بقلم: محمد عبيدالله
مر أسبوع كامل على الاستفتاء الدستوري في تركيا، لكن الجدل المثار حوله لن ينتهي بسهولة، بل ستكون له بصمته الخاصة على السياسة الداخلية، إضافة إلى تداعياته المختلفة على الصعيد الدولي.
مزاعم وقوع التزوير والتلاعب في نتائج الاستفتاء، إلى جانب الفارق الضئيل جدًا بين نسبة الموافقة والرفض، تجعل شرعية هذا الاستفتاء، وبالتالي شرعية الرئيس رجب طيب أردوغان مفتوحة للنقاش في الداخل والخارج. وفي الوقت الذي شعر بأنه بات محصورًا في زاوية ضيقة، عقب تشكيك المعارضة في النتائج، وتأكيد منظمات دولية، بينها منظمة الأمن والتعاون الأوروبية، على وقوع أنواع شتى من المخالفات، سواء في أثناء عملية التصويت أو أثناء فرز الأصوات وعدها، تلقى الرئيس أردوغان “دعمًا ثمينًا” جدًا من شخصية سياسية قد لا يتوقعها مَنْ لا يعرفون الموازين السياسية الحاكمة في تركيا والتحالفات الثنائية التي تشكّلت في العقد الأخير والسنوات الخمس الأخيرة بصفة خاصة. حيث إن زعيم حزب الوطن اليساري العلماني المتطرف دوغو برينتشاك خرج يوم الأربعاء الماضي (19 من نيسان الجاري) على الرأي العام داعيًا الأحزاب المعارضة إلى “إغلاق صفحة “نعم” و”لا” في الاستفتاء”، والتركيز على الوحدة والتضامن، محذرًا حزب الشعب الجمهوري من تشكيل معسكر “لا” مع كل من حزبي الشعوب الديمقراطي الكردي والعمال الكردستاني ضد معسكر “نعم”، وذلك على الرغم من أن حزبه “الوطن” كان ضمن الأحزاب التي اعترضت على المجلس الأعلى للانتخابات احتسابه الأظرف وأوراق التصويت الخالية من الأختام الرسمية ضمن الأصوات الصالحة.
والجانب المثير في هذه التصريحات هو استخدام برينتشاك اللغة ذاتها التي يستخدمها الرئيس أردوغان في تقديم نفسه وطنيًّا سلميًّا، ووصف أعدائه المعارضين للاستفتاء الدستوري بـ”الإرهابيين” و”الخونة”.
ومع أن برينتشاك أظهر نفسه بين “معسكر لا”، خلال مرحلة الترويج والدعاية لصالح التعديلات الدستورية أو ضدها، إلا أن كثيرًا من المحللين وصفوه بـ”الداعم السريّ لمعسكر نعم!”. والحق يقال إن العلامات التي دلت على ذلك خلال الفترة الماضية لم تكن قليلة. فأقرب مثال على ذلك رأيناه عندما اتخذ حزب الشعب الجمهوري قرارًا بالاعتراض على التعديلات الدستورية المقترحة في الاستفتاء لدى المحكمة الدستورية، بسبب مخالفتها لدستور البلاد، حيث تقدم حينها برينتشاك الصفوف، وأخذ السماعة، لينادى الشعب الجمهوري للتراجع عن هذه الخطوة وتركِ تلقين الدرس على “الدكتاتورية” للشعب في 16 أبريل / نيسان من خلال الاستفتاء!
ليس خفيًّا على الملمّين بالوضع التركي أن تقديم برينتشاك طوق النجاة للرئيس أردوغان،كلما واجه أزمة ليس أمرًا بدعًا، بل تاريخه السياسي حافل بنماذج تدل على أنه يفعل ذلك دومًا إما إنقاذًا لنفسه أو طمعًا فيما سيقدمه له الطرف الآخر!
الخلفية التاريخية: من الصراع إلى التحالف!
خطف برينتشاك الأضواء عبر مواقفه الحساسة في اللحظات الحرجة طيلة تاريخ السياسة التركية الحديث، الأمر الذي يفرض علينا الوقوف عند هذه الشخصية “الغامضة” ودراسة توجهاتها الفكرية والسياسية، والأدوار الرئيسة التي لعبها حتى اليوم بصورة مختصرة.
مع أن نسبة الدعم التي يحصل عليها برينتشاك في الانتخابات ضئيلة جدًا لا تتجاوز 2%، إلا أنه تمتع حتى اليوم بنفوذ قوي في أجهزة الدولة، خاصة في أجهزة الأمن والقضاء والجيش، ولعب أدوارًا حاسمة في تلميع أو تشويه حركات ومجموعات سياسية أو مدنية، بفضل علاقاته “الغامضة” و”المثيرة” مع بؤر القوى الداخلية والخارجية. فقد أسّس أربعة أحزاب وترأسها، وهي حزب العمال والفلاحين (1978-1980)، والحزب الاشتراكي (1991-1992)، وحزب العمال (1992–2015)، وحزب الوطن الحالي (15 شباط 2015 – ؟). لكن الغريب والمريب أنه لم يتبنَّ فكرًا معينًا ثابتًا، وإنما روّج لأي فكر مهما كان، بحسب الظروف والرياح؛ فهو كان ماركسيًّا لينينيًّا ماوِيًّا في سبعينات القرن الماضي؛ وداعمًا للزعيم الإرهابي عبد الله أوجلان وحزب العمال الكردستاني في الثمانينيات؛ وقوميًّا علمانيًّا متطرفًا بعد التسعينيات!
كما أن برينتشاك أصدر صحيفة يسارية علمانية تحت مسمى “آيدينليك” (Ayd