2024-11-25 11:24 م

الصوفية لهزيمة ”داعش“؟

2017-03-13
مهند الحاج علي
”لماذا يُهدد الصوفيون عقيدة الدولة الاسلامية؟“ عنوان موضوع مجلة ”نيوزويك“ عن تفجير مقام لال شهباز قلندار الصوفي في جنوب شرقي باكستان. وطريقة تناول الموضوع، أي الصوفية بوصفها دواء لمرض داعش، لم تقتصر على هذا التفجير الذي أوقع عشرات الضحايا بين قتيل وجريح، بل يأتي ضمن سياق بات معتمداً في قسم غير قليل من الصحافة الغربية، ويفرز عادة سياسات حكومية تنفي علاقة التطرف بالاستبداد والفقر، بل تعتبره مشكلة لاهوتية صرفاً، يقع حلها بأيدي رجال دين حكوميين.
خلال الشهور الماضية، ادعت مقالات عديدة في مؤسسات اعلامية غربية مؤثرة إما مباشرة أو تلميحاً إلى أن الصوفية تحمل في طياتها بذور تدمير التنظيم. بحسب مقال نشرته صحيفة ”نيويورك تايمز“، تُمثل الصوفية تنوعاً وتسامحاً يُخيف ”داعش“ التي دمرت مقاماً في اقليم السند يزوره السنة والشيعة سوياً في زمن التفرقة المذهبية. اضافة إلى هذه الموجة الاعلامية المتجددة، خضعت الصوفية ثقافياً إلى اعادة تقديمها بأشكال رومنسية متخيلة في الغرب والشرق على حد سواء. صدرت كتب روحانية جديدة تمزج بين الصوفية واليوغا وتقاليد روحية شرقية، في حين عززت رواية ”قواعد العشق الأربعون“ للكاتبة التركية اليف شافاك وترجمات شعر جلال الدين الرومي، موقع الصوفية في أوساط النخب الغربية والعربية والاسلامية. طبعاً، لم يكلف أحد نفسه عناء شرح عن أي طريقة صوفية يتحدثون، أو تقديم شرح للفروقات الجوهرية بين مختلف الطرق!
لكن في طيّات الانتاج الثقافي والإعلامي الرومنسي، معالم ترويج لسياسات حكومية عمادها رجال دين يُمثلون أنفسهم فقط في الغالب. وهذا تحديداً ما حصل في باكستان ابان عهد الرئيس السابق برويز مشرف، اذ اعتبرت الحكومة أن الصوفية حلٌ لمكافحة التطرف، وبدأت بإجراءات فولكلورية مثل تأسيس مجلس صوفي ضم شخصيات لها ارتباط أكبر بالسياسة قبل الدين. الحكومات المتعاقبة اتبعت نهجاً مماثلاً. وهذه الإجراءات التي وصفها الكاتب علي اتراز بترويج ”الصوفية برعاية الحكومة“، جاءت بعد موجة مقالات وتحليلات في هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) ومجلة ”ذي اكونومست“ وصحف غربية تُعلن اكتشافها الصوفية حلاً شافياً لمشكلة التطرف الإسلامي.
ويبدو أن هناك منحى لاتباع هذا النهج مجدداً. في مقالة قبل سنة ونصف، نشر موقع هافنغتون بوست مقالاً دعا صاحبه إلى فتح قنوات التلفزة أمام الصوفيين، وإدخال تعاليمهم في مناهج التربية وترويجهم في المساجد، لأنهم وحدهم ”يحملون الأدوات الدينية والقدرات الثقافية والحنكة السياسية لتفكيك داعش“. يُظهر الكاتب ”الصوفية“، تماماً كما تفعل الصحافة الغربية غالباً، كتلة متراصة، ويفوته ذكر اختلاف طرقها، والتأثيرات الثقافية والسياسية فيها، وتحديداً علاقتها بالأنظمة العربية منذ نهاية حقبة الاستعمار الأوروبي.
والأعمال الأكاديمية الغربية أفضل من وثّق هذه الحقائق وغيرها عن الاسلام. مثلاً، الأكاديمي الأميركي إيرا لابيدوس أرّخ في كتابه ”تاريخ المجتمعات الإسلامية“ (1988)، اختلافات، ليس على صعيد المذاهب والطرق فقط بل أيضاً مجتمعياً وطبقياً. الممارسات والمفاهيم الدينية، حتى ضمن المذهب والطريقة نفسها، تختلف بين الطبقات الاجتماعية، تُجاراً وملاكي أراضي وعمالاً وفلاحين، وبين الأرياف والمدن، علاوة على اختلاف البلدان والثقافات المحلية. والصوفية ليست كلها حباً وانفتاحاً على الآخر، وفقاً للصورة الرومنسية الرائجة لها حالياً، بل لعبت دوراً قيادياً في الثورات المسلحة والدموية ضد الاستعمار في شمال افريقيا، وفي الترويج للاستبداد ومعارضته أيضاً. بل حتى كان ارتباط بعض الصوفيين بالسلطة، سبباً لسلفنة بعض الناقمين عليها، والعكس صحيح بحسب توزع الأدوار في الدولة. 
هذا الاختلاف بين الصوفيين أنفسهم يظهر في سوريا حيث شارك بعض مشايخ الطريقتين الشاذلية والنقشبندية في الانتفاضة على حكم الرئيس السابق حافظ الأسد، في حين أيده آخرون، سيما في دمشق. الشيخ محمد معشوق الخزنوي الذي اغتاله النظام السوري عام 2005 كان من مشايخ الطريقة النقشبندية التي يُنسب اليها الشيخ مروان حديد مؤسس ”الطليعة المقاتلة“. والأخيرة تسرّب منها كثيرون إلى حركة طالبان الأفغانية وتنظيم القاعدة، تماماً كما تسرّب مقاتلو رجال الطريقة النقشبندية في العراق الى ”داعش“.
لكن هذه التفاصيل غير مهمة لوسائل اعلام أعلنت مراراً ”اكتشاف“ الصوفية حلّاً لمشكلاتنا، تماماً كما كان غزو العراق عام 2003، وعمليته ”الديموقراطية“، خطوة أولى باتجاه دمقرطة العالم العربي بأسره!