بقلم: علي بدوان
” وهل بتنا على أبواب مصالحة جدية، وحقيقية، في الساحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، بعد أن عَبَرَت حركة فتح مؤتمرها العام، ورتبت صفوفها، وتجاوزت رسميًّا ومن خلال مؤتمرها العام ــ وهو أعلى سلطة في الحركة ــ مُشكلة محمد دحلان وفقاعاتها الهوائية واستتباعاتها، أم أن الأمور ما زالت عند حدود المجاملات لا أكثر ولا أقل …؟ ”
سادت مؤخرًا، أجواء إيجابية في مناخ العلاقات المُتبادلة بين حركتي فتح وحماس، وقد ظَهَرَت علائمها ومؤشراتها بعد اللقاء الذي تم بين الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس الأستاذ خالد مشعل ومعه إسماعيل هنية في العاصمة القطرية الدوحة منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2016.
كما ظَهَرَت علائِمُها من خلال مشاركة حركة حماس بافتتاح أعمال المؤتمر العام السابع لحركة فتح في رام الله، الذي التأم في اجتماعاته بين أواخر تشرين الثاني/أكتوبر المنصرم، والأيام الأولى من كانون الأول/نوفمبر 2016. وقد كان قرار حركتي حماس والجهاد المُشاركة في افتتاح أعمال مؤتمر حركة فتح السابع قرارًا صائبًا، في العلاقات الحزبية والفصائلية في الساحة الفلسطينية.
كما بانت علائمها ومؤشراتها أيضًا، من خلال سماح حركة حماس لأعضاء المؤتمر من القطاع بالمشاركة دون وضع أي عوائق أو إشكالات أمام خروجهم من القطاع نحو الضفة الغربية، فضلًا عن كلمة مندوب حركة حماس أحمد الحاج علي في افتتاح أعمال المؤتمر، وإلقائه كلمة نيابة عن خالد مشعل، والتي حَمَلَت بين أسطُرِها “اللغة والنبض الإيجابيين”، وقد لاقت ترحيبًا وتفهمًا من الحضور، وفيها تأكيده على “الشراكة في الوطن والقرار”، ودعوته باسم حركة حماس لإنهاء الانقسام.
المؤشرات الإضافية على المناخات الإيجابية بين حماس وفتح، تتضح من خلال تواتر المكالمات الهاتفية بين الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، ووجود درجة جيدة من التهدئة الإعلامية، وخفوت أصوات التراشق الإعلامي، وهي الأصوات التي سادت خلال الفترات الأخيرة قبل انعقاد المؤتمر العام السابع لحركة فتح.
والسؤال المطروح هنا: هل تُشكّل تلك الأجواء الطيبة، والندية، مدخلًا لإحداث اختراق في مسار طي ملف الانقسام، والانتقال بالتدرج نحو إنهائه بخطواتٍ يُبنى عليها التوافق الوطني الفلسطيني، وصولًا لخريطة طريق فلسطينية جامعة لسياسات توحيدية ائتلافية مشتركة بين الجميع دون استثناء ..؟
وهل بتنا على أبواب مصالحة جدية، وحقيقية، في الساحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، بعد أن عَبَرَت حركة فتح مؤتمرها العام، ورتبت صفوفها، وتجاوزت رسميًّا ومن خلال مؤتمرها العام ــ وهو أعلى سلطة في الحركة ــ مُشكلة محمد دحلان وفقاعاتها الهوائية واستتباعاتها، أم أن الأمور ما زالت عند حدود المجاملات لا أكثر ولا أقل …؟
أغلب الظن أن التعويل الزائد على الأجواء الإيجابية والطيبة، التي ظَهَرَت مؤخرًا في مسار العلاقات بين حركتي فتح وحماس، مُبالغ به، ولا يُمكن له وحده أن يتمكن من إحداث اختراق في ملف المصالحة لعدة أسباب مجتمعة، أولها يَتَمَثّل في استمرار الانقسام العميق وخطابه المُتكرر حول العديد من المفاهيم والقضايا البرنامجية السياسية والتنظيمية بين حركتي فتح وحماس بالرغم من كل الحوارات الفلسطينية ـ الفلسطينية التي جرت في القاهرة وغيرها طوال السنوات الماضية. وثانيها تضارب التقدير في شأن الأولويات، بين من ينادي باللجوء إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية فورًا، وبين من يُطالب بخطوات ضرورية يجب أن تَسبِقَها، فالذهاب لانتخابات عامة تشريعية ورئاسية ــ وهو أمر مُحقّ واستحقاق مطلوب ــ لكن الأهم منه كما يرى آخرون، يفترض توحيد المؤسسات الوطنية الجامعة في الداخل بين الضفة الغربية والقدس والقطاع، خصوصًا الأمنية، والتوافق على برنامج سياسي وطني وأسس الشراكة السياسية قبل الذهاب للانتخابات. وثالثها أن إنهاء حالة الانقسام يفترض التوقف عن وضع الأيديولوجيا في واجهة الخلاف، والنزول عند التقاطعات الوطنية الائتلافية، الجامعة والمشتركة، وإعادة الاعتبار للمسألة الوطنية الفلسطينية باعتبارها عملية تحرر وطني. ورابعها العامل “الإسرائيلي” حيث تضغط الدولة العبرية الصهيونية وبفعالية عالية لإدامة الانقسام الفلسطيني الداخلي، والتلويح باستخدام أدوات الضغط المتوافرة لديها لتعطيل كل جهد فلسطيني بهذا الاتجاه. وخامسها الدور الأميركي الضاغط والمُعطّل لأي خطوات تقارب فلسطينية ـ فلسطينية، واشتراطات واشنطن المُتكررة بضرورة اعتراف حركة حماس بشروط الرباعية الدولية (الأمم المتحدة + الولايات المتحدة + روسيا + الاتحاد الأوروبي).
إن كل تلك المصاعب التي تعترض طريق استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية المنشودة، ليست قدرًا مُسلطًا على الفلسطينيين، ولا تُبرر إبقاء حالة الانقسام واستمرارها، لكن التغلب عليها، وهو أمرُ ممكن، يتطلب درجة عالية من الابتعاد عن العصبيات والتزمت الأيديولوجي، وتغليب المصلحة العامة على أي مصلحة فئوية ضيقة لهذا الطرف أو ذاك في الساحة الفلسطينية، وتماسك الجميع في السير على هذا الطريق ومواجهة كل المُعيقات وتذويبها، من أي طرف جاءت.
وعليه، نحن الآن أمام وضعٍ يتطلب علاجات مدروسة، مع عدم الارتهان كليًّا إلى الأجواء الإيجابية التي ظهرت بين حركتي فتح وحماس خلال أعمال المؤتمر العام السابع لحركة فتح، بل بالبناء عليها والتقدم نحو الأمام، وبالتالي في ضرورة المُسارعة إلى إنهاء القطيعة لصالح الشراكة الوطنية الحقيقية، إما باتفاق أو عبر الانتخابات المُباشرة بهدف استعادة الوحدة الوطنية.
في هذا السياق، بات ضروريًّا التئام اللجنة التحضيرية لانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني بمشاركة الجميع، ومنهم حركتا حماس والجهاد الإسلامي وفق الصيغ التي تم التوافق عليها في حوارات القاهرة الفلسطينية ـ الفلسطينية التي جرت طوال السنوات الماضية، وإشراك الكل الفلسطيني في فلسطين وعموم الشتات الفلسطيني، وهو ما أكَّدَهُ على كل حال البيان الختامي لمؤتمر حركة فتح السابع.
إن انعقاد دورة عمل جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني، وهو الهيئة التشريعية العليا للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، بات أمرًا مُلحًّا، ويزداد إلحاحه كل يوم، من أجل تجديد مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل لجنة تنفيذية جديدة، بعد أن تقدمت أعمار أعضائها، ومضى عليهم فترة طويلة في مواقعهم دون تجديد، حيث أمضى وما زال بعضهم قرابة أربعين عامًا مُستمرًّا في عضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة، علمًا أن ضعف حركة التجديد القيادي هذه تشمل واقع جميع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها الفصائل اليسارية المصابة بالشيخوخة والترهل، مع الاستثناء النسبي لواقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
عن "الوطن" العمانية