2024-11-27 06:33 م

إضراب الأسرى الفلسطينيين: فرص النجاح واحتمالات الفشل

2017-04-29
منى النابلسي
خاضت الحركة الفلسطينية الأسيرة قبل هذا الإضراب 266 إضراباً جماعياً عن الطعام، أولها إضراب سجن نابلس عام 1968 لثلاثة أيام، مروراً بإضرابات عديدة فشل معظمها، وانتهى بقمع الأسرى وإلى المزيد من الانتهاكات بحقهم.

فيما تكلل بعضها بالنجاح الكبير، وبعضها بالنجاح الجزئي، وصولاً إلى إضراب الأسرى الإداريين عام 2014، والذي استمر 63 يوماً، وبرغم أهمية تراكم التجربة النضالية للحركة الأسيرة في إنجاح الإضراب الجماعي عن الطعام، إلا أن الأمر لم يكن دائماً حتمياً، فقد نجح إضراب جنيد 1984، فيما قُمع إضراب جنيد 1987. هناك جملة من الظروف الذاتية المتعلقة بالمعتقلين وظروف اعتقالهم، والظروف الموضوعية المتعلقة بالظرف السياسي والأمني والشعبي، تلعب دوراً بارزاً في نجاح الإضراب وتحقيق مطالب الأسرى، أو إخفاقه. من هنا برزت أهمية دراسة الظروف الذاتية والموضوعية في التنبؤ بمخرجات الإضراب الحالي، وفرص نجاحه، وبالتالي المساهمة الفاعلة في تعزيزها، واحتمالات فشله، وبالتالي المساهمة الفاعلة في الالتفاف عليها، ومحاصرتها، فلماذا نجح بعض الإضرابات؟ ولماذا فشل معظمها؟ وكيف يمكن العمل الجماعي على إنجاح هذا الإضراب وتجنب إفشاله؟

قراءة تاريخية في الإضرابات الجماعية عن الطعام

عند دراسة تجارب الحركة الأسيرة مع الإضراب الجماعي، سيلاحظ أن ثمة ظروفاً ذاتية بالغة الأهمية ساهمت في نجاح بعض الإضرابات، وهي ذاتها حينما تضعضعت كانت سبباً في إفشال معظم الإضرابات، وأهم هذه الظروف هي طبيعة القيادة التي تتولى إدارة الإضراب. فإن قرار الإضراب عن الطعام قرار صعب، يلجأ إليه المعتقلون حينما يستنفذون كل الطرق الأخرى لتحسين ظروف اعتقالهم، وهو قرار قاس نفسياً على المعتقلين ويحتاج إلى تهيئة، ودعم نفسي مستمر، وثقة بالذات الجمعية للمعتقلين، ومعنويات عالية. وهذا كله لا يتحقق من دون وجود قيادة صلبة ومحل ثقة، خصوصاً في ظل ما تلجأ إليه إدارة السجن من ممارسات وانتهاكات قاسية لحقوق الأسرى، على هيئة عقوبات للمضربين منهم، والتنقلات الدائمة في صفوفهم، وعزل القيادات، لإضعاف عزيمتهم، وتشتيت موقفهم. فقدرة قيادة الإضراب على التفاوض الصلب، وقدرتها على الحفاظ على مستوى عالٍ من الصمود النفسي عند الأسرى المضربين، له أثر كبير في حسم الإضراب لصالحهم. فعند مقارنة إضراب الرملة وإضراب كفار يونا، اللذين بدأا يوم 18 شباط 1968، وكانت لهما المطالب نفسها، مع اختلاف في قيادة الإضراب في السجنين، نجد أن إضراب الرملة انتهى بقمع الأسرى وإهانتهم، والتنكيل بهم، برغم أنه استمر 11 يوماً. في حين نجح إضراب كفار يونا نجاحاً جزئياً تمثل بإدخال القرطاسية، وإلغاء عبارة «حاضر سيدي» من قاموس المعتقلات الصهيونية، برغم أنه استمر تسعة أيام. وعند البحث عن أسباب ذلك، نجد أن نجاح الإدارة في اختراق قيادة الإضراب من خلال القمع وإضعاف إرادتها أثناء التفاوض له أثر بالغ في كسر إرادة المضربين، فالمسألة في النهاية مسألة إرادة وإيحاء، فعندما تعتقد إدارة السجن أنه باستطاعتها إضعاف الأسرى، سيكون صمودها أشد وأشرس من صمودها عندما تعتقد أنها لن تجد إلى إرادتهم سبيلاً.
وإذا تأملنا التجارب الناجحة للحركة الأسيرة، نجد أن أهم الإضرابات التي تكللت بنجاح كبير، هما إضراب نفحة 1980، وإضراب جنيد 1984، علماً بأن مطالب الأسرى كانت دائماً متشابهة، وتدور حول تحسين ظروف اعتقالهم. فنجاح الإضراب أو فشله لم يكونا مرتبطَين بسقف مطالب الأسرى، بقدر ارتباطهما بقدرة الأسرى على تنظيم صفوفهم وخوض غمار معركتهم.
تُعتبر القيادة الحكيمة سبباً رئيساً لنجاح الإضرابات إذ لعب الإعداد المتقن، والتهيئة العميقة للإضراب والتي استمرت إلى ما يقارب العام دوراً بارزاً في توعية الأسرى، وشحن إرادتهم، كما ساهمت القيادة الموحدة والصلبة في تفاوضها مع إدارة السجن، وعدم السماح للإدارة باختراق صفوف المعتقلين في لعبة العصا والجزرة، في تقوية موقف المعتقلين وحسم معركتهم، كما لعب التخطيط دوراً بارزاً في إنجاح إضراب جنيد 1984، والذي يعتبر الإضراب الأهم والأنجح في تاريخ الحركة الأسيرة. فقد احتاطت قيادة الإضراب ولجأت إلى خدع إدارة السجن في التنكر للوعود بعد وقف الإضراب، وظلت قيادة الإضراب تلوح باستئناف الإضراب في أي مرحلة لا تلتزم بها إدارة السجن بوعودها، الأمر الذي ضمن لهم تحقيق مطالبهم.

أما الظروف الموضوعية التي ساهمت في نجاح الإضرابات، فقد تمثلت بحسن إدارة المعركة الإعلامية، إذ يعمد الاحتلال إلى تصوير المعتقلين على أنهم إرهابيون متمردون، يريدون مواصلة إرهابهم من داخل المعتقلات، لينتزع بذلك مبررات لقمعهم، وإضعاف موقفهم، كما يلجأ إلى شهادات زور من مؤسسات حقوقية حول أوضاع السجون، وإلى إضعاف المعتقلين من خلال تعزيز إحساسهم بأنهم متروكون، وبأن الشارع لا يهتم لقضيتهم. فبقدر ما تحسن الحركة الأسيرة ومن يدعمها مخاطبة الإعلام، بقدر ما تقطع الطريق على إفشال إضرابها، وتعزز فرص نجاحه، بالإضافة إلى تفاعل الشارع والأهالي مع إضراب الأسرى، بقدر ما يتحرك الشارع في دعم إضراب الأسرى، ويكون قادراً على إيصال تفاعله معهم إليهم، بقدر ما يعزز صمودهم، ويساهم في تشكيل ضغط من الرأي العام الصهيوني على إدارة السجون لحل الأزمة، والتسريع في فك الإضراب.
وبرزت أخيراً عوامل موضوعية أخرى، تمثلت في طول الإضرابات الفردية عن الطعام، الأمر الذي يتطلب من الأسرى الصمود لفترات طويلة في إضراباتهم الجماعية توازي أيام صمود الإضرابات الفردية، وكذلك برز عامل التوقيت كعامل حاسم في إدارة الإضراب، كما حدث في إضراب 2014، إذ شكل اقتراب شهر رمضان وغياب خطة واضحة لإدارة الإضراب خلال الشهر الفضيل عامل ضغط موضوعياً على الأسرى، استغلته إدارة السجون لكسر أطول إضراب جماعي، كما إن طبيعة المعركة تؤثر بشكل بالغ في طريقة التعامل الصحيحة مع الإضراب، فمثلاً درجت العادة أن تكون المفاوضات مطلبية بين الأسرى وإدارة السجون. لكن في إضراب 2014، لجأ الاحتلال إلى منح المعركة صبغة سياسية، فتدخل بنيامين نتنياهو شخصياً من خلال تصريحاته، بالإيعاز إلى إدارة السجون بعدم الرضوخ لمطالب الأسرى، وتزامن ذلك مع تراجع في الموقف السياسي الفلسطيني، إذ سجل أول تحرك سياسي للرئيس الفلسطيني بعد 49 يوماً من إضراب 2014! ناهيك عن حملة الاعتداءات التي شنتها الأجهزة الأمنية الفلسطينية آنذاك بحق المتضامنين مع الأسرى وذويهم.
في ضوء هذه القراءة لأسباب النجاح والفشل، ما هي فرص نجاح الإضراب الحالي؟
برغم ما يعرفه القاصي والداني عن طموح قائد الإضراب الحالي مروان البرغوثي، في الوصول إلى منصب الرئاسة، موقناً أن هذا سيكون سبباً لإطلاق سراحه، على غرار ما حدث مع مانديلا، وعلنية الجهود الحثيثة لتقديم مروان البرغوثي كقائد أوحد يصلح لخلافة عباس، وقيادة غمار المرحلة المقبلة. وبرغم إعلانه أكثر من مرة، وهو المعتقل على خلفية أعمال مقاومة مسلحة، أنه يعتقد أن هذا النوع من المقاومة لم يعد مفيداً، وتواصل المطالبة المصرية بإطلاق سراحه، والجهود المبذولة لطرح اسمه لنيل جائزة نوبل للسلام، والتأكيد الدحلاني على أن البرغوثي هو القائد الوحيد الذي يحظى بتأييد غالبية الفلسطينيين. وبالرغم من كل التحليلات الموضوعية والعميقة، شكّلت الخيبة التي تعرض لها مروان البرغوثي جراء إقصاء عباس له في مؤتمر فتح السابع، حافزاً شخصياً له للعمل على تعزيز دوره القيادي في الأسر، وخوض غمار معركة «الأمعاء الخاوية»، إلا أن الموضوعية تحتم الاعتراف بأن البرغوثي ولكل الأسباب السابقة، يعتبر قيادة قوية وحكيمة ستقود هذا الإضراب إلى النجاح المبهر! فالتقاء مصلحة الأسرى مع مصلحة البرغوثي الأسير، يشكل لُحمة نوعية، ومتانة في الموقف. فحرص القيادة المستميت على النجاح، يشكل أكبر عامل لتوثيق الثقة، ناهيك عن الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها البرغوثي في صفوف الأسرى، وذكائه المشهود، وحكمته المعروفة.
ظهر حُسن إدارة البرغوثي بالإعلان المسبق عن الإضراب، المحضر له جيداً، وقد تجلى حسن الإعداد بعدد الأسرى المنخرطين في الإضراب منذ يومه الأول، كما أنه أحسن استخدام الآلة الإعلامية مستغلاً ثقله الإعلامي عالمياً ومحلياً، ولأنه من قلب «فتح» فقد باشر الرئيس دعواته لتلبية مطالب الأسرى العادلة من اليوم الأول، ولاتساع شعبيته في صفوف الأجهزة الأمنية، فإن احتمالات مغامرة المستوى السياسي بمطالبة الأمن قمع الفعاليات التضامنية مع الأسرى ضئيلة.
يظهر من كتاب إعلان الإضراب الذي أصدره البرغوثي مدى إدراكه لطبيعة المعركة، واستعداده لإضراب طويل، من إشارته إلى بدء أخذ المقويات بعد اليوم الخامس عشر، الأمر الذي يشير إلى وجود خطة مسبقة لديه لمواصلة الإضراب في شهر رمضان، الأمر الذي من المتوقع أن يساهم في تأجيج الشارع الفلسطيني، وسحب الوضع الأمني العام في الضفة إلى دائرة الضغط الكبير على الاحتلال، وهذا سيؤدي إلى نجاح باهر للإضراب .
إذاً، الظروف الذاتية لنجاح الإضراب مؤاتية، والظروف الموضوعية والتي تنتظر دعماً حقيقياً من الشارع، بالتزامن مع الإحراج الذي تواجهه القيادة السياسية والذي يجعلها تتحمل مسؤولياتها تجاه مطالب الأسرى العادلة، كلها تشير إلى نجاح باهر للإضراب.
عزف الاحتلال على وتر طموح مروان: الحقيقة والوهم

لا شك أن البرغوثي يتحصّن بالأسرى وقضيتهم العادلة لدعم فرص فوزه بالرئاسة، وبالتالي إطلاق سراحه، ولكن إلى أي حد يشكل ذلك خطراً على إضراب الأسرى؟
في الواقع إن طموح البرغوثي يشكل عامل نجاح حاسماً لهذا الإضراب، وعلى كل حريص على مصلحة الأسرى عدم الانصياع للعزف الصهيوني على وتر النوايا في هذه المرحلة، لما سيشكله هذا من إضعاف لإرادة الأسرى. إذ يجب تعزيز صمود إخوتنا بكل الطرق والوسائل، مع إبقاء عين الوعي مفتوحة عند اتخاذ القرارات الوطنية اللاحقة والتي قد تترتب على نجاح البرغوثي في حشد التأييد لشخصه في انتخابات الرئاسة.
في المدى المرحلي المنظور، سيقود البرغوثي إضراب الأسرى إلى نجاح باهر، وهي مسألة صبر وإرادة، والواجب الوطني يحتم علينا مباركة جهوده وسعيه، وفي المدى البعيد لكل حادث حديث.
* روائية وكاتبة فلسطينية

عن الاخبار اللبنانية