2024-11-24 03:22 م

أفارقة على طريق الموت.. روايات البحث عن الجنة بلسان أصحابها

2016-12-17
تعاني القارة السمراء من سلسلة جهنمية من عوامل البؤس والشقاء لقاطني القارة العجوز، فبعد وقوعها تحت نير الاحتلال الأجنبي لفترات طويلة من تاريخها في النصف الأول من القرن العشرين، لم يأتها القرن الـ21 بالكثير من عوامل التغيير.

ومع ارتفاع درجة حرارة الأرض نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري، باتت الأمطار نادرة في عدد كبير من دول الجنوب الغربي لقارة إفريقيا، ومع الانقطاع شبه كامل للأمطار، ارتفعت درجات الحرارة لمستويات قياسية دفعت عدد كبير من السكان إلى ترك أراضيهم بحثاً عن مكان آخر صالح للعيش فيه. 

وحتى تكتمل مأساوية هؤلاء الفارين فقد سقطوا فريسة للعصابات المسلحة، هؤلاء إما قراصنة يسطون على كل ما تقع عليه أيديهم أو هم جمعات إرهابية كالمنتشرة في مالي، ومع هذه المعادلة من الشقاء سقطت عدد من الدول فريسة للحكم الديكتاتوري، مثل جامبيا. 

ففي تقرير موسع، تحدثت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن الأخطار التي تهدد القارة الجميلة التي كانت في يوم ما من تاريخها القديم سلة الغلال للإمبراطورية الرومانية أما الآن فهي تواجه نقصاً حاداً في الغذاء لأسباب من صنع بني آدم، أو نتيجة لعقاب لطبيعة الأم للإنسان على جرائمه في حقها. أما عن خطر الإرهاب الظاهرة الإنسانية الحديثة فإن الصحيفة الأمريكية تسلط الضوء على مالي وبالتحديد بلدة "أغاديز" التي تصفها "واشنطن بوست" بأنها بوابة الأساطير المصنوعة من الرمل والصخب التي لجأ اليها الآلاف هرباً من ظروف الحياة ومن القتال الذي اندلع بين تنظيم القاعدة والقوات الحكومية التي سعت إلى تحرير عدد من القرى التي سقطت في يد التنظيم الإرهابي. 

ويتحدث الشاب بوري بوكووم الذي لم يتجاوز عمرة الـ25 عاماً ولكنه يتحدث بنبرة كهل اختبر قسوة الحياة فيوضح في شهادة حية للعالم عن مأساة القارة الجميلة: "كان الحصاد سيئاً، واحداً بعد الآخر، الأرض باتت جافة، مشققة، الأمطار نادرة، قل الأرز ومعه قلت العديد من المنتجات الأخرى، وتقريباً اختفت اللحوم، بات المكان غير صالح للحياة فنصحني الآباء بالسفر إلى ساحل العاج ومحاولة إيجاد عمل في مزرعة من مزارعها، وخلال العمل هناك كان علي أنا ومن معي من الشباب ادخار الأموال اللازمة للقائم برحلة أخرى نعبر فيها البحر المتوسط وصولاً إلى إيطاليا وذلك عبر البوابة السحرية، ليبيا. 

كانت رحلتى طويلة جداً وحلم صعب تحقيقه ولكن لم يعد بيدي أنا ورفاقي سوي الطريق المستحيل، وهكذا بدأت الرحلة. وكانت أولى خطوات الاستعداد لهذه الرحلة هي جمع الماء من الصحراء والاحتفاظ به، "فلا أحد يعلم متى سنرى الأرض ثانية" كما قال بوكووم. 

يذكر أن المنظمة الدولية للهجرة أوضحت أنه خلال العام الجاري 2016 سافر أكثر من 311 ألف شخص عبر ممر أغاديز في طريقهم إما إلى الجزائر أو الي ليبيا والبعض منهم اتجهوا عبر الطرق غير الشرعية إلى أوروبا. وأشارت المنظمة المعنية بمتابعة حركة الهجرة والمهاجرين حول العالم  إلى أن غالبية المهاجرين خاصة غير الشرعيين يأتون من النيجر، ودول غرب إفريقيا على رأسهم مالي التي يأتي منها محدثنا بوكووم. 

وفي رواية أخرى من رحلات الموت للمهاجرين غير الشرعيين تحدث حابيبو إيدي عن طريقهم الوعر من نيجيريا في طريقه للهرب إلى الجزائر فيقول: "باتت الحياة في قرية "كانا" التي انتمى إليها أمراً مستحيلاً، لم يعد هناك سبيل للعيش، لم تعد هناك زراعة، لم تعد هناك وظائف، هذه الأرض التي عاش عليها أجدادي وآبائي لم يعد لي مكان عليها، لفظتني ولفظة رفاقي، وهكذا كان طريق المجهول. 

والآن يأتي الحديث عن العصابات المسلحة التي تدير هذا العمل الذي أصبح أكثر ربحية من تجارة المخدرات، فيروي إيدي كيف أنه جمع كل ما يستطيع من أموال، باع قطعة الأرض البسيطة التي يمتلكها مع بعض توافه الحياة حتى يكون لديه المبلغ الذي حدده له أحد القراصنة وكان 50 ألف جنية نيجيري أي ما يوازي 100 دولار يجب أن يقبضهم هذا القرصان –وفقاً لوصف إيدي- قبل أن تطأ قدم المهاجر أتوبيس الرحلة الكابوسية. 
وعن تفاصيل الرحلة يقول الشاب النيجيري الذي لم يتجاوز عمره الـ30 بعد: "كان أتوبيساً قديماً، خرب، كان صغيراً جداً أو ربما لأنه كان مكتظاً بالبشر وكان معنا 7 أطفال، ربما يكون هذا الاكتظاظ هو ما دفعني لأن أشعر بأنه أصغر في حجمه من الأتوبيس الطبيعي، وبدأت الرحلة، كان هناك اثنان من القراصنة مدججين بالسلاح لمنع أي من الرحل من التحرك أو الحديث، كانوا يعاملوننا وكأننا عبيد لهم، كنا مضطرين إلى الردوخ، فلم يعد لدينا طريق آخر، لا رجعة الي الوراء الآن". 

دامت رحلة إيدي ورفاقة يومين ينتقلون خلالها من حافلة إلى أخرى، ومع كل تغيير يتغير طقم الحراسة المرافق لهم، حيث تم وضع عدد من النقاط أشبه بنقاط تفتيش على خريطة رسمها القراصنة للطريق حتى الجزائر حيث تجنبوا عبر هذه الخريطة الاحتكاك بأمن الحدود الجزائري، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهيه السفن وانتهت رحلة إيدي بالعودة مرة أخرى إلى أغادير بعد أوقفت السلطات الجزائرية أتوبيس القراصنة فيعود البائسون إلى نقطة الصفر مرة أخرى. 

وتوضح المنظمة الدولية للهجرة، أن رحلات الهجرة إلى ليبيا أو الجزائر لا تنتهى جميعها إلى نفس مصير رحلة إيدي، فبعضهم ينجح بالفعل في الوصول إلى ليبيا، ولكن ذلك لا يعني أن مشكلاتهم قد انتهت وأنه سيبدأون حياة جديدة، خاصة مع الأوضاع غير المستقرة في بلد كليبيا الغنية بالموارد الطبيعي. 

وتأميناً على حديث المنظمة الدولية فإن الصراع الدائر حالياً في لبيبا إضافة إلى قسوة الرحلة التي مر بها هؤلاء المهاجرون وغالبيتهم من الشباب يجعل منهم أرضاً خصبة لرعاية الإرهاب، حيث يجد تنظيم القاعدة والفكر الداعشي في عقول هؤلاء الشباب الاستعداد الكافي لتقبل أفكاره والانتماء إليه.
وهنا تأتي الرواية الثاثة لإبراهيم ديارا من السنغال، كان مزارعاً باسلاً يشرف على حقله ذي المساحة الصغيرة ولمنه كان قانعاً بما يدره عليه من فول وذرة، ثم بدأت الأرض تجف ودرجة الحرارة في الاشتعال، ووجد كل رفاقه يذهبون واحداً بعد آخر إلى مالي للهروب منها إلى المغرب ثم أسبانيا. بقي دياراً صامداً ولكنه في النهاية اضطر إلى الاستسلام، فقطع طريق رفاقه، ولكنه على النقيض لهم وقع في يد تنظيم القاعدة. 

ويحكي الشاب السنغالي عن لقائه بالتنظيم قائلا: "كانوا يبسطون علي الكثير من الصعاب، أقنعوني أن كل ما احتاجه لأكون في أوروبا هو تسلق الاسياج على الحدود الإسبانية، وبعدها سأكون في قارة الجمال والراحة.. أقتنعت بحديثهم الجذاب المبهر خاصة وأنهم زودوني بكم ليس صغيراً من الأموال، لتعاونني في رحلتى السهلة إلى أوروبا"، ويضيف دياراً لم تكن رحلة سهلة عى الإطلاق بل أحد أقسى تجارب حياتي بؤساً وانتهت بعودتي مرة أخرى إلى أغادير، ولكن بعد أن خسرت الكثير في رحلة الشقاء الفاشلة. 

ولعل الحالات الـ3 هي مثال بسيط عما يحدث في القارة السمراء ففي هذا الجانب الجنوبي الغربي من "عنقود العنب" حيث تلتقي النيجر مع نيجيريا وتشاد وكاميرون يوجد نحو 270 ألف مواطن يسعون للهرب بحياتهم من ويلات "بوكو حرام" الإرهابية. ووفقاً لتقارير منظمة الأمم المتحدة فإن 2.4 مليون شخص فروا من أراضيهم وأوطانهم عبر تشاد للنجاة من بطش الإرهاب، من غضب الطبيعة وربما بحثاً عن حياة جديدة.