مي رضا
رام الله | بعد مدة قصيرة على إتمام انتخابات «الهيئة القيادية لحركة حماس داخل السجون»، شنّت إدارة السجون، بدءاً من سجن نفحة في النقب، حملة قمع ونقل كبيرة بحق الأسرى، مستغلة بذلك حادثتي طعن أقدم عليهما أسرى بحق الحراس.
وكانت أولى مراحل الانتخابات الداخلية لأسرى «حماس» قد بدأت في داخل السجون قبل عدة أشهر، وانتهت قبل أيام بتجديد أسرى الحركة ثقتهم بالأسير محمد عرمان رئيساً للهيئة العليا، كذلك انتخب الأسير عباس السيد نائباً له. وتمثلت المرحلة الأولى في انتخاب مجلس الشورى العام، الذي يتألف من 51 عضواً موزعين على مختلف السجون، ثم في المرحلة الثانية تم انتخاب الهيئة العليا من بين أعضاء الشورى، وعددهم 11، يضاف إليهم أمراء أكبر أربعة سجون هي: النقب، وعوفر، وريمون، ومجدو، ليصير عدد أعضاء الهيئة 15 عضواً. وهؤلاء معظمهم من الأسرى ذوي المحكوميات العالية «أصحاب المؤبدات»، وغالبيتهم كانوا قادة في الذراع العسكرية للحركة قبل أسرهم.
كذلك، ترتبط انتخابات السجون بالانتخابات الداخلية للحركة، التي تُجرى بسرية كل أربع سنوات، وتمر بعدة مراحل، بدءاً بأعضاء المؤتمر ثم انتخاب الهيئة القيادية في السجون، مروراً بأعضاء المناطق خارج السجون، وصولاً إلى فرز مجموعة أسماء تمثل أعضاء المكتب السياسي للحركة، ليتوافقوا في ما بينهم على رئيسٍ للمكتب.
في غضون ذلك، يتضح استغلال العدو عمليتي طعن في سجنَيْ نفحة والنقب لاستهداف «انتخابات حماس» أولاً، وثانياً لإيصال رسالة إلى الحركة بعدما بعثت الأخيرة برسائل مبطّنة عبر مقاطع فيديو والوسطاء الذين حاولوا التدخل في قضية الأسرى من الجنود الإسرائيليين في غزة ولم ينتهوا إلى نتيجة. لذلك، بدأ العدو عملية القمع الأولى في سجن نفحة بصورة مفاجئة، بعد يوم واحد من إعلان انتخاب الهيئة القيادية، ثم أعقب الأحداث مباشرة نقل معظم أعضاء «العليا» داخل السجون بذريعة عمليتي الطعن.
في هذا الصدد، أكد «مكتب إعلام الأسرى» التابع لـ«حماس»، أن الاحتلال نقل ثلاثين أسيراً من الحركة في «نفحة»، بينهم جميع أعضاء قيادة التنظيم، إلى جهة غير معلومة، فيما جرى نقل رئيس الهيئة عرمان، ونائبه الأسير عبد الناصر عيسى (من سجون رامون) إلى عزل الجلمة. كذلك نُقل ممثل أسرى «حماس» في «نفحة» عباس شبانة، وعضو الهيئة أشرف زغير إلى سجن «هداريم».
كذلك، أوضح «مركز أحرار لحقوق الإنسان» أن مصلحة السجون الإسرائيلية تنتقم من أسرى «حماس» وتضغط على الحركة بهدف الحصول على معلومات تخص حالة الجنود الإسرائيليين المأسورين في غزة.
في المقابل، اتهمت مصلحة سجون الاحتلال قيادة «حماس» بإعطاء الضوء الأخضر للأسرى بتسخين الأوضاع داخل السجون وفق مخطط ــ كما تدّعي ــ جرى تنسيقه مع الحركة في الخارج وشمل عمليتي الطعن. وكان للأحداث الساخنة في السجون حصةٌ في عناوين الإعلام الإسرائيلي أيضاً، إذ وصفت صحيفة «معاريف» الأحداث بـ«التمرد»، مشيرةً إلى أن «أسرى فلسطينيين هاجموا سجانين من مصلحة السجون الإسرائيلية». أما موقع «واللا» العبري، فتحدث عن شكوك في عملياتٍ منظمة استهدفت السجانين، تحت عنوان: «شكوك في عمليات منظمة، أسرى من حركة حماس هاجموا سجانين في سجني نفحة وكتسيعوت». كذلك القناة العاشرة تداولت عنواناً يتعلق بهجوم أسيرين من «حماس» على سجانَيْن إسرائيليين.
بالعودة إلى بدايات الأحداث في السجون، أكد «نادي الأسير الفلسطيني» أن «الأوضاع المشتعلة هناك منذ يومين تعود إلى اقتحامٍ نفذته وحدة قمع السجون، السيئة الصيت بين الأسرى والمسمّاة المتسادا، للقسم رقم 1 في سجن نفحة في 30 كانون الثاني الماضي، وتخلل عملية القمع الاعتداء على الأسرى وتخريب مقتنياتهم وأغراضهم الشخصية». لكن، لم يطُل ردّ الأسرى كثيراً، إذ أشعل أسرى قسم رقم 2، في السجن نفسه، النار داخل إحدى الغرف، ثم ضرب الأسير خالد السيلاوي أحد السجانين بآلة حادةٍ في «نفحة»، والسيلاوي من سكان مشروع بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وهو معتقلٌ منذ 2011 ومحكومٌ بالسجن لمدة 18 عاماً.
ويكمل «النادي» أنه خيّمت أجواء التوتر بشدة عقب الحادثتين وعملية السيلاوي المفاجِئة، واستنفرت قوات الاحتلال ومصلحة السجون، ليعقب هذا الاستنفار هجوم ما يزيد على 400 مجند من وحدة القمع على قسمي 2 و12 في سجن نفحة، وتخلل الهجوم القمعي إطلاق وابل كثيف من الغاز، وتخريب ممتلكات الأسرى ومصادرة الأجهزة الكهربائية، ثم جرّد الجنود الأسرى من ملابسهم وأخرجوا من كان في القسمين إلى الساحات في ظل البرد القارس.
في مساء اليوم نفسه، انتقلت شرارة الأحداث من نفحة إلى النقب، حيث ضرب الأسير أحمد نصار سجّاناً بشفرة في قسم 16 في السجن الأخير، احتجاجاً على الممارسات القمعية في نفحة. والأسير نصار من قرية مادما جنوب نابلس، وهو محكوم لمدة عامين، قضى منهما واحداً. ورداً على عملية نصّار في النقب، اقتحمت قوات القمع من الفور القسم 16 في السجن نفسه، وأطلقت قنابل الغاز، وفي اليوم التالي (الخميس 2 شباط)، عاودت قوات القمع الكرّة، لكن على قسم 13، حيث اعتدى الجنود على الأسرى بالضرب والتنكيل. وفي وقت لاحق قررت مصلحة السجون إغلاق قسمي 3 و4 في سجن النقب وتوزيع أسرى القسمين على الأقسام الأخرى.
جراء ذلك، توالت التصريحات الرسمية والردود الشعبية تجاه أحداث السجون، إذ حذّر «نادي الأسير» من استمرار ما يجري في سجون الاحتلال، مؤكداً أن ذلك «سيؤدي إلى انفجار الأوضاع». كذلك، كشفت «هيئة شؤون الأسرى والمحررين» عن «وجود مخطط منهجي للانتقام من الأسرى والنيل منهم»، محذّرة من انتقال الهجمة الإسرائيلية إلى عدة سجون.