2024-11-24 06:52 م

هل يدخل ترامب في مجابهة مع الصين؟

2017-02-24
دوغ باندو وجون فيفر
منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض رئيساً للولايات المتحدة، وعلى ضوء مواقفه المعلنة خلال الحملات الانتخابية بشأن العلاقات مع الصين الشعبية، ارتفع سؤال حول شكل العلاقات المستقبلية بين واشنطن وبكين. هل ستكون صدامية أم سيتم التوصل إلى صيغة للتعايش على أساس مراعاة المصالح المشتركة؟
الأجوبة التي قدمت لم تحسم الموقف، ولا إدارته حددت مواقفها، لكن الشكوك ظلت قائمة حول الاتجاه الذي ستكون عليه هذه العلاقات، ذلك أن تصعيد التوتر مع الصين قد يقود إلى مجابهة عسكرية، ونتائجها ستكون كارثية ليس على البلدين إنما على العالم بأسره، إلا أن التصرف بعقلانية يقود إلى التعاون ويخفف من حدة التوتر بين البلدين وفي منطقة جنوب شرق آسيا.


جون فيفر ودوغ باندو ناقشا في مقالين منفصلين مستقبل العلاقات الصينية - الأمريكية واحتمالاتها سلماً أو حرباً.
يرى دوغ باندو، أن النزاعات كثيراً ما تتفجر خلال التحولات في موازين القوى العالمية. وقد تطلب الأمر حربين عالميتين من أجل تحديد دور كل من بريطانيا وألمانيا، ولكن فقدت كلتا القوتين قوتها العالمية، ولو أن ألمانيا الخاسرة عسكرياً أصبحت اليوم قوة اقتصادية أكبر من بريطانيا. وبينما معظم دول أوروبا ستقاتل من أجل أشياء صغيرة، فإن روسيا ضربت في الآونة الأخيرة دولتين مجاورتين ضعيفتين لكي ترغم الولايات المتحدة على احترام مصالحها.
والآن، لم تصل الأمور بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية إلى حد النزاع، ولكن التوترات التي تصاعدت قبل وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تبرز المخاطر المحتملة للفتور بين القوتين. والولايات المتحدة تواصل الإصرار على الهيمنة العالمية، بالرغم من أن العالم يمانع أكثر فأكثر التعاون معها، في حين أن الصين لا تظهر أي استعداد للانقياد لأمريكا.
ومنذ انتهاء الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة الدولة الأكثر نزوعاً للتنازع في العالم، وهي تملك أقوى جيش في العالم. ولكن واشنطن اعتادت استخدام القوة العسكرية أو التهديد باستخدامها ضد أقزام: هايتي، وبنما، وأمراء الحرب في الصومال، وصرب البوسنة، وصربيا، وطالبان أفغانستان، والعراق، وليبيا، و«داعش». ومعظم هذه النزاعات انتهت بشكل غير مرضي، وحتى بشكل محرج أحياناً. 
يضيف: أي اندفاع نحو حرب مع الصين سيكون أسوأ بكثير. إذ إن الصين تملك أسلحة نووية - أقل بكثير مما تملكه أمريكا ولكن لديها ما يكفي لإنزال الموت والخرب في أي دولة مستهدفة. وجيش التحرير الشعبي لن يكون مخاصماً ضعيفاً، والصين أكبر من أن تتعرض لغزو واحتلال.
كما أن المناخ الدولي ليس مواتياً لهيمنة أمريكية. فقد أنهت إدارة أوباما الانفتاح الاستراتيجي العظيم على الصين الذي أطلقه ريتشارد نيكسون، فدفعت بذلك الصين وروسيا إلى مواجهة السياسة الأمريكية القائمة منذ عقود على إحداث انقسام بين موسكو وبكين. والنهج العسكري لواشنطن يشجعهما الآن على التعاون. وحتى حلفاء أمريكا المجاورون للصين لا يرغبون في نزاع يسعى إليه صقور الجمهوريين في أمريكا.
أردف باندو في مقاله: الأسوأ من ذلك هو أنه حتى انتصار أمريكي في حرب لن يفعل سوى تهيئة المسرح لنزاع آخر في المستقبل، تماماً كما تبين أن معاهدة فرساي (التي أنهت الحرب العالمية الأولى) لم تكن سوى هدنة استمرت لجيل واحد بينما كان المتحاربون يعيدون بناء قوتهم. وعلى واشنطن وبكين أن تنظرا إلى المستقبل وتختارا مساراً مختلفاً. لذا يتعين على الولايات المتحدة أن تتعلم من سياسة بريطانيا العظمى تجاه صعود العملاق الأمريكي. فبعد أن خاضت حربين مع مستوطنيها المستعمرين ذاتهم، اختارت بحكمة السلام، بالرغم من مطالب أمريكا غير المعقولة آنذاك، حيث قبلت الإملاء الأمريكي باستبعاد القوى الأوروبية من أمريكا اللاتينية، وقبلت التكافؤ في القوة البحرية مع أمريكا، وفي النهاية قبلت التفوق الأمريكي. ونتيجة لذلك، تستمر شراكة دولية مهمة حتى اليوم.

ولسوء الحظ، تبدو إدارة أوباما ميالة إلى التنازع. والرئيس ترامب يبدو مصمماً على إطلاق حرب تجارية ضد الصين، ويعتقد على ما يبدو أن من الممكن ترهيب الصين بحيث تفرض تغييراً للنظام في كوريا الشمالية. وترامب يصب زيتاً على العلاقة مع بكين. وللأسف، لم يطل الأمر حتى اشتعل الفتيل، كان اعتراض الصين واحتجازها لغواصة آلية أمريكية في بحر الصين الجنوبي. وقد تصرفت الصين بروية وأعادت الغواصة إلى الولايات المتحدة.

ولكن واشنطن تكاد تندفع نحو نزاع، رغم أنه ليس هناك تصادم حول مصالح حيوية، ولا أي نزاع حول الأراضي. والصين لا تهدد بغزو أمريكا أو السيطرة على ممتلكات أمريكا في المحيط الهادي. وليس هناك خطر سيطرة صينية في آسيا. بل على العكس، الصين مطوقة بخصوم محتملين - الهند، روسيا، كوريا، فيتنام واليابان - بعضهم مدعوم من أمريكا.

ويعتقد باندو أن من المحتمل أن ترامب يلعب لعبة جيو - سياسية من أجل تحقيق مكاسب دبلوماسية. وإذا كانت هذه هي الحال، فهو سيحتاج إلى أكثر من الوعيد والاستفزاز. سوف يحتاج إلى تخطيط مدروس كي لا تقابل سياساته برد فعل عنيف. إن السلام والأمن لأمريكا والصين، وفي شرق آسيا، معرضان للخطر.

هل يدخل ترامب في مجابهة؟
أما جون فيفر، فيرى أن الهدف من أول زيارة إلى الخارج يقوم بها وزير الدفاع الأمريكي الجديد جيمس ماتيس وشملت اليابان وكوريا الجنوبية، هو الحد من الأضرار أكثر من أي شيء آخر. إذ إن رئيسه دونالد ترامب كان قد هدد بتصعيد التوتر مع الصين ومنع كوريا الشمالية من إطلاق أي صواريخ بالستية قادرة على حمل رؤوس نووية (ولو أنه لم يوضح كيف يمكن أن يفعل ذلك). كما اتهم ترامب اليابان بخفض قيمة عملتها من أجل تحقيق مكاسب تجارية على حساب الولايات المتحدة. وطالب ترامب أيضاً اليابان وكوريا الجنوبية بتحمل جزء أكبر من تكاليف تحالفهما مع أمريكا. وفوق كل ذلك، سحب ترامب الولايات المتحدة من اتفاقية الشراكة عبر الهادي التي سبق أن عملت واشنطن بجهد كبير طوال سنين من أجل إقرارها.
وخلال زيارته إلى طوكيو وسيؤول، أدلى ماتيس بالكثير من التصريحات الهادفة إلى طمأنة هاتين الحليفتين المهمتين، وذهب حتى إلى حد مناقضة تصريحات رئيسه عندما قال: إن اليابان وكوريا الجنوبية تدفعان حصة عادلة، وإن الجيش الأمريكي سيقف بقوة خلف هذين البلدين. وربما يكون الأهم من كل ذلك هو تأكيده أن الدبلوماسية، وليس القوة العسكرية، هي الوسيلة المناسبة لحل نزاعات مثل النزاع الدائر في بحر الصين الجنوبي (بين الصين وجيران آسيويين). 
ويتساءل فيفر: المسألة الجوهرية الآن هي ما الذي تريده إدارة ترامب في آسيا.؟ ويرد على سؤاله بالقول: بإمكانها أن تتمسك بالوضع القائم حالياً، أو أن تكمل ما حاولته إدارة أوباما وفشلت في تحقيقه، وهو تطبيق استراتيجية «الانعطاف» نحو آسيا بحيث تحول الولايات المتحدة تركيزها العسكري والاقتصادي من الشرق الأوسط نحو آسيا - بهدف تطويق واحتواء الصين. 
ويضيف: خلال ولايتيه الرئاسيتين، تمكن الرئيس أوباما من تحويل جزء من تركيز السياسة الخارجية الأمريكية نحو آسيا - المنطقة الأكثر غنى والأكثر عسكرة في العالم. والولايات المتحدة تواصل تشجيع اليابان على التخلص من قيود «دستورها السلمي». كما أنها عززت علاقات الولايات المتحدة مع فيتنام على أساس المخاوف المشتركة إزاء الصين، وأقنعت الفلبين بإعادة نشر قوات عسكرية أمريكية في أراضيها، كما أقنعت كوريا الجنوبية بالتخلي عن تحفظاتها إزاء نشر نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي «ثاد» في أراضيها (وهو ما أثار انتقادات صينية وروسية).

وهذه التطورات عززت بالتأكيد الوضع القائم في آسيا، إلا أنها لم تضف شيئاً جوهرياً إلى «الانعطاف» نحو آسيا. إذ إن إدارة أوباما لم تستطع، مثلها مثل الإدارتين اللتين سبقتاها، إعادة توجيه قسم مهم من القوات العسكرية الأمريكية من أوروبا والشرق الأوسط إلى منطقة آسيا - الهادي. وهي لم تستطع فعلياً استكمال إنجاز اتفاقية الشراكة عبر الهادي، ولا التنافس بفعالية مع الصين في اقتصاد منطقة آسيا.

فعلى الرغم من رغبة إدارة أوباما المعلنة في الحد من الخسائر في أفغانستان والعراق والانسحاب من هذين البلدين، إلا أنها لا تزال غارقة في مستنقعي البلدين. والحرب على تنظيم «داعش» حلت محل التركيز العسكري في المقام الأول على القاعدة وطالبان.
ويقول فيفر في مقالته: واستناداً إلى خطاب ترامب خلال حملته الانتخابية، فهو لم يكن مهتماً حقاً بالانعطاف نحو آسيا، وإنما بانعطاف من نوع آخر داخل أمريكا ذاتها. فقد شدد على شعار «أمريكا أولاً»، ما أوحى بأنه قد يقلص الالتزام العسكري الأمريكي في الخارج من أجل إعادة توجيه موارد أكبر نحو إعادة بناء البنى التحتية والاقتصاد في أمريكا ذاتها. ولكن ترامب سرعان ما بدد هذه الأوهام عقب توليه الرئاسة، حيث قبل إجراء محادثة هاتفية مع رئيسة تايوان، ما شكل خروجاً عن السياسة الأمريكية المعتمدة وتبني موقف متشدد إزاء بكين. كما أنه بدأ يمهد لزيادات كبيرة في الإنفاق العسكري الأمريكي.

ويضيف: إدارة ترامب تعتبر الصين التهديد الجدي الوحيد للقوة الأمريكية في العالم. ومع أن الإدارات الأمريكية السابقة اعتمدت استراتيجية تقضي باحتواء الصين عسكرياً والارتباط معها اقتصادياً، إلا أن إدارة ترامب تبدو مهتمة الآن فقط بالدخول في مجابهة مع الصين. وينتهي إلى القول، يبدو أن الرئيس الصيني شي جينبينغ يهيئ بلاده لقيادة الاقتصاد العالمي في غياب ولايات متحدة تتجه نحو الحمائية. ومن الممكن أن يدرك ترامب في النهاية، وهو أصلاً رجل أعمال، ما أدركه جميع الرؤساء الأمريكيين الذين سبقوه، وهو أن الصين أكبر من أن يستطيع تجاهلها وأقوى من أن يستطيع استعداءها.