2024-11-28 07:39 م

ألمانيا تخشى عودة الشرطة السرية على وقع الإرهاب وأزمة اللاجئين

2017-01-07
برلين/ في ظل ما تشهده أوروبا من صعود للتيارات الشعبوية والقومية المتشددة، التي تضاعفت على وقع الهجمات الإرهابية، لا يبدو غريبا أن يقترح وزير الداخلية الاتحادي الألماني، توماس دي مزيير، خطة أمنية ذكرت البعض بتاريخ الغستابو، البوليس السري في عهد هتلر، وزارة أمن الدولة في ألمانيا الشرقية (سابقا)، المعروف بالشتازي.

تقترح خطة دي مزيير انتزاع سلطات الأمن وجمع المعلومات الاستخباراتية من الأقاليم وتركيزها في يد سلطة مركزية، إضافة إلى تأسيس جهاز شرطة فيدرالي، بدلا من المكتب الفيدرالي للتحقيق الجنائي، ومنح الحكومة سلطات واسعة لترحيل طالبي اللجوء المرفوضين، حيث يرى وزير الداخلية الألماني أن في ألمانيا توجد هياكل مختلفة للتعامل مع الأزمات، وهذا يعتبر إحدى نقاط الضعف الأمنية في البلاد، التي أصبحت عرضة للهجمات الإرهابية.

وهي إجراءات يرى دي مزيير أنها ضرورية لتحقيق الأمن والاستقرار في أوروبا عامة، مشددا على أن “أمن الدولة يجب أن تتحكم به الدولة”.

وكل ولاية من الولايات الـ16 التي تشكل جمهورية ألمانيا الاتحادية، تمتلك أجهزتها الاستخباراتية الخاصة، وتحت ما يعرف بمبدأ “توازن السلطات”، تملك الولايات سلطة كاملة في ما يتعلق بالسياسات الشرطية والتعليمية والثقافية.

اللافت في الجدل الذي أثير حول خطة دي مزيير، أنه وفيما يعارض الكثيرون؛ المعارضة والائتلاف الحاكم، هذه الخطة، لأنها من وجهة نظرهم تشكل تهديدا للحريات المدنية والنظام الفيدرالي، الذي ترسخ في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945)؛ أبدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي ينظر إليها في ظل الظروف الراهنة على آنها آخر الحصون في وجه الشعبوية، موافقة مبدئية على الخطة.
وقال نائب المتحدث باسم الحكومة الألمانية، جورج شايتر، في بيان، إن “المستشارة (ميركل) كانت قد أعلنت أن الوزير الاتحادي دي مزيير سيقدم مقترحات لتحسين الأمن الداخلي، وشجعته على ذلك”. وتابع المتحدث “نحن نعيش حاليا في فترة تحديات جديدة، والسؤال الرئيسي هنا يتمثل في: ما هي الردود المناسبة على تلك التحديات؟ وليس السؤال عما إذا كان إدخال تغييرات تنظيمية مناسبا أم لا. رفض واستبعاد كل شيء بشكل قطعي من البداية لا يمكن أن يكونا الطريق الصائب. ومبدئيا تدعم المستشارة وزير الداخلية الاتحادي بشكل واضح”.

وفتح هذا البيان بذلك الباب أمام مرحلة من الجدل السياسي، وربما إعادة تأسيس الرؤية الأمنية لمواجهة تحديات راهنة ومستقبلية، حيث تعيش ألمانيا على هاجس الإرهاب والقلق من أزمة اللاجئين، والذي تضاعف عقب هجوم برلين، الذي فتح النار على أجهزة الأمن والاستخبارات الألمانية، وحملتها بعض الأطراف الألمانية المسؤولية الأمنية، فيما حملت السياسيين مسؤولية فتح حدود البلاد وإغراقها باللاجئين.


تقويض للبناء الأمني

بيان الدعم الرسمي، ولو بشكل مبدئي، جاء وسط عاصفة من الانتقادات من أحزاب في الائتلاف الحاكم والمعارضة لخطة وزير الداخلية، إلى حد وصفها بأنها “تقوض البناء الأمني اللامركزي، الذي أنشئ بعد الحرب العالمية الثانية، كنتيجة لمعاناة الشعب الألماني في ظل أجهزة النازية الأمنية”.

وأسس أدولف هتلر في يناير عام 1933، جهاز “شرطة الدولة السرية” المعروف بالغستابو. وجعل هذا الجهاز ذا صلاحيات مطلقة وغير مراقبة قانونيا، فأصبح يمثل القلب المركزي لإدارة البلاد والمكلف بمتابعة “أعداء الدولة الداخليين والخارجيين”، وضربهم بأقسى الوسائل.

وتأتي خطة دي مزيير، وفق مراقبين، بعد تزايد الانتقادات لأجهزة الأمن الألمانية، التي تتسم بالتشظي وضعف التنسيق البيني؛ ما يمكن الإرهابيين المحتملين، وبينهم المشتبه به في هجوم برلين الأخير، أنيس العامري، من تفادي المراقبة. وبحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، تعرضت ألمانيا لضغوط من حلفائها الأميركيين والبريطانيين، لتحسين أجهزة استخباراتها لمواجهة المتطرفين الإسلاميين.

لكن عراقيل عديدة تواجه اعتزام الحكومة الألمانية تنفيذ خطة إصلاح النظام الأمني، الذي فرض عليه الحلفاء “النمط اللامركزي”، عقب الحرب العالمية الثانية؛ لمنع ظهور أدولف هتلر جديد؛ لما عاناه الألمان تحت وطأة سلطة مركزية متعسفة. لم ينس الكثير من الألمان ما عانته البلاد لعقود من ويلات السلطة المركزية في العهد النازي(1933-1945)، وفترة حكم الحزب الشيوعي لألمانيا الشرقية (1945- 1990) قبل الوحدة.

ومنذ إعادة توحيد شطري ألمانيا عام 1990، طُرحت أكثر من مرة مقترحات لإصلاح الأجهزة الأمنية في ألمانيا، غير أنها لاقت معارضة كبيرة في كل مرة.


خطة لا قيمة لها

يلاقي مقترح دي مزيير معارضة كبيرة من أحزاب في المعارضة، وأخرى في الحكم، منها حزب الاشتراكيين الديمقراطيين (ممثل يسار الوسط وثاني أكبر حزب ألماني)، فضلا عن بعض الوجوه داخل الائتلاف المحافظ.

اعتبر بيتر باوتيه، وزير داخلية مقاطعة هيسن، والسياسي البارز بالحزب الديمقراطي المسيحي الذي تقوده ميركل، أن خطة وزير الداخلية الاتحادي “لا قيمة لها”. وقال باوتيه، في بيان، إن “الخطوات المتسرعة مثل هذه المقترحات، لا تقوض فقط ثقة المواطنين في الدولة، بل تضع البناء الأمني الفيدرالي موضع تساؤل وضغط”.

واعتبرت يولا يالبكا، الخبيرة الأمنية والسياسية البارزة في حزب اليسار، أن هذه الخطة تمثل “اعتداء مباشرا” على المبادئ الفيدرالية، التي وضعت لمنع أي تركز للسلطات في يد السلطة المركزية بعد سقوط النازية. ويقف في صف المعارضين أيضا حزب الاشتراكيين الديمقراطيين، المشارك في الائتلاف الحاكم، والذي يجب أن يوافق علي أي مشروع قانون لتمريره في البرلمان. وانتقد الحزب كلا من الحزب الديمقراطي المسيحي، وحليفه حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي (يمين وسط)، لتركيزهما، وفق تقديره، على مشروعات قوانين “مثيرة للجدل”.
واعتبر غابريل أن “دي مزيير يرتكب خطأ كبيرا”، بإعلانه خطة تنتزع سلطات الأقاليم لصالح السلطة المركزية، بحسب ما نقلته صحيفة “دي فيلت” اليمينية. وحذر الخبير في السياسات الأمنية في ألمانيا، كريستيان موليجش، من “تجاهل الدور الذي لعبه الماضي في تشكيل توجهات الألمان بشأن السلطة المركزية”، مضيفا، في حديث لـ”نيويورك تايمز