2024-11-24 04:41 م

«البحيرات العظمى» منطقة المذابح والموارد الاستراتيجية..

2017-02-25
تنظم وزارة الخارجية المصرية ورشة عمل في 27 فبراير الجاري، لمناقشة قضايا منطقة البحيرات العظمى، التي تعاني من العديد من المشاكل، وذلك بمشاركة العديد من الدول الإفريقية والمجتمع الدولي، ورغم أن هذه الورشة  تحظى باهتمام المتابعين الدوليين، في ضوء الدور المصري الفاعل في هذه المنطقة، التي تمثل العمق الاستراتيجي لمصر في القارة الإفريقية، إلا أن الكثير لا يعرف شيئًا عن هذه المنطقة.
 السفير محمد إدريس، مساعد وزير الخارجية، قال في تصريحات صحفية له، إن القاهرة ستستقبل عددًا من وزراء الخارجية والقيادات الإقليمية لدول منطقة البحيرات العظمى، فضلا عن مبعوثي الأمم المتحدة إلى المنطقة خلال ورشة العمل، التي ستعني ببحث التهديدات الأمنية التي تواجه المنطقة، واستراتيجيات عمليات حفظ السلام فيها، ودور المجتمع المدني في البحيرات العظمي للمساهمة في تسوية المنازعات وإحلال السلام بالمنطقة.
وتعطي مصر اهتمامًا في هذه الورشة بقضايا البحيرات العظمى ومنها الأوضاع في جنوب السودان، والأزمة البوروندية، والأوضاع في الكونغو الديمقراطية، وتطورات عملية السلام في إفريقيا الوسطى،  ولكن ماهي منطقة البحيرات العظمة وما مشكلاتها؟
"البحيرات العظمى" هي منطقة تضم بحيرات فيكتوريا وتنجانيقا ونياسا وتوركانا وألبرت وكيفو، بجانب نهر النيل، وتشمل المنطقة حاليًا دول بوروندي ورواندا وأوغندا والكونغو الديمقراطية وتانزانيا، وتسودها صراعات عرقية قادت إلى مذابح رهيبة متبادلة بين أطرافها.
وتضم المنطقة دولاً تربطها علاقات وطيدة ومصالح حيوية بمصر، وهي: السودان، جنوب السودان، أوغندا، رواندا، بوروندي، كينيا، تنزانيا، الكونغو الديمقراطية، أنجولا، إفريقيا الوسطى، زامبيا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتضم بحيرات فيكتوريا وتنجانيقا ونياسا وتوركانا وألبرت وكيفو، بجانب نهر النيل.
هذه المنطقة أغنى مناطق إفريقيا بالماء، فهي خزان ماء ضخم وهي منبع نهر النيل، إضافة إلى ذلك بها شلالات إنجا (Inga Falls) التي تكفي لسد احتياجات القارة الإفريقية من الطاقة الكهربائية.
ويمتاز هذا المكان أيضًا بالثروات الطبيعية، فهناك مخزون هائل من المعادن ذات الأهمية الاستراتيجية، مثل اليورانيوم، والكوبالت، والنحاس، والماس، والذهب، والأحجار الكريمة، بجانب ذلك أن شلالاتها تمكن أن تولد طاقة كهربية تكفي لسد احتياجات القارة الأفريقية بأكملها.
أما عن الناحية الإستراتيجية فيه ذات أهمية بالغة للدول الإفريقية والعربية والأجنبية، فطبيعة الترتيبات الإقليمية السائدة في المنطقة تعكس دائما مصالح القوى الإقليمية والدولية الفاعلة، ويرتبط الأمن القومي العربي في امتداده الإفريقي أيضا بتلك المنطقة، حيث منابع النيل الذي تعتمد عليه كل من مصر والسودان.
كل هذه المميزات وغيرها جعل الصراع يدب في المنطقة سالفة الذكر، هذا الصراع أفضى إلى تحالفات وارتباطات إقليمية على أساس قبلي مثل الارتباط بين نظام حكم الرئيس يوري موسوفيني في أوغندا وحكم الأقلية من التوتسي في كل من رواندا وبوروند. 
وعلى الصعيد الدولي فإن المميزات العديدة لهذه المنطقة، جعلت أمريكا تجسد خطط استراتيجية لربط البحيرات العظمى بمنطقة القرن الأفريقي، لضمان مصالحها في المنطقة.
ومن قديم الأزل تعتبر هذه المنطقة أماكن شد وجذب بين الدول الإفريقية ،إلا أن حديثا أصبحت مطمعا في استيطانها أو الاستئثار بخيراتها.
تاريخ الصراعات في هذه المنطقة يعود إلى طبيعة الترتيبات والتوازنات الإقليمية فيها، بالإضافة إلى مصالح القوى الدولية الفاعلة، وتعود جذورها إلى عام 1972، بسبب إشكالية التفاعلات العدائية بين كل من التوتسي والهوتو في رواندا وبوروندي وتأثيرات ذلك على دول الجوار المحيطة، لاسيما دول الكونغو الديمقراطية وأوغندا وتنزانيا، وذلك بسبب تصرفات وسياسات النظام الحاكم في الكونغو، والتي أشعلت المنطقة منتصف التسعينيات.
المشكلة تكمن في أن سكان كل من رواندا وبوروندي تتكون من ثلاث جماعات عرقية هي: الهوتو (85%) والتوتسي (14%) والتوا (1%)، والجماعة الأخيرة تعد من الأقزام الذين يقطنون مناطق غرب البحيرات العظمى في الغابات الاستوائية بوسط إفريقيا، مما أدى هذا الاختلاف بمسألة هوية الكونغوليين من أصل رواندي (بانيا رواندا) سواء كانوا من التوتسي أو الهوتو أو التوا. 
وبدأ الصراع العسكري في المنطقة عام 1990، حينما أنشأت المعارضة المسلحة لنظام الرئيس جوفينال هابياريمانا بين صفوف التوتسي الذين يعيشون في المنفى لاسيما في أوغندا، فهؤلاء قدموا الدعم لقوات يوري موسوفيني حتى تمكنت من الوصول إلى السلطة في أوغندا، ونتيجة ذلك تم تشكيل الجبهة الوطنية الرواندية التي استطاعت غزو شمال رواندا عسكريافي ذات السنة، وعلى إثر ذلك حدثت هجرات واستقرار من جانب جماعات بانيا رواندا فى الكونغو في لحظات تاريخية متفاوتة ولأسباب مختلفة.
 فالبحيرات العظمى شكلت في فترة معينة منطقة جذب تجاري لبعض الدول القوية نسبيا مثل رواندا قديمًا، فكانت بلجيكا قامت بإدارة كل من (الكونغو ورواندا – أوروندي) كإقليمين منفصلين باستخدام جيش واحد وحاكم عام واحد اتخذ مقرا له مدينة كينشاسا، في فترة الاحتلال منذ 1920 وحتى خمسينيات الفقرن الماضي.
ونقلت بلجيكا حينها آلاف المزارعين الروانديين إلى شرق الكونغو في مقاطعات ماسيسي وتشورو وواليكالي، شمال كيفو في الفترة ما بين 1937-1955، وجندت آلافا آخرين للعمل فى المناجم ومؤسسات النقل والزراعة فى مقاطعات شابا وجنوب كيفو طوال الحقبة الاستعمارية.
خلق هذا مشكلة الهوية والمواطنة في المنطقة، أدت إلى صراع في الكونغو، وبدأت المشكلة تتفاقم تدريجيًا، عندما تزايدت أعداد الـ "بانيا رواندا" بفعل الزيادة الطبيعية في المواليد والهجرات الجماعية بعد استقلال كل من رواندا وبوروندي.
وحاول الـ بانيا رواندا لاسيما المولينغي منهم استغلال مكانتهم الاقتصادية المتميزة ومركزهم السياسي المتصاعد في الحصول على مزيد من الأراضي فى المقاطعات المزدحمة بالسكان شمال وجنوب كيفو.
أدى هذا إلى حرب أهلية واقتتال داخلي في الكونغو، تطور الأمر إلى رواندا وأوغندا أيضًا، مما جعلت الكونغو تقيم تحالف مع أنجولا وزيمبابوي وأفريقيا الوسطى وتشاد والسودان.
وأدى الصراع في الكونغو وارتباطه وتداخله مع الصراعات التي تشهدها منطقة البحيرات العظمى ككل يجعل حسمه لصالح أحد الأطراف معقدًا، في ظل غياب القيادة السياسية التي تحظى باحترام وقبول كافة الجماعات.
وتساهم مصر بقوات في بعثتي حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية وإفريقيا الوسطى في إطار الحرص المصري على معالجة قضايا منطقة البحيرات العظمى، وتوفير مستقبل أفضل لشعوبها.
وتسعى القاهرة من خلال ورشة العمل سالفة الذكر وبحضور وزراء دول منطقة البحيرات العظمى إلى حفظ السلام بالمنطقة وتسوية المنازعات في إفريقيا.