافروف بإدارة ترامب المختلفة عن إدارة أوباما، الإدارة الحالية براغماتية والحوار معھا خالٍ من الإيديولوجيات، ورجال ترامب "رجال أفعال".
محللون وخبراء أميركيون يرون أن صانعي القرار الأميركي يتقنون لغة الجغرافيا - السياسية، ويريدون حواراً استراتيجياً مع روسيا، وھم ينظرون إلى تحديد مستقبل العلاقة الأميركية - الروسية من منظور التفوق العسكري الأميركي القاطع في المعادلة العسكرية بين الدولتين.
بكلام آخر، رھانھم ھو أن روسيا لن تجرؤ على مواجھة الولايات المتحدة عسكرياً، وھم جاھزون لإبلاغ العزم العسكري تكرارا، لكن ما يريدونه ھو الحوار الاستراتيجي والتفاھمات ضمن فن صنع الصفقة.
وعناوين إدارة ترامب في المباحثات مع الكرملين ھي: فرض الحدود على النفوذ الإيراني في سوريا، إلحاق الھزيمة بتنظيم "داعش"، وعدم إلحاق أي أذى بالمصالح الإسرائيلية.
وضمن هذا الإطار تأتي "وثيقة حوران" التي نشرتها مؤخراً العديد من وسائل الإعلام، والتي تحدثت عن إقامة إقليم أو منطقة حكم ذاتي، تضم درعا والسويداء والقنيطرة في جنوب سوريا، أو ما أطلق عليه "إقليم حوران الجنوبي"، حيث تؤسس الوثيقة لوضع مشروع إدارة محلية لا مركزية في محافظة درعا بجنوب سوريا، عبر التسويق بأنها بداية لتطبيق نظام الفيدرالية في سوريا، وتعزز النزعة الانفصالية، كونها تجاوزت حدود الإدارة المحلية واقترابها من نظام الحكم الذاتي، وتضع الوثيقة أسساً وقواعد لتنظيم الجانب الإداري والخدمي والقضائي والقانوني والإعلامي والتعليمي والثقافي والديني في المحافظة، وتتضمن مبادئ وتفصيلات قانونية تتعلق بالملكية والأحوال الشخصية والحريات العامة.
مصادر سياسية مطلعة على الوثيقة قالت: "إنها أقرب في لهجتها إلى دستور جديد لإقليم من المقرر إقامته أو دولة"، حيث توصِّف الوثيقة السلطات الثلاث "التشريعية والتنفيذية والقضائية"، إلى جانب تناول قضية الحدود الإدارية والملكية العامة والخاصة والحقوق وغيرها، التي تعتبر من بنود الدساتير للدول، كما تبرز في الوثيقة طريقة جديدة للتلاعب بالألفاظ، حيث تم استبدال الوثيقة مكان الدستور، ومجلس الممثلين بدل المجلس النيابي، والهيئات مكان السلطات الثلاث، وتناولت "منطقة حوران" كإقليم جغرافي، وأهالي حوران كشعب، وتقول الوثيقة إن حوران هي إحدى محافظات الجمهورية العربية السورية".
"مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة"، وهو مركز أبحاث إسرائيلي مقرب من دوائر صنع القرار في كيان الاحتلال، اعتبر أن "وثيقة حوران" التي وقعت عليها شخصيات سورية معارضة مقيمة في تركيا، والتي تدعو للإعلان عن جنوب سوريا كإقليم مستقل، ضمن ما يُسمَّى الاتحاد "الفيدرالي السوري المستقبلي"، تطور يصب في مصلحة "إسرائيل".
وأشار المركز الى أن إقامة إقليم يضم درعا وجبل الدروز "السويداء" والقنيطرة من أفضل الخيارات التي يمكن أن تسفر عنها التسوية الشاملة للصراع في سوريا، وحسب منطق المركز فإنه في حال تطبيق ما جاء في الميثاق، فإن فرص تحوّل منطقة جنوب سوريا إلى مناطق تهديد لـ"إسرائيل"، سواء من خلال وجود إيران وحزب الله، أو من خلال تمركز السلفيين، تتقلص إلى حد كبير.
في حال فشل التفاھمات، ستكون سوريا ساحة حرب أھلية مفتوحة واقتسام وتقاسم. ولذلك تعمل اميركا على توريط روسيا حتي تحتاج لأن تعيد النظر في مواقفھا. بينما روسيا تعمل على تعزيز دورها لتغيير موازين القوى لمصلحتها. والصراع مستمر.
"العهد"