2024-11-23 07:27 م

لعبة التيه العالمي بين عولمة الأقوياء وهوية الضعفاء...!!!. (1)

2017-02-09
بقلم الأستاذة: خولة خمري* ب
لقد كثر الحديث في العقود الأخيرة عن العولمة Globalization والثقافية منها بشكل خاص فتعددت الآراء واختلفت بين رجال الفكر والسياسة والفلسفة...بين مادح وذام لها، فكل باحث أو دارس حاول دراسة جانب من جوانبها، فباتت تعقد حولها الندوات والمؤتمرات لما لها من أهمية كبرى في تشكيل الوعي العالمي، والأثر الكبير الذي تحدثه على الهويات، خاصة في مجتمعات دول العالم الثالث منها باعتبارها الحلقة الأضعف وسط هذا الصراع المحتدم بين أقطاب العالم ، ففي خضم التحولات العالمية التي يشهدها العالم خاصة منذ سقوط جدار برلين Berliner Mauer سنة 1989، وظهور ما يعرف بالنظام العالمي الجديد إثر بروز فكرة القطب الواحد للتربع على عرش سيادة العالم بعد انهار الاتحاد السوفياتي، صار السؤال الملح الذي تطرحه الولايات المتحدة الأمريكية على نفسها هو: من سيكون العدو الجديد للمعسكر الرأسمالي ؟. فكان الإسلام هو البديل الجديد للاتحاد السوفياتي كعدو شرس، وبات الخوف من الإسلام هاجس الغرب الذي يؤرقه ويقض مضجعه، لتتحول أنظار العالم الغربي قاطبا تجاه هذا العدو الجديد، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: هل النظام الفكري الغربي قائم على هاجس ضرورة العيش على مبدأ وجود عدو حتى يقتات العيش على هذا الحراك العدائي...!!!. وما زاد الطينة بله أنه بعد أعوم قليلة من سقوط الاتحاد السوفياتي نهض العالم صبيحة السبت الأسود على ما عرف بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، أحداث القرن التي تعتبر منعرجا حاسما في تاريخ العالم أجمع نظرا للفزع العالمي الكبير الذي أحدثته، ناهيك عن الدور الكبير للبروباغندا Propaganda الإعلامية، التي هي الأخرى كان لها فعلها في تأجيج صراع لعبة التيه العالمي، وتوجيه الخطاب الإعلامي في اتجاه واحد معاد للهوية الإسلامية، لتجد الولايات المتحدة الأمريكية الحجة الدامغة على ضرورة محاربة هذا العدو، فأقنعت الرأي العام بأمريكا والشعوب الغربية كاملة بل وحتى العربية ممن انجروا وراد هذا التيار، بأن هذا هو العدو الحقيقي للعالم ممثلا في الإسلام مستخدمين ورقة هذا الجوكر القاتل لنشر الفوبيا في العالم تجاه الإسلام ، وهو ما حدا بالقائمين على الشؤون الاستراتيجية هناك على بعث سبل تفعيل أنواع لعب الاستعمار الجديد، من أجل طمس معالم الهوية الإسلامية الحقيقية والنقية، وفي مقابل ذلك إبراز هوية ذات طابع إسلامي حسبهم، ولكن في نسخة مشوهة، فقد وقف العالم على هوية طالبان كلينتن، وقاعدة بوش الابن، وداعش أوباما المسوق له حاليا، والعالم اليوم يترقب هوية جديدة مع دونالد ترامب خاصة مع رفعه لشعار "أمريكا قبل كل شيء"، فضلا على تصريحه المباشر بضرورة القضاء على ما سماه بالإسلام الأصولي الراديكالي من على وجه الأرض، وهو ما سيجعل الجهود أكثر تكثيفا حثيثا نحو العمل من خلال هذه الصورة الموجهة على غسل العقول في العالم، وإيهامهم بأن هذه هي هوية الإسلام الحقيقي ولابد من القضاء عليه...!!! وقد كانت إحدى سبل هذه اللعبة القذرة العولمة Globalization خاصة منها في نسختها الفكرية على اعتبار أن العولمة كمركب مفهوم قياسيStandard ، حيث يقتحم كافة الميادين متسربا بمختلف أفكاره سواء الاقتصادية منها من خلال الشركات المتعددة الجنسيات Multinational Corporation، أو الاجتماعية، أو السياسية من أجل السيطرة على مختلف نوافذ النفوذ العالمي، وهو ما أشار إليه المفكر المصري حسن حنفي منظر تيار اليسار الإسلامي وعلم الاستغراب Alienation قائلا في كتابه مقدمة في علم الاستغراب بأن العولة هي :"أحد أشكال الهيمنة الغربية الجديدة التي تعبر عن المركزية الغربية الأوروبية ذات القطب الواحد، ونهاية التاريخ وصراع الحضارات، والإدارة العليا، وثورة الاتصالات، والعالم قرية واحدة كونية، وكلها مفاهيم غير بريئة تكشف عن سيطرة المركز على الأطراف في تاريخ العالم الحديث". إذن من خلال خطاب الدكتور حسن حنفي الموجز يمكننا القول بأن العولمة هي عملية أمركة العالم من خلال العمل على نشر الثقافة الأمريكية الإمبريالية، والسعي الحثيث لذلك بتجنيد كافة الوسائل للتغلب على الثقافات الأخرى، وهو ما ذهب إليه كذلك محمد مدني بقوله :"قضية العولمة أو الكونية، أو كيفما يحلو للبعض أن يلقبها، من أخطر القضايا المعاصرة وشديدة التعقيد، التي تواجهنا وتفرض علينا من قبل الحضارة الغربية ... وبالتحديد من قبل الرأسمالية الأمريكية باعتبارها القوة المهيمنة". وأذهب أبعد مما قاله الدكتور حسن حنفي بالتأكيد على أن المهمة أكبر من مجرد محاولة نشر الهوية الأمريكية، بل من أجل بعث الهوية الصهيونية العميقة بنسخة أمريكية تغطيها شعارات وهمية زائفة، فروح الصهيونية انتقلت من لندن إلى نيويورك القلب النابض لأمريكا والعالم أجمع، وذلك إثر اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939، ليبعث المشروع الصهيوني في أمريكا من جديد من خلال الدور الكبير لما أطلق عليهم المسيحيون الجدد كتحالف عالمي يجمع بين الصهيونية والمسيحية المتطرفة، وقوة عالمية لها دورها الرائد في تحريك موازين الخارطة الهوياتية للعالم . إذن هذه هي حقيقة العولمة التي لا مفر منها، فهي كظاهرة ملموسة وخفية في الآن ذاته باتت تهدد كيان العالم على جميع الأصعدة، فباسم الانفتاح والحوار الحضاري...وغيرها من الفزاعات الرنانة التي يتشدقون بها علينا ليل نهار في مختلف وسائل الإعلام تفتح العولمة أبواب أسواق الشرق على مصراعيها للسلع الغربية دون أدنى ضوابط حقيقية، ومن ورائها الاقتصاد الغربي بأكمله الذي سيسحق دون شك كل اقتصاديات الشرق مجتمعة، بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى حد محاولة سحقنا ثقافيا وهو حاصل فعلا من خلال الأفكار المبطنة التي تحملها تلك السلع، ومن ثمة يكون السحق الوجودي لا مفر منه نتيجة قلة إن لم يكن انعدام دور تلك المجتمعات الضعيفة على إبداء الرأي فيما هو حاصل في العالم من أحداث، فضلا عن توجيه أو اتخاذ قرارات فاعلة بخصوص تلك الشؤون. وكنتيجة لانعدام كل هذا يصبح ركح اللعبة العالمية خاليا تماما إلا من الأطراف الفاعلة دوليا، ما يفسح المجال لهم بوضع أحجار الشطرنج في المكان المناسب من الرقع الهوياتية للمجتمعات، وليس أدل على ذلك مما حصل ويحصل وسيحصل في العالم أجمع، فمنذ سنوات قليلة ألقيت شرارة فكرة استعمارية هناك بدارفور تدعوا إلى ضرورة الانفصال لم تأخذ على محمل الجد بالسودان، ليصحوا السودانيون والعالم أجمع سنة2011 على قرار تقسيم السودان إلى دولتين ودائما برعاية أمريكية عفوا صهيونية...!!! ، ولكن ما يحز في النفس أن ذلك القرار أسهم فيه أطراف تحسب على النخب المثقفة بالسودان...!!! والسؤال الذي يطرح في هذا المقام هو: ألم تتفطن هذه النخبة لعودة أطياف برناد لويس الصهيوني بمشروعه الاستعماري التقسيمي المعروف للسودان وغيره من مناطق جغرافية بالوطن العربي، ومن قبله أطياف لورانس العرب !!!، وهذه المرة كانت بمباركة المدعو برنارد ليفي الذي شاهدنا تواجده بشكل مكثف خاصة أثناء موجة ما أطلق عليه بثورات الربيع العربي...!!!، وهو ما يطرح أسئلة أكثر عمقا عن حقيقة هذه النخب التي تدعي الوعي بتطورات الحضارة؟، ونغوص أكثر لنتساءل عن طبيعة التحولات الطارئة على العقل العربي ومدى قدرته على استيعاب تطورات منظومة اللعبة العالمية بين الأطراف القوية والأطراف الضعيفة؟، أيشهد العقل العربي لوثة فكرية عولماتية لا حول ولا قوة له أمامها إلا الخنوع والانبطاح، والتخلي عما كل ما يمت بصلة للهوية العربية بمختلف أطيافها ليعبث بها هؤلاء...!!!./ ... يتبع
*باحثة أكاديمية في تواصل الثقافات وتحليل ونقد الخطابات
Khaoula.khamri@hotmail.com