2024-11-25 05:17 م

هيمنة أمريكا على العالم ستنتهي بحلول 2030

2017-02-12
عبدالرحمن النجار

تتربع الولايات المتحدة على عرش زعامة العالم منذ مدة طويلة للغاية كقطب أوحد، رغم محاولات على استحياء من جانب روسيا لاستعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي السابق، وسعي صيني حثيث للصعود كقطب قادر على توجيه دفة الأحداث في العالم. لكن تقريرًا على موقع المنتدى الاقتصادي العالمي يبشر بقرب أفول نجم الإمبراطورية الأمريكية، بحلول العام 2030 تحديدًا.
يدعونا التقرير إلى توقع حقبة من عدم الاستقرار، إذ أن النظام العالمي القائم منذ أواسط القرن العشرين على شفا الانهيار، حيث ستتغير خريطة العالم بشكل جذري، ولن تبقى السيطرة في يد قطب أوحد، مثلما هو سائد الآن. سينقسم العالم إلى تحالفات تحت قيادة كل من أمريكا والصين وروسيا وألمانيا والهند واليابان، وسيكون لبعض الجماعات تأثير قوي في مجريات الأحداث. ويتوقع التقرير أن تظهر نزعات استعمارية لدى القوى الكبرى، وستكتسب المدن العملاقة نفوذًا هائلاً.
تجتاح العالم موجة غير مسبوقة من الإرهاب، ارتفعت على إثرها أسهم النزعات القومية والشعبوية والاستبداد والأفكار الرجعية رغم ما أصابها من ضعف في العقود القليلة الماضية، وفقدت الديمقراطية والليبرالية أرضيتها الصلبة وباتت تنحسر شيئًا فشيئًا لصالح الديكتاتورية. تسعى الدول العظمى إلى توسيع نطاق سيطرتها على العالم، وفي الوقت ذاته تحاول غلق حدودها والانكفاء على نفسها. وانفجرت موجة نزوح هي الأعنف على الإطلاق، ونسي العالم مشكلة الاحتباس الحراري، فبات القلق وعدم الشعور بالأمان العنوان الرئيس لعالم اليوم.
يشير التقرير إلى أن العالم توقع أن تكتب العولمة شهادة وفاة الدول القومية، وأن القيم الديمقراطية والليبرالية ورأسمالية السوق ستتوج منتصرة. وقد توقع مفكرون كُثر هذا الأمر، مثل فوكوياما الذي توقع نهاية التاريخ واندثار الدول القومية، ومن قبله إنجلز الذي تنبأ بأن تقضي الاشتراكية على الدول القومية.
نهاية التاريخ
اتضح أخيرًا أن شائعات موت الدول القومية لم تكن سوى أوهام لدى المبشرين بها، يقول التقرير. فلم تحل نهاية العالم، وليست القيم الديمقراطية هي السائدة. ينقل التقرير عن ميشا جليني قوله إن «فوكوياما وغيره قد أغفلوا الغطرسة الغربية وجشع الرأسمالية الذي تسبب في الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008. وقد أحيا ذلك أنماط الحكم القومية غير الديمقراطية، وامتدت تلك الأنماط لتصل إلى أوروبا بعد أن ترسخت في كل من روسيا والصين».
وعلى ما يبدو، فإن الدول الكبرى باتت تستعد للمرحلة المقبلة التي يُتوقع أن تشهد مواجهات بين الدول. فقد بلغ حجم الإنفاق العسكري في العام المنصرم تريليونًا و600 مليار دولار على مستوى العالم. وجاءت أمريكا والصين وروسيا والهند واليابان وألمانيا على رأس قائمة أكثر الدول إنفاقًا على شراء الأسلحة، وكذا إسرائيل والسعودية من الشرق الأوسط.

ويتوقع التقرير أن تظل الدول الستة سالفة الذكر هي المهيمنة على الاقتصاد العالمي حتى عام 2030 لأنها تتمتع بأعلى إجمالي إنتاج محلي. وقد تنضم إليها كندا وفرنسا وإيطاليا والمكسيك وإندونيسيا وحتى البرازيل (إذا ما سوت أزمتها السياسية). وستبقى تلك الدول هي الراعي الرئيسي للعلاقات الدولية ومفتاح ضبط إيقاع الأسواق العالمية ومنع نشوب حروب جديدة.
لم تعد الدول القومية هي الفاعل الوحيد في السياسة الدولية، فقد ظهرت أشكال مختلفة من أنماط الحكم والنفوذ. تقول آن-ماري سلوتر «إن الدول القومية تمارس السياسة على الطريقة التقليدية وكأنها لعبة شطرنج، لكن شبكات المال والأعمال والمنظمات المدنية والإجرامية هي المحدد للسياسات التي يتخذها زعماء الدول». وترى سلوتر أن على النساء المنخرطات في العمل السياسي تعلم كيفية تكوين تلك الشبكات من أجل حشد واستخدام قدرات المنظمات غير الحكومية.
باتت المدن الكبرى تنافس الدول في ميدان السياسة والاقتصاد، يقول التقرير، فمدينة مثل مكسيكو سيتي بها قوة شرطية تفوق نظيراتها في 115 دولة، بينما تزيد ميزانية مدينة نيويورك على ميزانيات 160 دولة بمبلغ يقدر بـ82 مليار دولار. وتعقد بعض تلك المدن اتفاقات مع دول أخرى في كافة مجالات البنية التحتية مثل النقل والاتصالات. وقد تغيرت فكرة الانتماء لدى بعض مواطني تلك المدن، فأصبحوا يتفاخرون بانتمائهم لمدينتهم أكثر من انتمائهم لوطنهم.
أربع تهديدات تحاصر الدول القومية
رغم تمتعها بقدرات هائلة تساعدها على البقاء، يتوقع التقرير أن تواجه الدول القومية مجموعة من التحديات. فأولاً، يمر النظام العالمي بمرحلة من الاضطراب تشهد إعادة ترتيب للقوى بين حفنة من الدول بما قد يزيد من مخاطر اندلاع حروب في المستقبل، حيث يزداد نفوذ دول مثل الصين والهند بشكل سريع في مواجهة الولايات المتحدة وأوروبا. وتعمل دول القارات اللاتينية والأفريقية والآسيوية على إنشاء تحالفات جديدة لتحل محل التحالفات التي دشنتها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية. ينقل التقرير عن الخبير في العلاقات الدولية باراج خانا قوله «ستواصل الدول الكبرى سعيها الحثيث للسيطرة على مصادر الطاقة والتكنولوجيا، بينما سيتعين على الدول الصغرى التكتل مع بعضها البعض، وإلا سُحقت في هذه المنافسة».
ثانيًا، بات للكيانات الخاصة دور عظيم في تولي وظائف هامة في الدول. وقد أدت اللامركزية إلى صعود أشكال مختلفة من النظم الإدارية. في الواقع، لقد تخلت الدول القومية طواعية عن بعض من مهامها لصالح تلك الكيانات الخاصة، فظهرت الآلاف من المناطق التجارية الخاصة حول العالم، شملت مناطق للتجارة الحرة ومناطق لتنظيم الصادرات وقرى للابتكار. وقد أثبتت العديد من تلك المناطق فعاليتها، لا سيما في الصين وماليزيا وكوريا الجنوبية والإمارات العربية المتحدة، أما المناطق التي أقيمت في آسيا وأفريقيا فلم تحقق النجاح المأمول. وقد عملت تلك الكيانات الخاصة على الجمع بين المصالح العامة والخاصة ومشاركة الدول في سيادتها.
ثالثًا، ستزاحم شبكات المنظمات الخاصة – التي تمتلك تكنولوجيا اتصالات فائقة – الدول القومية في المنافسة الاقتصادية. إن وضع السياسات لم يعد حكرًا على الساسة، بل إن للشركات متعددة الجنسيات دور فعال في رسم السياسات القومية. ويرى المقال أن الدول القومية باتت تواجه تحديًا حقيقيًا يتمثل في تضافر جهود المنظمات غير الحكومية والنقابات والجماعات الدينية مع بعضها البعض. وفي الوقت الذي ستظهر فيه فرص ومنافع جمة من وصول التكنولوجيا إلى شرائح عديدة في المجتمع، ستظهر أيضًا مخاطر في صورة الحروب والإرهاب والإجرام.
رابعًا، ازداد عدد المدن العملاقة بشكل مضطرد مما قوّض صلاحيات الدول القومية. فمنذ منتصف القرن العشرين، تضاعف عدد المدن العملاقة حول العالم عشرة أضعاف. ثمة 29 مدينة عملاقة يزيد تعداد سكانها على عشرة ملايين نسمة، وهناك 163 مدينة عملاقة يزيد تعداد سكانها على ثلاثة ملايين نسمة، وعلى الأقل هناك 538 مدينة عملاقة يبلغ تعداد سكانها على الأقل مليون نسمة. وباتت تلك المدن فاعلاً مؤثرًا في صنع السياسات، وتقوم المئات من تلك المدن ببناء تحالفات مع بعضها البعض لتضمن موطئ قدم لها في العلاقات الدولية. وهذا سيؤدي إلى صراعات على مصادر المياه والطاقة والغذاء بين المدن العملاقة والدول القومية.
ينقل التقرير عن ساسكيا ساسن قولها إن التحرر من التشريعات واتجاه الدول نحو الخصخصة كان أحد المحددات الرئيسية لعولمة المدن خلال الثمانينيات والتسعينيات. وقد سبب ذلك زيادة كبيرة في الطلب على العمالة الماهرة والمتخصصة التي ساهمت بدورها في تقدم تلك المدن بشدة، وأثار تساؤلات حول استدامتها.
يؤكد التقرير أن الدول القومية قد صمدت لما يقرب من أربعة قرون وأثبتت نفسها كنموذج سياسي واجتماعي واقتصادي ناجح. لكنها تواجه بتحديات خطيرة لا تحصى، كما أنها باتت جزءًا من الماضي وبيئة معادية للتعايش بين البشر.
ويختتم التقرير بالقول إن هناك مخاوف من انكفاء الدول القومية على نفسها ومصالحها الوطنية. قد علا صوت دعاة الحمائية مؤخرًا أكثر من أي وقت مضى. وعلى الجانب الآخر، تشكل المدن ومنظمات المجتمع المدني تكتلات سياسية واقتصادية قوية. ويبقى السؤال الأبرز هو ما إذا كانت ستتحسن بأي شكل في توجيه العمل الجماعي للتصدي للتهديدات المستقبلية.
 
(ساسة بوست)