2024-11-25 07:00 ص

دول الخليج تسعى لتوطين صناعة السلاح

2017-03-30
عقدت الصين اتفاقاً مفاجئاً لتصنيع الطائرات العسكرية بدون طيَّار في مصنعٍ بالمملكة العربية السعودية في وقتٍ مبكرٍ من مارس/آذار 2017.

ويُشكِّل هذا جزءاً من مجموعة من الاتفاقات التي تصل قيمتها الإجمالية إلى 60 مليار دولار، جرى التوافق بشأنها خلال زيارةٍ الملك سلمان إلى الصين، التي ستشهد كذلك تطوير البلدين لمصافي النفط، والتعاون في مهمة استكشاف القمر الصينية Chang E-4.

ويأتي هذا الاتفاق في الوقت الذي تواصل فيه السعودية وجيرانها الخليجيون اندفاعتها غير المسبوقة للحصول على الأسلحة، للتعامل مع ما يرون أنَّه عددٌ من تهديدات مكافحة الإرهاب في أرجاء المنطقة، حسب تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني.

وفي الوقت نفسه، لا تُظهِر الولايات المتحدة، الحليف طويل الأمد لدول الخليج، أية علامةٍ على منح تلك البلدان القدرة على الوصول إلى تكنولوجيا الطائرات بدون طيَّار الخاصة بها.

وسيُنتج المصنع، الذي يُعَد الأول للصين في الشرق الأوسط، طائرات CH-4 Caihong التي تنتجها شركة الصين للعلوم والتقنيات الجو-فضائية، أو المعروفة باسم طائرات "الرينبو" بدون طيَّار، بالإضافة إلى المُعدَّات المرتبطة بها، والتي ستُطوِّر خدمات ما بعد البيع للعملاء في الشرق الأوسط.


الصين تسد الفجوة


وفقاً لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام، دفعت الصراعات في سوريا واليمن وصعود تنظيم داعش بلدان منطقة الشرق الأوسط إلى زيادة وارداتها من السلاح بنسبة 86% على مدار الأعوام الخمسة الماضية، أي ما يُمثِّل 29% من واردات العالم.

وأصبحت السعودية ثاني أكبر مستورد في العالم، ولا تزال الولايات المتحدة، هي أقرب حلفائها والمصدر الرئيسي لسلاحها، ولكنها ترفض أن تبيعها طائرات البريداتور والريبر بدون طيَّار، والتي لا تبيعها سوى لعددٍ قليل من البلدان الأوروبية.

وشعر السعوديون بالغضب أيضاً حينما علَّقت إدارة الرئيس الأميركي آنذاك، باراك أوباما، شحنة أسلحةٍ إلى المملكة بعدما أُثيرَت مخاوف في الكونغرس بشأن الضحايا المدنيين في الحرب التي تقودها السعودية في اليمن.

هذا على الرغم من أنَّ الولايات المتحدة تشن حملة مُثيرة للجدل بالطائرات بدون طيَّار لتصفية من ترى أنَّهم أهداف مُشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة في اليمن منذ أكثر من عقدٍ من الزمن.

وتحوَّل السعوديون منذ ذلك الحين إلى الصين، التي بخلاف الولايات المتحدة، لم توقِّع على المعاهدة الدولية لتجارة الأسلحة، وبالتالي لديها القليل فقط من القيود على مبيعات تكنولوجيا الطائرات بدون طيَّار.

وكذلك فإن الطائرات الصينية بدون طيَّار أرخص أيضاً.

إذ تصل تكلفة طائرات CH-4 إلى 4 ملايين دولار، في حين تصل تكلفة النسخة الصينية الرخيصة منها إلى نحو مليون دولار. بينما قد تصل تكلفة طائرات ريبر الأميركية بدون طيَّار إلى أكثر من 17 مليون دولار. أضف إلى ذلك تراجع أسعار النفط العالمية، وسيصبح من الأسهل إذاً أن نعرف لِمَ أصبحت طائرات CH-4 هي الخيار الأفضل للبلدان في الشرق الأوسط.

وقال تشو شين مينغ، الذي عمل سابقاً في شركة تطوير الطائرات بدون طيَّار التابعة لشركة الصين للعلوم والتقنيات الجو-فضائية، لصحيفة South China Post الصينية، إنَّ "طائرات CH-4 قد قامت بعملٍ بارز في هجمات مكافحة الإرهاب في العراق، واليمن، وكذلك في إفريقيا في السودان، وإثيوبيا، وفي باكستان المجاوِرة للصين".

وأضاف: "لهذا أصدقاؤنا السعوديون مهتمُّون للغاية بمشروع التعاون في الطائرات بدون طيَّار".

ويُعتَقَد أنَّ السعودية والإمارات قد استخدمتا تلك الطائرة في هجماتٍ في اليمن. 
كما نشرت وزارة الدفاع العراقية العام الماضي، 2016، مقطع فيديو لغارةٍ لطائرة CH-4 على سيارةٍ تابعة لمقاتلين مزعومين لداعش في العراق.

ويصل مدى طائرة CH-4 إلى نحو 3500 كم، وبإمكانها أن تحمل صواريخ AR-1 دقيقة التوجيه، التي بإمكانها أن تصيب هدفاً بعيداً بهامش خطأ أقل من 1.5 متر.


تحذير للغرب


ويأتي تصنيع السعودية لهذه الطائرة بالتعاون مع الصين في إطار توجيه دول الخليج العربي تحذيراً للدول الغربية، التي تُورِّد لها المعدات العسكرية: إذا أردتم الاستمرار في إبرام الصفقات معنا، فعليكم نقل ما لديكم من معرفةٍ تقنيةٍ إلى الشركات المحلية التي تشكل جزءاً من قطاع الصناعات الدفاعية المحلية الصاعدة.

وتمتلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتان تحارب قواتهما في دولة اليمن المجاورة وتشاركان في تحالفٍ دولي لشنِّ هجماتٍ جويةٍ ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بعضاً من أكثر القوى الدفاعية تقدماً في المنطقة. لكن قدرتهما على إصلاح وصيانة المعدات العسكرية المُعقَّدة محدودة، ناهيك عن تصنيعها، حسب ما جاء في تقرير وول ستريت جورنال الأميركية.

ويرغب حكام هذه الدول في تقليص حجم اعتمادهم على الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية، ويرون أن قطاع الصناعات الدفاعية قادرٌ على تنويع اقتصادياتهم المعتمدة بشكلٍ رئيسي على النفط.

وأعلنت الحكومة السعودية، التي تحتل المرتبة الثالثة ضمن أكثر الدول إنفاقاً على شؤون التسليح والدفاع بعد الولايات المتحدة والصين، العام الماضي، 2016، أنها تريد أن تُخصِّص نصف حجم الأموال المخصصة لشراء المعدات العسكرية لشركاتٍ محليةٍ بحلول 2030 مقارنة بنسبة الـ2% التي تمتلكها الشركات المحلية حالياً.

وحتى إن لم تحقق المملكة سوى بعضٍ من أهدافها، فستكون هناك آثار مدوّية في قطاع الصناعات الدفاعية في العالم. فقد بلغ إجمالي حجم الإنفاق العسكري السعودي حوالي 87.2 مليار دولار خلال عام 2015، وفقاً لمعهد استوكهولم الدولي لبحوث السلام.

وقال وزير الدفاع السعودي ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، خلال لقاءٍ متلفز العام الماضي: "ننفق على الدفاع والتسليح أكثر من بريطانيا وفرنسا، وليس لدينا صناعة. لدينا طلبٌ قويٌ، وعلينا تلبيته محلياً داخل السعودية".

وأضاف أنه وبموجب السياسات الرسمية الجديدة ستوافق الحكومة السعودية على إبرام صفقات دفاعية مع الشركات الأجنبية "فقط في حال إنشاء روابط بينها وبين الصناعة المحلية".

وبدأت آثار هذه الرسالة في الظهور، إذ قالت شركة إيه إم جنرال الأميركية، التي تُصنِّع المركبات الثقيلة من طراز هامفي، والتي تتمركز في مدينة ساوث بيند بولاية إنديانا الأميركية، في فبراير/شباط 2017، إنها بدأت في تصدير الهيكل المعدني لسياراتها للخارج. وسيسمح هذا لعملائها، ومن بينهم شركائها في دول الخليج، بتجميع نماذج مُعدَّلة من العربات المُدرَّعة محلياً لتوائم الاحتياجات المختلفة لكل عميل.

يقول نغوين ترينه، المدير التنفيذي لشركة إيه إم جنرال: "خلاصة القول إنهم يريدون إنفاق المزيد من أموالهم داخل بلادهم".

ودخلت شركة الإلكترونيات المتقدمة السعودية، والتي تتخذ من الرياض مقراً لها وتُصنِّع معدات دفاعية كأجهزة التشويش على إشارات التليفونات المحمولة وأجهزة الليزر، في شراكةٍ جديدةٍ مع شركة رايثيون الأميركية في إطار عقد مُبرم مع الحكومة السعودية لتطوير إمكانات الأمان الرقمي لديها. ورفضت شركة رايثيون الإدلاء بأي تعليق على العقد.

وترى الشركات المحلية أن الصفقة دليلٌ على سعي المُورِّدين الأجانب إلى البحث عن شراكات جديدة مُوسَّعة، إذ يقول نائب رئيس شركة الإلكترونيات المتقدمة محمد آل خليفة: "بدلاً من جذبهم إلينا، تضغط الشركات الأجنبية علينا وتتواصل معنا لإبرام هذه الشراكات".


بوينغ

تقول شركات المقاولات الدفاعية العالمية الكبرى، مثل شركة بوينغ، إنها ترى فرصاً لفتح خطوط إنتاج جديدة في الشرق الأوسط. ويقول بيرنارد دون، الرئيس الإقليمي لشركة بوينغ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا، عبر البريد الإلكتروني: "ستستمر بوينغ في البحث عن فرصٍ لإبرام شراكات محتملة لتحقيق نموٍ مشتركٍ في حجم أعمال طرفي الصفقة".

لكن حصول الشركات الأجنبية على هذه الفرص ليس أمراً سهلاً، إذ إن القواعد المنظمة لسياسة عمل هذه الشركات في الولايات المتحدة وأوروبا قد تسمح بتصنيع بعض مكونات المعدات الدفاعية في الخارج، لكن هذه القواعد تصبح أكثر صرامةً عندما يتعلق الأمر بالتقنية العسكرية الحساسة.


إسرائيل هي السبب


وفي أبوظبي، ومنذ عامين، قال مسؤولٌ رفيعُ المستوى بوزارة الدفاع الأميركية لمُشترين مُحتملين في دول الخليج ومديرين تنفيذيين لشركات محلية، إنه لن يُسمح لهم، في المستقبل القريب، بشراء الطائرة المقاتلة من طراز إف-35 لايتنيج الثانية، التي صنعتها شركة لوكهيد مارتن الأميركية وتمتلك القدرة على التخفي وعدم الظهور على أجهزة الرادار، وفقاً لداني سيبرايت، رئيس مجلس الأعمال الأميركي - الإماراتي والذي كان أيضاً مسؤولاً سابقاً في وزارة الدفاع الأميركية.

وألمح المسؤول إلى أن هذه الضوابط تهدف إلى ضمان التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة.

وقررت الإمارات التحول صوب روسيا. ففي فبراير/شباط 2017، قالت وزارة الدفاع الإماراتية إنها ستشترك مع شركة روستيك الروسية الحكومية المتخصصة في الصناعات الدفاعية لتطوير وتصنيع طائرة مقاتلة خفيفة.

ويعلق سيبرايت على هذا الأمر بقوله: "إنه بيانٌ واضحٌ مُوجَّهٌ للأميركيين والأوروبيين، مفاده: إن لم تمنحونا ما نحتاجه وإن لم تساعدونا فيما نحتاجه، فلا خيار أمامنا سوى محاولة الحصول عليه من مكانٍ آخر لحماية متطلباتنا الأمنية المشروعة".

وأكد مدير تنفيذي لشركة دفاعية أميركية بالخليج العربي: "إنه سوق هام للغاية ويجب التكيُّف مع متطلباته".

أُنشِأت العديد من الشركات الدفاعية في دول الخليج العربي منذ عقودٍ ضمن برامج التعويض، والتي تشترط على الشركات الأجنبية الموردة للمعدات الدفاعية استثمار جزءٍ من أرباحها محلياً، أي في دول الخليج. لكن سعي هذه الدول إلى تصنيع المعدات بأنفسها يعد أمراً جديداً.

تهدف شركة السلام للصناعات الفضائية، وهي شركة مقرها الرياض ومملوكة جزئياً لشركة بوينغ، إلى تصنيع طائرةٍ بالكامل لأول مرة بحلول عام 2030. وخلال العام الماضي، بدأت الشركة السعودية، بمساعدة شركة بوينغ، في تجميع أجنحة الطائرة والجزء الأمامي من جسمها في مصنعها بهدف تطوير الطائرات المقاتلة من طراز إف-15 لصالح القوات الجوية الملكية السعودية.

ويقول المدير التنفيذي للشركة يحيى الغريبي: "نريد أن نكون كشركتي لوكهيد مارتن وبوينغ بالنسبة للسعودية".

وتتوسَّع الشركة في إصلاح وصيانة الطائرات المروحية. وفي المستقبل البعيد، يدرس الغريبي إمكانية التوسّع في مجالات أخرى تتراوح ما بين تصنيع الدبابات إلى إنتاج القنابل.


نمر

وتُصنِّع الإمارات بالفعل عربات مُدرَّعة. وفي فبراير/شباط 2017، مَنَحَ الجيش الإماراتي عقداً لشركة نمر للسيارات الإماراتية لتصنيع 1750 عربة مدرعة. إنه أمرٌ نادرٌ أن تحصل شركة محلية على صفقةٍ بهذا الحجم.

وفي 2014، دمجت الإمارات بين عشرات الشركات الحكومية تحت مظلة مجموعةٍ واحدة تسمى شركة صناعات الدفاع الإماراتية. ويرأس هذه الشركة لوك فيغنيرون، الرئيس السابق لمجموعة تاليس، وهي شركة أوروبية رائدة متخصصة في الصناعات الدفاعية الإلكترونية.

وتُنتِج نمر، وهي فرعٌ لمجموعة تاليس، حوالي 4 سيارات يومياً وتهدف إلى تصدير منتجاتها إلى أسواق أوروبا الشرقية وآسيا، بحسب ما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.

وكان لتطوير الصناعات الدفاعية المحلية أثرٌ في تشكيل الطموحات المهنية بسوق العمل المحلي، ودليلٌ على هذا أن العديد من المهندسين العاملين بشركة نمر إماراتيون. يُعلِّق عمران الهاشمي على هذا التحوُّلِ قائلاً: "كان والدي يعتقد أن الطريق الناجح سيكون عبر العمل في قطاع النفط والغاز".