2024-11-26 08:39 م

كوريا الجنوبية بين تحديات الداخل وتعقيدات الخارج

2017-03-16
بعد شهور من الانتظار والترقب أصدرت المحكمة الدستورية فى كوريا الجنوبية قرارها بتأييد اجراءات عزل الرئيسة بارك جون هيو بشكل نهائى على خلفية فضيحة فساد واستغلال نفوذ شملت شركات كبرى، معللة حكمها بأنها خانت ثقة الشعب وقامت بتصرفات تعد انتهاكا خطيرا للقانون لا يمكن التسامح بشأنها، ليصبح هذا القرار التطور الأكثر اثارة فى هذه الأزمة السياسية الطاحنة التى عصفت بالبلاد منذ أشهر، ولتصبح بدورها بارك أول رئيسة منتخبة ديموقراطيا تجبر على ترك المنصب،.
وهو ما يعنى عمليا تجريدها من حصانتها الرئاسية بكل ما سيترتب على ذلك من احتمال توجيه اتهامات جنائية لها وملاحقتها قضائيا ليس فى قضايا الفساد فقط ولكن أيضا فيما يتعلق بعلاقاتها بصديقتها المقربة -وهى محور الأزمة السياسية- المتهمة باستغلال النفوذ السياسى فضلا عن السماح لها بالاطلاع على وثائق سرية والتدخل بمراجعة وتنقيح خطبها الرئاسية.

ومع أن الحكم جاء تصديقا لقرار البرلمان الصادر نهاية العام الماضى، فضلا عن التقارير التى رصدت أنه حتى قبل تفجر أزمة الفساد الأخيرة فإن شعبية الرئيسة لم تكن فى أفضل حالاتها، فان ذلك لم يمنع مؤيديها من التظاهر والقيام بأعمال شغب فى محاولة للوصول للمحكمة الدستورية والاشتباك مع المظاهرات المؤيدة للعنف، ما أسفر فى النهاية عن سقوط ثلاثة قتلى، الأمر الذى دفع القائم بأعمال الرئاسة لمناشدة الجميع التزام الهدوء حفاظا على تماسك المجتمع فى مواجهة تحديات المرحلة المقبلة على الصعيدين الداخلى والخارجى.

وهنا يشير المحللون الى أن الحكم جاء فى لحظة تاريخية فارقة فى المنطقة والعالم بسبب التطورات فى شبه الجزيزة الكورية ووجود ادارة امريكية جديدة، وإن كان متوقعا بنسبة كبيرة، الا انه جدد حالة الانقسام بين مؤيديها ومعظمهم من كبار السن ممن ارتبطوا بإرث والدها الذى وضع البلاد فى مصاف الدول الصناعية الكبرى، وبين معارضيها من الشباب الذين رأوا فيما حدث تجاوزا غير مقبول وانتهاكا لقواعد العملية الديمقراطية، وهو ما يجسد حالة من الاستقطاب السياسى لم يشهدها المجتمع من قبل.

ويمكن القول إن التداعيات الانية لهذا الحدث التى ستظهر بشكل أسرع على الجبهة الداخلية وتتمثل فى اجراء انتخابات رئاسية خلال 60 يوما وتحدد لها يوم التاسع من مايو المقبل، ستطرح امكانية أن يتحول مزاج الناخبين نحو المعارضة اليسارية.

وهو تغير لن تتوقف أثاره على الداخل فقط، ولكن تأثيره سيظهر بوضوح على السياسة الخارجية، فالرئيسة المعزولة كانت تعد رمزا للمؤسسة المحافظة التى اتخذت بالتنسيق مع واشنطن مواقف متشددة ضد البرنامج النووى للجارة الشمالية، التى ناصبتها بدورها العداء علنا وطالما وجهت لها اهانات عنصرية وشتائم، فضلا عن أن بارك اعتبرت أن نظام الدفاع الصاروخى المتقدم «ثاد» تعد مركز سياستها الدفاعية ضد تهديدات بيونج يانج.

ومن ثم فإن أى تغير تجاه اليسار سينعكس بشكل أساسى على ملف العلاقات مع الشمال، حيث يتبنى هذا التيار أسلوبا مختلفا يرى بضرورة اعادة النظر فى الاستراتيجية المتبعة مع بيونج يانج وفى نظام ثاد الذى يعتبره تصعيدا غير ضرورى فى شبه الجزيرة الكورية. كما يرى بأهمية تقليل التوتر مع الصين التى أبدت قلقا متزايدا من تصاعد الوجود العسكرى الامريكى فى أسيا.

ومع ذلك يشير المحللون الى أن هذا التغيير الذى يبدو مطروحا بشدة ليس سهل التطبيق، فهناك معوقات على أرض الواقع، فالكثير من الظروف الدولية تغيرت خلال الفترة الماضية، أهمها تطور القدرات النووية للجار الشمالى، والزعامة الجديدة التى تدفع هذا البرنامج بشدة وتطلق تهديداتها الصريحة نحو سول بين الحين والآخر. ومن ثم سيتعين على هذا التيار الساعى للسلطة أن يتعامل مع جار شمالى أكثر عنفا، وأن يحافظ على علاقات قوية مع الولايات المتحدة، فضلا عن استعادة العلاقات مع الصين.

وأيا كان الأمر، فإن نتائج هذه العاصفة ستتضح خلال الفترة المقبلة وحتى اجراء الانتخابات، ولعل هذا هو السبب فى أن أكثر طرفين معنيين بهذه الأزمة التزما جانب الحذر فى التعليق عليها. فالمسئولون فى بيونج يانج اكتفوا ببث خبر الحكم دون تعليق، بينما أكدت الولايات المتحدة أن علاقات البلدين لن تتأثر، وأن الادارة تتطلع لعلاقات بناءة مع الشخص الذى سينتخبه المواطنون.

ويبقى فى النهاية أن قرار المحكمة الدستورية وسقوط بارك التى أصبحت مواطنة عادية يطالب البعض بمحاكمتها وربما سجنها، تسبب فى انقسام المجتمع ولكنه فى نهاية الأمر مثل انتصارا للديموقراطية فى مرحلة سياسية فارقة.