2024-11-23 09:25 م

اللجوء الإنساني ومعضلة البحث عن الأمان

2016-12-18
بقلم: صديقي سامية*
ليس ثمة شك أن ظاهرة اللجوء في الوقت الراهن تزايد مستمر في عالم يتشرد فيه البشر بسياقات مختلفة بسبب النزاعات المسلحة الداخلية و الدولية، وكذا انتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان سواء كانت موجهة إلى الجماعات على أساس عرقي أو ديني أو سياسي أو موجهة إلى معارضين للنظام الحكم الجائر أو الاتجاه السياسي، مما دفع العديد من الأشخاص إلى الهروب إلى دول أخرى بحثا عن الحماية و اتقاء الاضطهاد ،وتعد الدول العربية أكثر الدول عرضة لموجة اللجوء خصوصا اللجوء الفلسطيني الذي تعاقب عبر العقود السابقة، وكذا العراق وسوريا و اليمن،باعتبارها تعاني من ويلات الحروب وعدم الاستقرار السياسي. رغم أن اللجوء حق لكل شخص طبيعي تعرضت حقوقه و حرياته للانتهاك صارخ داخل دولته الأصلية أو داخل الدولة التي يقيم فيها في أن يلتمس ملجأ أمني لضمان حمايته وحماية أسرته وصون كرامته وهو ما أكدته المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 إلا أنه لا يمكن أن ننكر أن اللاجئون إلى دول أخرى يواجهون تهديدات أخرى تمس أمنهم في دولة اللجوء حيث يكونون عرضة لخطر التجويع و الاعتداء عليهم بشكل مباشر سواء من السكان الأصليين للدول المضيفة أو من أقرانهم من المواطنين، ويزداد الأمر تعقيدا في صعوبة حصول اللاجئين على تصريح للعمل في الدولة المضيفة، مما يضطرهم الأمر إلى اللجوء لسوق السوداء أو السوق غير الشرعية لكسب قوتهم،و يترتب عن ذلك مشاكل أخرى كانخفاض الأجر أو الفصل التعسفي من العمل واستغلال الأطفال في الأعمال الشاقة، وبالتالي إذا لم يتم حصولهم على عمل بشكل نظامي يبقون عرضة لبئر الفقر القاتل، كما أن حركة النزوح القوية للدول تؤدي إلى تدفق عدد ضخم من اللاجئين في أراضي الدولة المضيفة قياسا مع عدد السكان الأصليين، وهذا يشكل تهديدا لاستقرارها السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي فتضطر الدولة المستقبلة إلى وضع مجموعة من الحواجز لعرقلة وصول الأشخاص الذين يرغبون في التماس الملجأ كغلق الحدود خصوصا وأن أغلبية ملتمسي اللجوء يضطرون للدخول إلى دولة اللجوء بطريقة غير قانونية، أو دفع اللاجئين للعودة إلى مواقع الخطر وذلك خوفا منها على المساس بأمنها وسلامة سكانه، و يخفى للعيان أن أوضاع بعض اللاجئين في المخيمات والمعسكرات مزرية ويدفعون الثمن منح حياتهم و أموالهم وجهدهم و مستقبل أولادهم وحالتهم النفسية بسبب تركهم لأوطانهم لذنب لا يد لهم فيه. تحتل اتفاقية 1951 وبروتوكولها 1967 باعتبارها أداة دائمة لحماية اللاجئين مكانة محورية في النظام الدولي لحماية اللاجئين، وقد بينت المادة الأولى من اتفاقية 1951 مركز اللاجئ واعتبرته كل شخص يوجد نتيجة أحداث وقعت قبل 1 جانفي 1951، و يجب أن يكون في حالة خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد الذي يكون قائم بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية، ويجب أن يكون خارج البلد الذي يحمل جنسيته، أو كل شخص يكون عديم الجنسية ويوجد خارج بلد إقامته السابقة ولا يريد بسبب ذلك الخوف أن يعود إلى ذلك البلد، ونشير في هذا الصدد أن البروتوكول 1967 الذي جاء ليعدل ويتتم اتفاقية 1951 الخاصة بأوضاع اللاجئين تضمن نفس تعريف في اتفاقية ولكن دون تحديد الفترة الزمنية. لا يمكن أن ننكر على أن اتفاقية سنة 1951 تعتبر جهد أساسي في معرفة حق اللجوء و التعاطي معه إلا أنها ربطت تحديد مركز اللاجئ بأحداث التي وقعت في أوروبا قبل 1951 ولم تشر إلى جميع الأسباب التي يمكن على أساسها منح حق اللجوء، وإنما حصرته في فكرة واحدة تقوم على أساس الاضطهاد التي لم تقم بتعريفه مما يثير عدة تساءلات سواء فيما يخص الحقوق التي يمكن اعتبار انتهاكها اضطهاد أو ما يتعلق بمدى امتداد الحماية المرتبطة بصفة اللاجئ إلى أفراد أسرته، أو عن صفة القائم بالاضطهاد لتمكن من تحديد المستفيدين من الحماية التي يؤمنها مركز اللاجئ في ظل تزايد ضحايا العنف المرتبط بنوع الجنس باعتباره سبب مبرر لمنح صفة اللاجئ. ما تجدر الإشارة إليه هنا أن المهاجرون عبر البحر عند وصولهم إلى الضفة لا يكونون في مركز لاجئين إلا إذا توفرت فيهم شروط الواردة في المادة الأولى من اتفاقية 1951،لكن إذا كان ركوبهم البحر من أجل الصيد لكسب قوتهم يعتبرون مهاجرون اقتصاديون وليس لاجئون،و يبقى أمر ترحيلهم إلى دولتهم قائما،ومن هنا يشترط وضع تعريف محدد للاجئين لكي لا تبقى مسألة تقديرية للدول التي تقوم بتحديدها حسب أهوائها تبعا لمصالحها وسياستها خصوصا و أن معظم الدول التي تمنح لجوء مازلت تعتبره عمل غير ودي، ويفسر في بعض الأحيان على أنه عمل عدائي لأنها تعتبر منح اللجوء عمل سيادي و لا يهم الجماعة الدولية. يتمتع اللاجئون في الدولة المضيفة بمجموعة من الحقوق التي يجب أن لا تقل عن الحقوق التي يتمتع بها مواطنوها إلا ما تعلق ببعض الحقوق التي لا يمكن أن تمنح للاجئين باعتبارهم لا يحملون جنسية دولة اللجوء كممارسة حق الانتخاب أو تقلد مناصب سامية في الدولة،و عليه فإن اللاجئون يتمتعون بالحريات العامة والمرافق العامة و الخدمات الضرورية لإشباع حاجتهم بحكم تواجدهم على إقليم الدولة المضيفة باعتبار أن الحريات العامة اللصيقة بشخصية الإنسان ومرتبطة به منذ ولادته فجميع البشر متساوين في الكرامة أو الحقوق، ومن هنا يحق لكل شخص التمتع بجميع الحقوق و الحريات دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو البلد الذين يحملون جنسيته، لكن الواقع أثبت العكس حيث يوجد انحياز إلى بعض الفئات دون الأخرى لأسباب سياسية أو دينية، ويحق أيضا للاجئين ملكية الأموال المنقولة و غير منقولة و الحقوق الأخرى المرتبطة بها و إبرام العقود المتصلة بالملكية المنقولات أو العقارات،كما يمنح لهم حق الانتماء للجمعيات غير السياسية وغير مستهدفة للربح و النقابات المهنية إضافة إلى حق التقاضي الحر أمام المحاكم و الاستفادة من المساعدة القضائية و الإعفاء من أداء المحكوم عليه. ووجود اللاجئون على إقليم الدولة المضيفة باعتبارهم أجنبيين يجعلهم يتمتعون بحقوق خاصة تتمثل أساسا في الحقوق الأحوال الشخصية لاسيما الحقوق المرتبطة بالزواج، كما يتمتعون بحق عدم الطرد أو الرد إلى حدود الأقاليم التي تكون فيها حياتهم أو حرياتهم عرضة للخطر، وعلى دول اللجوء تسهيل إجراءات التجنس و تخفيض رسوم هذه الإجراءات إلى حد أدنى، وتمنح للاجئين حرية ممارسة شعائرهم الدينية وحرية توفير التربية لأولادهم حسب أصول عقيدتهم، وبما أن اللاجئون يتمتعون بمجموعة من الحقوق تقع عليهم مجموعة من الالتزامات التي تركز أساسا في احترام قوانين الدولة المضيفة وعدم القيام بأعمال الشغب أو ارتكاب جرائم كتحريض ضد السلطة أو تزوير عمولاتها بمعنى ابتعاد عن ارتكاب الجرائم التي تمس سيادة الدولة و تزعزع استقرارها السياسي وسلامة أمنها. وننوه أن هذه الحقوق تضمنتها الاتفاقية الخاصة بشؤون اللاجئين 1951 وبروتوكولها 1967، و معظم هذه الحقوق تجد مصدرها في العرف، وهي ملزمة لكل الدول تقبل اللجوء على إقليمها بغض النظر عن انضمامها لاتفاقية 1951 لأنها ترقى في مصاف القواعد القانونية الآمرة التي تكون في مواجهة الكافة ولا يمكن انتهاكها أو الاتفاق على مخالفتها،و. ينتهي اللجوء في حالة عودة اللاجئ إلى دولته عند انقضاء أسباب التي دعت إلى لجوءه، أو عند تجنس اللاجئ بجنسية دولة اللجوء، كما تسقط صفة اللجوء في حالة طرد اللاجئ من دولة المضيفة لسببين تم تحديدهما في اتفاقية 1951، ويتعلق السبب الأول بطرد اللاجئ قانونيا بسبب الأمن الوطني والنظام العام، أما السبب الثاني للطرد فهو متعلق بحصول اللاجئ على تصريح الدخول إلى إقليم دولة أخرى إن الأوضاع المزرية للاجئين في الوقت الراهن تتطلب من المجتمع الدولي إيجاد مقاربة وقائية من أجل التوصل إلى إستراتجية لإعادة الحيوية لنظام الحماية الدولية القائمة لمواجهة ظاهرة اللجوء، وذلك بأن تكون هناك منظومة قانونية يكون دورها حاضرا قبل و أثناء حصول الانتهاكات الجسيمة التي تكون أساس منح لجوء من أجل معالجة الأسباب التي تؤدي إلى الحصول على اللجوء للحد من عدد اللاجئين مما يضمن تحرك فعلي لاحتواء الأزمة قبل وأثناء حصولها في زمن تنطبق عليه مقولة السيد أنطونيو غوتيريس الرئيس السابق لمنظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن العالم يتسبب في النزوح أسرع من أن ينتج حلولا،كما يشترط على المنظمات غير الحكومية العاملة في المجال الإنساني رسم صورة أكثر إشراقا ترتكز أساسا على تحفيز الضمير العالمي، وذلك بالكشف عن المواقع التي يوجد فيها انتهاك لحقوق الإنسان بهدف التأثير على المجتمع الدولي من أجل دفعه إلى وضع معايير دولية لحماية حقوق الإنسان،ولتفعيل تنظيم حق اللجوء كونه أحد مؤشرات الديمقراطية في النظم السياسية يتوجب على الدول لاسيما الدول العربية إنشاء هيئة مستقلة تعهد إليها مهمة استقبال طلبات اللجوء، وتحقق من مدى توافر الشروط المنصوص عليها في القانون في الطلب المقدم، وتقوم بدورها بإحالة طلب إلى السلطات الحكومية للبت فيه حتى تقرر منح حق اللجوء من عدمه.
* صحافية ومحللة سياسية دكتوراه علاقات دولية و قانون دولي- الجزائر