2024-11-28 10:30 م

حروب الغاز ومرتكزات صناعة المستقبل

2012-12-11
يعد الغاز الطبيعي أحد أهم مصادر الطاقة البديلة عن النفط في المستقبل القريب، وذلك لأنه من المحروقات عالية الكفاءة قليلة الكلفة على المدى البعيد، فقد أصبحت الطاقة الغازية اليوم مطلباً أساسياً وحتمياً لمعظم دول العالم، وذلك لأهميتها الكبيرة في المجال الاقتصادي والصناعي على حد سواء، ونظراً لارتفاع المستوى المادي للبشر في العالم، فقد زاد استهلاكهم من الطاقة بشدة، التي صارت لا غِنى عنها في الحضارة الحديثة، ومع التزايد السريع للطلب على الطاقة الغازية، يصبح المخزون الخام من الغاز على الكرة الأرضية غير مستقر. فالموارد الغازية في العالم مهددة نتيجة لارتفاع الطلب عليها لأغراض متعددة، منها تتعلق بالصناعة والزراعة والتكنولوجيا وغيرها العديد من الأغراض الاخرى، وهذا ينذر بنشوب "حرب الغاز" في السنوات المقبلة من القرن الحالي، إذ سيزداد خطر الصراع على الغاز، لانه من المحتمل ان يفوق الطلب العالمي على الغاز الامدادات الحالية، وبهذا تصبح حرب الغاز ركنا رئيسيا في التخطيط الاستراتيجي الحربي ألاقتصادي والسياسي على المستوى العالمي، وكذلك نموذجاً جديداً من نماذج الحرب، التي ربما تكون بديلة لمعركة العسكرية في المستقبل.         
روسيا
فقد وصف دبلوماسي روسي مشروع انبوب الغاز عبر قزوين الذي سيزود اوروبا بغاز تركمانستان واذربيجان مع تفادي المرور بروسيا، بانه سياسي الطابع يمكن ان يؤدي الى توتر دون ان يضمن لاوروبا حاجاتها من الطاقة، وقال الكسندر بلوخين سفير روسيا في تركمانستان في تصريحات صحافية "ان انبوب الغاز عبر قزوين لن يكون له عمليا اي تأثير على امن اوروبا في مجال الطاقة"، واشار الى ان الانبوب ستكون طاقته عشرة مليارات متر مكعب من الغاز وهو رقم هامشي مقارنة باستهلاك اوروبا الاجمالي من الغاز، واعتبر ان الامر "سياسي اكثر مما هو اقتصادي"، وانبوب الغاز عبر قزوين هو جزء من مشروع اكبر لممر طاقة من الجنوب تدعمه المفوضية الاوروبية بهدف تزويد اوروبا مباشرة بغاز بحر قزوين، وكانت روسيا وهي حاليا احد اهم مزودي اوروبا بالغاز، انتقدت مرارا هذا المشروع خصوصا بسبب المخاطر البيئية التي ينطوي عليها. بحسب فرانس برس.
وحذر السفير الروسي من ان "هناك خمس دول مطلة على قزوين (تركمانستان واذربيجان وروسيا وايران وكازاخستان) لكن اثنين منها (تركمانستان واذربيجان) تعتبران ان بامكانهما اتخاذ قرارات دون ان تاخذا في الاعتبار آراء باقي الدول، ولهذا فان الدول الثلاث الاخرى ستعتبر ان بامكانها اتخاذ قرارات دون ان تاخذ في الاعتبار" مصالح هاتين الدولتين، وحث الاتحاد الاوروبي الذي يسعى الى التخلص من تبعيته للغاز الروسي، مؤخرا تركمانستان على تسريع المفاوضات مع بروكسل واذربيجان لمد الانبوب. ويحظى المشروع ايضا بدعم الولايات المتحدة، وتسعى تركمانستان التي تملك احتياطيا كبيرا من المحروقات، من جانبها الى تنويع اسواق صادراتها المرتبطة في الوقت الحاضر بشكل كبير بروسيا.
في سياق متصل دشن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورشة بناء انبوب ساوث ستريم الذي يأمل الكرملين ان يوصل الغاز الروسي الى اوروبا متجنبا اوكرانيا الجارة المتقلبة الرأي، وبعد كلمة مقتضبة لبوتين، قام عمال بلحم انبوب في مراسم جرت في منتجع انابا الذي يشكل نقطة انطلاق الانبوب الذي يمتد 2380 كيلومترا وسيتم تشغيله في 2015، واطلقت اشغال بناء الانبوب في انابا على البحر الاسود مع شركاء عملاق الغاز الروسي غازبروم الاوروبيين في المشروع: ايني الايطالية وشركة كهرباء فرنسا وفنترشال الالمانية، وسيمر الانبوب تحت البحر الاسود ثم عبر البلقان لتزويد كبار زبائن غازبروم الاوروبيين بالغاز الروسي وضمان صادراتها من الطاقة، وقال كبير موظفي الكرملين سيرغي ايفانوف الاسبوع الماضي ان مشروع ساوث ستريم والمشروع المماثل في البلطيق نورد ستريم "سيجعلان الامدادات الروسية مستقرة ومستقلة تماما عن اي عامل خارجي بما في ذلك الترانزيت".
غير ان المشروع الذي يفترض ان يبدأ ضخ الغاز فيه اعتبارا من 2015 واجه كذلك انتقادات لتفضيله خيارا طموحا وبناء خط انابيب جديد كليا على تحديث بنية تحتية قائمة في اوكرانيا، ويدعم الاتحاد الاوروبي ايضا مشروعا منافسا هو نابوكو يسعى لايصال غاز قزوين الى اوروبا. وتنظر روسيا بكثير من الريبة لهذا المشروع، وتحرص روسيا وزبائنها في الاتحاد الاوروبي لتجنب تكرار شتاء 2009 عندما تسبب خلاف مرير بين موسكو وكييف حول اسعار الغاز في انقطاع امدادات الغاز الروسي عن الزبائن الاوروبيينن ويولي بوتين شخصيا اهمية هائلة للمشروع. وفي مؤشر على عزمه الجاد امر رئيس غازبروم اليكسي ميلر تقديم موعد اطلاق ورشة البناء من 2013 الى 2012، وكان ميلر قال ان الكلفة الاجمالية لخط الانابيب تقدر ب 16,5 مليار يورو (اكثر من 21,5 مليار دولار)، عشرة مليارات يورو منها لبناء خط الانابيب عبر البحر الاسود، و6,5 مليارات لبنائه على اليابسة، وقال ان روسيا ستدفع نحو 7,5 مليارات يورو من كلفة بناء خط الانابيب علما ان غازبروم المملوكة من الدولة لها حصة بنسبة 50 بالمئة في المشروع، والعلاقات السياسية بين كييف وموسكو تقلبت كثيرا في السنوات الاخيرة الماضية فيما يقول محللون ان شبكة الترانزيت الخاصة بالغاز الاوكراني بحاجة ماسة للتحديث، وكان المشروع يجمع اساسا غازبروم وشركة الطاقة الايطالية ايني قبل ان ينضم اليهما كونسورسيوم يضم فنترشال الالمانية وشركة كهرباء فرنسا، كما حصلت روسيا على موافقة مهمة من انقرة لبناء خط انابيب ساوث ستريم في مياهها، وبعد خروجه من البحر الاسود من المقرر ان يعبر الانبوب بلغاريا وصربيا والمجر وسلوفينيا ثم النمسا حيث يتم وصله بشبكات الانابيب الاوروبية الرئيسية. بحسب فرانس برس.
ومراسم تدشين اعمال البناء اطلق عليها "لحام الشراكة". وقد حضرها مع بوتين رئيس مجلس ادارة ايني باولو سكاروني، ورئيس كهرباء فرنسا هنري بروليو ورئيس فنترشال رينر سيل، ويقوم حاليا ببناء ساوث ستريم كونسورسيوم يعود لغازبروم 50 بالمئة منه وايني 20 بالمئة وكهرباء فرنسا 15 بالمئة وفنترشال 15 بالمئة، وتمثل امدادات الغاز الروسي حاليا ربع الحاجة الاجمالية الاوروبية من الغاز، واثنت ماريا فان در هوفن المديرة التنفيذية في وكالة الطاقة الدولية، على روسيا لقيامها بالمشروع في بيئة تتغير بسرعة، وقالت ان "ساوث ستريم يمثل الكثير من الاشياء لكثير من الناس لكنه يشكل ايضا تصويتا على الثقة في مستقبل الغاز الاوروبي".
تركيا
من جهة أخرى حذرت تركيا من انها ستقاطع اي شركة عالمية تشارك في عمليات التنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل جزيرة قبرص المقسمة، وجاء في بيان لوزارة الخارجية "كما اكدنا في العديد من المرات (...) فان الشركات التي ستتعاون مع ادارة قبرص اليونان ستستثنى من اية مشروعات جديدة مستقبلية للطاقة في تركيا"، وياتي التحذير التركي بعد ان وافقت قبرص على تراخيص للتنقيب في مخزونات النفط والغاز البحرية وقالت انها ستتفاوض على شروط الشراكة مع شركة اينا الايطالية وشركة كوغاز الكورية الجنوبية، وشركة توتال الفرنسية وشركة نوفاتك الروسية للتنقيب عن الطاقة في مياهها، ودعا وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو الدول وشركات النفط المعنية الى "التصرف بمنطق" محذرا اياها من العمل في المياه المختلف عليها قبالة قبرص والانسحاب من المناقصة القبرصية، واحتجت تركيا بشدة ضد العمليات التي تقوم بها الحكومة القبرصية للبحث عن النفط والغاز في مياهها ووصفتها بانها غير قانونية، وردت بالبدء في عمليات تنقيب في الجزء الشمالي المنشق من الجزيرة، وجزيرة قبرص مقسمة منذ العام 1974 عندما غزت القوات التركية الجزء الشمالي من قبرص واحتلته ردا على انقلاب قام به القبارصة اليونانيون بهدف توحيد الجزيرة مع اليونان. بحسب فرانس برس.  
وتعترف تركيا بالجزء الشمالي ولا تعترف بجمهورية قبرص التي اصبحت عضوا في الاتحاد الاوروبي في العام 2004، وقالت الخارجية التركية ان القبارصة الاتراك لهم نفس حق القبارصة اليونانيين في موارد الطاقة في الجزيرة، محذرة من ان خطط القبارصة اليونانيين بالمضي قدما في "الاعمال الاحادية الاستفزازية غير مقبول" سواء لتركيا او ل"جمهورية شمال قبرص التركية"، وهدد وزير الطاقة التركي تانر يلديز كذلك شركة النفط الايطالية اينا من المضي في خططها بالتنقيب في المياه القبرصية، وقال في تصريحات نقلتها صحيفة حرييت "سنعيد التفكير في استثماراتنا في تركيا اذا ما شاركت اينا" في عمليات التنقيب هذه.
لبنان
على صعيد ذو صلة اعلن وزير الطاقة اللبناني جبران باسيل ان لبنان بات "جاهزا تقنيا" للتنقيب عن الغاز في البحر بعد ان اثبت مسح بالتقنية الثلاثية الابعاد شمل نصف المنطقة الاقتصادية الخالصة تقريبا، وجود عدد كبير من مكامن الغاز والنفط التي قد تشكل ثروة حقيقية للبنان، وقال باسيل خلال جولة اصطحب فيها عددا من الصحافيين في عرض البحر الى المنطقة الجنوبية الملاصقة للمنطقة المتنازع عليها بين لبنان وقبرص واسرائيل في الموضوع النفطي، ان "لبنان دخل فعليا مرحلة التنقيب عن الغاز، وانه جاهز تقنيا لاطلاق التراخيص من اجل بدء استخراج الغاز"، واضاف ان المسح الذي اجرته شركتان متخصصتان متعاقدتان مع الحكومة اللبنانية بالتقنية الثلاثية الابعاد في البحر شمل حتى الآن نصف مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة، وبين وجود مكامن عديدة للغاز منتشرة من الشمال الى الجنوب، واشار باسيل، بحسب تقديرات اولية، الى العثور في المنطقة الجنوبية على "مكمن غازي سعته 12 الف مليار قدم مكعبة"، مشيرا الى ان هذه الكمية، في حال استخراجها، "يمكن ان تكفي لبنان لانتاج الكهرباء لمدة تسعة وتسعين عاما". بحسب فرانس برس.
وكان مسح بالتقنية الثنائية الابعاد شمل كل مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة خلال السنوات الاخيرة والبالغة حوالى 22700 كلم مربع، اي مرتين وربع تقريبا مساحة لبنان الاجمالية (10452 كلم مربع)، اشار الى وجود حوالى اربعين نقطة غازية ونفطية للاستكشاف، تتراوح نسبة النجاح في العثور على غاز او مشتقات نفطية اخرى فيها بين 17 و24 في المئة، وفي 17 كانون الاول/ديسمبر 2010، اتفقت كل من اسرائيل وقبرص على تحديد لمنطقتيهما الاقتصاديتين اعترض عليه لبنان الذي ارسل بعد ذلك ترسيمه الى الامم المتحدة الذي اظهر وجود مساحة 860 كلم مربع تقريبا متنازع عليها، وردا على سؤال عما اذا كان يمكن لاسرائيل التي بدات عمليات تنقيب عن النفط في منطقة قريبة جدا من المنطقة البحرية الجنوبية اللبنانية، ان تعرقل اي مشروع لبناني للتنقيب، قلل باسيل من امكان حصول نزاع، وقال ان "وجودنا في هذه المنطقة اليوم يؤكد ان لا شيء يهدد استثماراتنا وحقوقنا في هذه الموارد"، مشيرا الى ان الغاز موجود في كل مكان وليس فقط في الجنوب، ويمكن البدء بالتنقيب في اي نقطة اخرى في انتظار حل مسالة ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة مع قبرص.
اليمن
من جانب آخر استهدف هجومان نسبا الى القاعدة انبوبي غاز ونفط في جنوب اليمن بحسبما افاد مسؤولون ومصادر من القطاع الغازي، وقال مسؤول عسكري طلب عدم الكشف عن اسمه ان عبوة ناسفة انفجرب فجر الثلاثاء تحت انبوب الغاز الذي يربط بين حقول الغاز في مارب بوسط البلاد وميناء بلحاف على الساحل الجنوبي، واكدت شركة اليمن للغاز الطبيعي المسال في بيان تعرض الانبوب "لتخريب" دون ان يسفر ذلك عن سقوط ضحايا، وتملك مجموعة توتال الفرنسية 40% من شركة اليمن للغاز الطبيعي المسال التي تشغل الانبوب، واتهم المسؤول "عناصر من القاعدة" بالمسؤولية عن التفجير الذي وقع على بعد 25 كيلومترا غرب بلحاف، وقبل ذلك، فجر مسلحون مجهولون انبوب النفط في محافظة شبوة بجنوب اليمن، وقال المسؤول ان "مجهولين يعتقد انهم من تنظيم القاعدة فجروا انبوب النفط التابع لشركة النفط الكورية" في شبوة، واكد المسؤول انه شاهد "السنة اللهب تتصاعد في المنطقة" مشيرا الى ان "المعلومات الأولية تفيد بوضع المسلحين عبوة ناسفة اسفل الانبوب". بحسب فرانس برس.
مصر وإسرائيل
على الصعيد نفسه أعادت دعوى قضائية النزاع بين مصر وإسرائيل حول عدد من حقول الغاز في شرق البحر المتوسط، إلى الواجهة مرة أخرى، خاصةً أن الدعوى تطالب بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الاقتصادية، التي وقعتها الحكومة المصرية مع نظيرتها القبرصية عام 2004، وجاء في الدعوى، التي أقامها وكيل وزارة الخارجية الأسبق، السفير إبراهيم يسري، أمام محكمة القضاء الإداري، أن تلك الاتفاقية ترتب عليها "استحواذ" كل من قبرص وإسرائيل على حقول غاز طبيعي بمساحات ضخمة، رغم أنها أقرب إلى السواحل المصرية منها إلى سواحل الدولة العبرية، وأكد يسري، في دعواه، وفق ما جاء على موقع "أخبار مصر"، التابع للتلفزيون الرسمي، أن هذه الحقول، محل النزاع، مصرية مائة في المائة، لأنها تبعد عن ميناء دمياط بنحو 190 كيلومتراً، بينما تبعد عن حيفا بحوالي 235 كيلومتراً، مشيراً إلى أن حدود المياه الاقتصادية 200 كيلومتراً، طبقاً للقانون الدولي، كما أكدت الدعوى أن حقل "شمشون"، الذي تستغله إسرائيل، يبعد عن الساحل المصري بنحو 114 كيلو متراً فقط، وفقاً للتصوير الجوي، والأقمار الصناعية، والاستخبارات البحرية، وهو ما يجعله يقع ضمن المياه الاقتصادية المصرية، واستندت الدعوى إلى تقرير الدكتور إبراهيم عبد القادر عودة، أستاذ الجيولوجيا المتفرغ بجامعة أسيوط، وخرائط الدكتور نائل الشافعي، الباحث بجامعة ماساتشوستس الأمريكية، التي أكدت أن حقلي الغاز المتلاصقين "ل