2024-11-27 04:30 م

الأهداف الأمريكية من الضربة العسكرية السورية

2017-04-12
يوسف أيوب
هدأ الوضع مؤقتًا فى سوريا، بعد الضربة الأمريكية التى استهدفت قاعدة جوية سورية، لكن التداعيات لاتزال مستمرة، فالكل كان يتوقع تصاعدًا للصدام العسكرى، خاصة بين روسيا والولايات المتحدة، لكن يبدو أن الضربة فتحت بابًا جديدًا للتفاهمات يجرى التداول بشأنها حاليًا، تفاهمات سياسية للخروج من المآزق.
 
الضربة الجوية الأمريكية قيل إنها جاءت ردًا على هجوم كيماوى، وجهت أصابع الاتهام للنظام السورى بأنه قام بشنه على بلدة خان شيخون فى إدلب، وأسفر عن 87 قتيلًا، وكان من المفترض أن تكون دمشق فككت ترسانتها من الأسلحة الكيماوية فى إطار اتفاق أمريكى روسى تم التوقيع عليه فى 2013، لكن رغم هذا الاتفاق فإن الاتهامات لا تزال تلاحق نظام الرئيس بشار الأسد، بأنه يستخدم الكيماوى ضد المعارضة والميليشيات المسلحة فى سوريا.
 
سياسيًا حققت الولايات المتحدة أكثر من هدف، أثبتت أنها لا تزال اللاعب القوى فى الشرق الأوسط، وأن أى اتفاق لا يمكن أن يقلل أبدًا من قوتها وتواجدها، فى إشارة إلى الاتفاق الروسى التركى الإيرانى، الذى أطلق العملية السياسية التفاوضية فى كازاخستان، كما أن إدارة دونالد ترامب، أرادت من جهة أخرى أن تبعد نفسها عن شبهة التواطؤ مع روسيا، وهى التهمة التى تواجه ترامب والعديد من أركان إدارته، والتى أدت إلى الإطاحة بمستشار الأمن القومى السابق مايك فيلين، كما أن القضية لا تزال محل تحقيق داخل الكونجرس الأمريكى، لذلك اختار ترامب هذا التوقيت لتوجيه الضربة الجوية لسوريا وكأنها رسالة إلى الداخل الأمريكى بأنه ليس على توافق تام مع موسكو، وأنه فى أى لحظة قادر على أن يسير عكس الاتجاه الروسى.
 
ولا ننسى أن الضربة الأمريكية جاءت حينما كان ترامب يستقبل الرئيس الصينى تشى جى بينج، فى فلوريدا، الذى غضب من التصرف الأمريكى، وكأنه فهم جيدًا مغزى ترامب، فالدلائل كلها تشير إلى أن ترامب أراد توصيل رسالة لنظيره الصينى بأنه قادر على توجيه ضربة جوية مماثلة لكوريا الشمالية إذا لم تتدخل الصين لدى حليفها الكورى الشمالى كيم جونج أون، دائم التهديد لواشنطن ولحلفائها فى منطقة شرق آسيا.
 
وعسكريًا فإن وزير الدفاع الأمريكى جيم ماتيس، قال إن «الضربة أدت إلى الإضرار أو تدمير مواقع الوقود والذخائر وقدرات الدفاع الجوى و%20 من الطائرات العاملة فى سوريا»، وهو هدف جيد بالنسبة للأمريكيين، فهم يتابعون التقدم الذى أحرزه الجيش السورى على مدار الأشهر الماضية ضد الميليشيا المسلحة، وهو التقدم الذى أزعج الكثيرين من حلفاء واشنطن، ولذلك كان من الضرورى أن تكون هناك خطة لإيقاف هذا التقدم، وفى نفس الوقت لإثبات فاعلية الترسانة العسكرية الأمريكية فى مواجهة السلاح الروسى.
 
وبخلاف ما تعتبره واشنطن مكاسب، فإن هذه الضربة ربما تساعد فى توفير أجواء جديدة للحل والمفاوضات فى سوريا، ويكفى أن نشير هنا إلى المباحثات التى بدأت فى مدينة لوكا الإيطالية الاثنين الماضى، بين وزراء خارجية الدول السبع الكبرى، فى محاولة منهم لبلورة موقف موحد حول إحياء العملية السياسية، وهذه المباحثات دارت قبل أيام من زيارة وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون للعاصمة الروسية موسكو.
 
بالتأكيد هناك شبه قبول دولى للضربة الأمريكية، وهذا أمر مفهوم، خاصة فى ظل الأجواء التى سبقت هذه الضربة، والاتهامات التى طالت نظام الأسد باستخدامه الكيماوى ضد المواطنين، مما هيأ العالم لمثل هذه الضربة، كما أن أوروبا كانت تأمل من ترامب موقفًا مماثلًا، لوضع حد للنفوذ الروسى، الذى أخذ فى التزايد بعد وصول ترامب للبيت الأبيض، وأحاديثه المتكررة عن التعاون مع موسكو.
 
هدوء الوضع حاليًا فى سوريا يمكن ألا يستمر طويلًا، خاصة إذا ما تخلى بوتين عن هدوئه الحالى، فمن المعروف أن الرئيس الروسى يحسن وزن الأمور جيدًا، ويختار التوقيت المناسب للرد، لكن الوضع الحالى فى سوريا قد يقلب الطاولة على الجميع، خاصة بعدما فتحت الضربة الأمريكية شهية الكثيرين ممن كانوا يأملون منذ فترة أن يحدث مثل هذا التدخل الأمريكى، وأصيبوا باليأس، لكن ها هو ترامب يفتح لهم الباب.
 
بالطبع ترامب لا يريد التورط عسكريًا فى سوريا بدون مقابل، فهو دائم البحث عن المكاسب، ويبدو حتى الآن أنه حقق جزءًا كبيرًا مما كان يخطط له، لكن بلغة المكاسب أيضًا قد نجد عواصم فى المنطقة مهيأة لكى تدفع فاتورة أى تدخل عسكرى جديد فى دمشق، شريطة الإطاحة بنظام الأسد، فالكثير من الدول بالمنطقة خططت كثيرًا طيلة السنوات الماضية للسيطرة على سوريا لكنها فشلت لأن واشنطن لم تكن لديها النية الكاملة للتدخل العسكرى فى عهد باراك أوباما، لكن الوضع الآن يبدو مختلفًا من وجهة نظر هذه الدول، فداعش تتمدد بقوة فى سوريا والعراق، وأصبح تهديدها هاجسًا يزعج الأمريكيين والأوروبيين، كما أن بقاء الوضع كما هو عليه الآن يصب فى صالح إيران، التى ينظر لها ترامب نظرة العدو، لذلك فإن هذه الدول ستبذل، بل أن بعضها بذل مجهودًا كبيرًا خلال الأسابيع الماضية لإقناع ترامب وإدارته بالتدخل العسكرى فى سوريا، على أن تتحمل دول فى المنطقة التكلفة الاقتصادية.
 
ويبقى الأمر المعلق حتى الآن هو الموقف التركى، فأنقرة ارتمت منذ عدة أسابيع فى أحضان روسيا، لأسباب سياسية واقتصادية، وظهرت بوادر خلاف سياسى بينها وبين واشنطن، لكن الوضع الجديد يبدو أنه سيربك الأتراك، فأردوغان حينما تحالف مع روسيا وإيران مؤخرًا كان فى يقينه أن ترامب لا يريد التورط فى سوريا، وأنه لن يعادى موسكو، وبالتالى فإن الأفضل لتركيا أن تبقى فى الصف الروسى، لكن الآن الأوضاع تغيرت، وباتت اللعبة فى يد الأمريكيين، وهو ما أربك تركيا، التى تبحث الآن عن مخرج لها، وإن كانت المؤشرات تقول إن تركيا ملاذها الأخير هى واشنطن، وأنها ستتخلى عن روسيا كما سبق أن تخلت عن حلفائها الخليجيين.
 
المحصلة النهائية تشير إلى أن الوضع فى سوريا بات أكثر تعقيدًا مما مضى، فقواعد اللعبة تبدلت، ومن الصعب أن نحدد إلى أى طريق يمكن أن تسير الأزمة.
المصدر// اليوم السابع