2024-11-27 08:49 م

رحلة الى سد النهضة الاثيوبي

2017-02-24
يتطلب الوصول إلى موقع سد النهضة، الواقع على بُعد 20 كيلومتراً عن الحدود السودانية الإثيوبية، رحلة شاقة تستغرق أربع ساعات، تقطعها سيارات ذات دفع رباعي، بصعوبة ومشقة من مدينة أصوصا التي يصلها الزائر جواً من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. السد المثير لخلافات عميقة بين إثيوبيا ومصر، والذي يُعتبر السد الكهرومائي الأضخم في أفريقيا، يقع في وادٍ تحيط به الجبال من الجهتين الشمالية والجنوبية، قريباً من قوبا التي تبعد 235 كيلومتراً عن أصوصا، العاصمة الإدارية لإقليم بني شنقول. تتوزع قرى ريفية متناثرة على طول الطريق الرابط بين موقع السد ومدينة أصوصا عاصمة إقليم بني شنقول الذي يتمتع بحكم ذاتي ويتحدث سكانه اللغة العربية، كما تتداخل قبائله مع السودان. جعل السد هذا الإقليم تحت الأنظار، وانتعش الاقتصاد والسياحة فيه بعد إنشاء مشروع سد النهضة، إذ تحوّلت عشرات القرى المتناثرة في الطريق المؤدي إلى مدنٍ صغيرةٍ تُقدّم خدمات على طول الطريق البالغ 235 كيلومتراً إلى سد النهضة.
لا تتوقف الحركة في محيط مشروع سد النهضة ليلاً ونهاراً، منذ بدأ العمل في المشروع قبل 4 سنوات، ويُنتظر افتتاحه في يوليو/تموز من هذا العام. لكن الزائر المنبهر بهذا الحراك المتواصل، يُفاجأ بتحول المشهد في أعلى السد إلى النقيض، حيث توجد مدينة سياحية، تتميز بحركة ليلية لا تهدأ، وسط عدد من أحواض السباحة المنتشرة في الجوار، إضافة إلى مطاعم فاخرة، تحيطها من كل جانب استراحات للعمال والسياح، وقاعات للتمارين الرياضية، وملعب رياضي متعدد الاستخدامات محاط بسور، ذلك أن ورشة السد أنشأت مدناً كاملة تتكل أساساً على حياة آلاف العمال والمهندسين وأسرهم والسياح إلى منطقة السد. كما تمت إقامة مستشفى مجهز بأحدث التقنيات والمعدات الطبية، لتوفير الرعاية الصحية للعاملين والسياح الزائرين للسد.
وتُقدّر جهات تتابع تنفيذ المشروع عن قرب، انتهاء حوالي 70 في المائة من أعمال بناء المشروع، إلا أن الحكومة الإثيوبية تقول إن ما تم إنجازه إلى الآن يساوي 54 في المائة فقط. وتحتوي الجهة اليمنى من السد على 10 وحدات توليد للكهرباء، يتبع كل وحدة فيها عدد من التوربينات بطاقة إنتاج تبلغ للواحدة 375 ميغاواطاً، ليصل مجموع إنتاج الوحدات بالكامل إلى 3750 ميغاواطاً من الطاقة الكهربائية، فيما تحتوي الضفة اليسرى للسد الرئيس على 6 وحدات تنتج الواحدة منها 375 ميغاواطأ، ليصل بذلك مجموع إنتاج الوحدات في هذه الضفة إلى 2250 ميغاواطأ من الكهرباء. 
ويُنتظر أن تبلغ تكلفة إنشاء سد النهضة، أكثر من 5 مليارات دولار، بدلاً من 4.8 مليارات دولار كانت مرصودة له عند بداية العمل فيه، فيما يبلغ عدد العاملين بالمشروع في الوقت الحالي عشرة آلاف وخمسمائة عامل، و350 فنياً ومهندساً، جاءوا من 35 دولة في العالم، بحسب مدير المشروع سمنياو بكلي، الذي أكد أن الهدف الأساسي من بناء سد النهضة هو توليد الطاقة، وتعزيز التنمية الصناعية في بلاده.
من جهته، شدد وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي سلشي بقلي، على أهمية سد النهضة كمشروع تنموي سيساعد إثيوبيا للانتقال من الزراعة إلى التصنيع. وقال في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن سد النهضة لن يُلحق ضرراً بدول المصب، مؤكداً العمل المشترك بين دول شرق النيل، مصر والسودان وإثيوبيا. وكشف أن بلاده بدأت في إنشاء شبكة لنقل الكهرباء إلى دول الجوار، أي جيبوتي وكينيا والسودان في المرحلة الأولى، مشيراً إلى أنه في المرحلة الثانية ستتوسع لتشمل دول شرق أفريقيا، معلناً أن طموحات إثيوبيا كبيرة لتصدير الكهرباء إلى الشرق الأوسط وأوروبا. وأوضح أن الطاقة الإنتاجية لسد النهضة تبلغ 6 آلاف ميغاواط وأن إثيوبيا تسعى لرفع الطاقة الإنتاجية إلى 17 ألف ميغاواط سنوياً، مشيراً إلى أن احتياجات إثيوبيا تضاعفت مع خطة الانتقال إلى التصنيع وتزايد الاستثمارات. وقال إن سلسلة سدود "جلجل جيبي 3" دخلت الخدمة وبدأت تنتج الطاقة الكهربائية، لافتاً إلى أن "الإنتاج الأولي 4 آلاف ميغاواط، فيما جهودنا تنصب من أجل رفع الطاقة إلى عشرة آلاف ميغاواط من الكهرباء عبر سلسلة من المشاريع مثل الطاقة الشمسية والطاقة الهوائية والسدود لتلبية الاحتياجات الضرورية في البلاد".
من جهته، قال مدير المشروع المهندس سمنياو بكلي، لـ"العربي الجديد"، إن مساهمات الإثيوبيين في دعم المشروع بلغت حتى الآن تسعة مليارات بر إثيوبي (نحو 400 مليون دولار)، مشيراً إلى أن مساهمات وتبرعات المواطنين من شراء السندات المالية التي طُرحت، ستصل إلى أكثر من 11 مليار بر (نحو 485 مليون دولار) عند اكتمال العمل في المشروع. وأوضح بكلي، أن أكثر من 200 ألف سائح محلي وأجنبي زاروا مشروع سد النهضة الإثيوبي منذ بدء العمل فيه في إبريل/نيسان 2011، مبرراً أسباب ارتفاع التكلفة الإجمالية لبناء السد من 4.8 مليارات دولار، إلى 5 مليارات دولار، بارتفاع أسعار المعدات الأولية والتضخم الذي تشهده الأسواق العالمية.
وقال مدير المشروع إن تخزين المياه لتعبئة السد لن يؤثر على حصة مصر والسودان وإن فترات التعبئة تأخذ في الاعتبار مصلحة البلدين، نافياً إغلاق مجرى نهر النيل خلال المدة المقررة لملء بحيرة السد، لافتاً إلى أن إثيوبيا أصبحت تمتلك خبرات واسعة في مجال بناء السدود، ومؤكداً أن بلاده "ستكون الأولى على مستوى أفريقيا في مجال مشروعات إنتاج الطاقة".
وتتواصل عمليات البناء بجانب السد الأساسي، إذ يُبنى سدٌ جانبي داعم بطول خمسة كيلومترات، وارتفاع 50 متراً، وتعمل فيه ثلاث مجموعات من العمال بالتناوب على مدار 24 ساعة. كما تُجرى في مكان قريب من السد، أعمال مكثفة لتوسعة المساحة التي سيتم فيها تخزين المياه خلف السد، فيما تقوم كسارات ضخمة للحجارة بالعمل على مدار الساعة لاستخراج آلاف الأطنان من الحجارة التي تدخل في مكونات جسم السد الجانبي. أما كمية الإسمنت التي سيستهلكها المشروع فتقدر بـ10,5 ملايين طن.
وأفاد بكلي، بأن ارتفاع السد الكُلي سيبلغ بعد اكتمال العمل في الضفتين اليمنى واليسرى حوالي 645 متراً، وهو ارتفاع الجسم الكامل للسد، موضحاً أنه يتم الآن بناء قناة لتصريف المياه الفائضة خلف السد من الجهة اليمنى، في حال ارتفاع نسبة المياه كي لا تتجاوز ارتفاعاً قدره 640 متراً، في حين تم وضع احتياطيات أخرى للتصريف في حالة الطوارئ.
وأشار إلى أن حجم مياه البحيرة المخزنة أمام السد، تُقدر بـ74 مليار متر مكعّب، وأن المساحة التي ستغمرها مياه البحيرة تبلغ 1.874 كيلومتراً. كما سيتم الاستفادة من موقع السد في تنمية المنطقة سياحياً، إذ سيتم بناء منتجعات سياحية حول البحيرة لجعلها إحدى الوجهات السياحية العالمية. وأكد أن "هناك فوائد أخرى عديدة للمشروع كتنظيم جريان النهر، وتقليل كميات الطمي المترسبة، والحد من التبخر، وتوفير المياه من خلال انسيابها إلى باطن الأرض مما سيوفر مخزوناً كبيراً من المياه الجوفية، إلى جانب تعزيز التعاون بين دول المنطقة من خلال توفير الطاقة الرخيصة"، مضيفاً أنه سيتم إنشاء أكبر مركز لصيد الأسماك، كما سيصبح السد منطقة للتنوع البيئي والحيوي.
عن "العربي الجديد"