وضع حكم المحكمة الإدارية العليا ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، المعروفة إعلاميًا باسم اتفاقية "تيران وصنافير"، الحكومة المصرية في مأزق، بعد أن ضيق من الخيارات المتاحة أمامها لمواجهة سلسلة من الإخفاقات المتتالية قي أغلب المجالات. وأنهى الحكم النهائي ما يقرب من شهر من محاولات التقارب مع السعودية التي ظلت تتمسك بالتنفيذ الحرفي للاتفاقية، كشرط لاستئناف المساعدات الاقتصادية، والدعم النفطي بعد شهور من توقفه، إثر تصويت مصر لصالح مشروع قرار روسي بمجلس الأمن حول سوريا. ضيق الخيارات المتاحة أمام الحكومة دفعها للبحث عن حلول لتسوية الأزمة عبر حلول وسط مع السعودية، تضمن حقوق المملكة التاريخية - حسب وجهة نظر السلطة - في الجزيرتين، مع إمهالها وقتًا لتهيئة الساحة المصرية. وتتخوف الحكومة من مواجهة نفس المأزق لدى عرض القضية على المحكمة الدستورية العليا أو حتى مناقشتها أمام البرلمان، في ظل وصف بعض المرجعيات القانونية، الاتفاقية بعد حكم الإدارية العليا بـ "أنها والعدم سواء"، فكيف يناقش البرلمان العدم، بحسب المستشار طارق البشرى نائب رئيس مجلس الدولة الأسبق؟ وكشفت مصادر مطلعة عن أن الخيار الوحيد المتاح أمام الحكومة المصرية هو تبادل خطابات مع السعودية، على غرار خطابات عصمت عبدالمجيد، وزير الخارجية الأسبق، يقر بحقها التاريخي في الجزيرتين بضمانات بتسليمها خلال حيز زمني. واستبعدت المصادر، اللجوء للتحكيم الدولي، لأنه "يعد مقامرة غير مضمونة العواقب، في ظل رفض الدستور لأي اتفاقيات تتضمن التنازل عن أي جزء من الأرض، بشكل قد يدفع البعض لإقامة دعاوى أمام المحكمة الدستورية العليا لعدم السماح باللجوء لتلك الخطوة". وصعد من حدة المأزق ما يتردد من ضيق داخل أجهزة سيادية من التصميم على تسليم الجزيرتين والضرب بحكم الإدارية العليا عرض الحائط. ووضعت هذه الفرضية، النظام في مأزق، لا سيما أن حكم الإدارية العليا وضع القضية في تصنيف جديد؛ فأي مساس بالجزيرتين أو محاولة نقلهما للسيادة السعودية، سيفتح الباب أمام دعاوى قضائية لتقديم من أقاموا الطعن على حكم القضاء الإداري للمحاكمة بتهمة "الخيانة العظمى". ويرى فقهاء قانونيون، أن حكم الإدارية العليا قد أوصد الباب تمامًا أمام تسليم الجزيرتين للسعودية، باعتبار ذلك "جريمة خيانة عظمى". في هذا السياق، تراهن الحكومة المصرية على وساطات خارجية، وفى مقدمتها الإمارات لإقناع السعودية بالقبول بحيز زمنى يتيح للحكومة المصرية تهيئة الساحة لتسليم الجزيرتين، مع تبادل خطابات الضمان التى تعترف بحقوق الرياض التاريخية فى الجزيرتين، وهو أمر قد يصطدم برفض سعودى بسبب إصرار الأمير محمد بن سلمان ولى ولى العهد ووزير الدفاع السعودى، لاستعادتهما لتعزيز شرعيته كوريث محتمل لعرش والده بشكل قد يؤشر لتوتر مستمر فى علاقات القاهرة والرياض. ولن تكتفي مصر بالرهان الكامل على الوساطة الإماراتية، إذ تتحرك مصر لإقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتدخل لدى القيادة السعودية، لإقناعها بقبول تسوية مؤجلة لأزمة تيران وصنافير، مع استئناف السعودية تقديم الدعم المالي لمصر، وإقناع دول الخليج بأن تحذو حذوها لإنقاذ الاقتصاد المصري. ولن تتوقف محاولات الحكومة عند هذا الحد، إذ تسعى سعيًا حثيثًا لامتصاص غضب الرأي العام في مصر، عبر تجميد مؤقت لاتفاقية تيران وصنافير مع تقديم ضمانات للسعودية بأحقيتها بالجزيرتين، ولكن بعد فترة زمنية. فضلاً عن الرهان على سلاح الشائعات، وتحسن الأوضاع الاقتصادية خلال 6 أشهر، إذ تراهن على ضغوط يمارسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على دول الخليج لضخ مليارات الدولارات في عروق الاقتصاد المصري. بالإضافة إلى إجراء بتعديل وزاري موسع، يشمل وزراء المجموعة الاقتصادية وعددًا من الوزارات الخدمية ولامتصاص الغضب الشعبي على ممارسات النظام، وهو غضب تعزز بعد حكم الإدارية العليا بمصرية الجزيرتين. وقال الدكتور عاطف السعداوي، الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بـ "الأهرام"، إن "هناك سيناريو يجرى ترتيبه حاليًا لتجميد قضية تسليم جزيرتى تيران وصنافير للسعودية حتى إشعار آخر، حيث أبلغ النظام الرياض والوسطاء الخليجيين بأنه لا يستطيع تسليم الجزيرتين حاليًا في ظل الوضع الحرج الذى فرضه حكم الإدارية، وتضييقه الخيارات على الحكومة المصممة على تسليم الجزيرتين للسعودية إن عاجلاً أو آجلاً". وأضاف: "البرلمان لن يقر هذه الاتفاقية المعروضة عليه حاليًا، بل سيماطل فى دراستها تحسبًا لأى مستجدات على القضية قد يكون على رأسها إعادتها للرئيس، ربما للتوقيع على اتفاقية جديدة تتجنب أخطاء الاتفاقية الأولى وتتحايل على حكم القضاء الذى عقد المسألة بشكل لم يكن النظام يتوقعه، لاسيما أن المعارضين للتسليم لن يتركوا ساحة نزال سياسى أو قضائى للاحتفاظ بالجزيرتين إلا واجهوا حكومة السيسى فيها". واعتبر أن "السؤال حاليًا لم يعد هل تسلم تيران أو صنافير أو لا، بل صار متى؟، خصوصًا أن جميع الوسطاء الذين حاولوا التدخل بين القاهرة والرياض أجمعوا على تمسك الحكم السعودي باستعادة الجزيرتين وعدم قبول أي حلول وسط بشأنها، وهو أمر لم يدخل عليه جديد بعد الحكم، حيث تعاملت الرياض معه بوصفه شأنا داخليا لا علاقة له بالاتفاقية السارية والتي تنقل بموجبها الجزيرتين إلى السيادة السعودية".
خطة «السيسي» لإنهاء الأزمة مع السعودية
2017-01-23