بقلم: السيد شبل
يتجادل كثيرون حول أزمة ممالك الخليج، في ضوء السياسات التي يمارسها حكامها (أمراء ومشايخ وملوك..)، لكن يبدو وكأن ثمة اتفاق –غير مرئي- بين المتجادلين، ينص على إغفال منشأ الأزمة، الذي يمكن مجاراة "شهوة" الاختصار، وتلخيصه في أمرين، 1) محتل بريطاني قديم فتت وقسّم، 2) أمراء صغار الوزن محكومين بأطماعهم في الثروة والسلطة، أعجبهم التقسيم لأنه يمنح كل واحد قطعة من "التورتة" يتداولها هو ونسله.
تلك هي القصة، ولا يمكن لعاقل أن يتوقع، على سبيل المثال، موقف تتقاطع حروفه مع حروف كلمات مثل (الكرامة والاستقلال والمبدأية..) من سلطة عائلة تحاول تحصين حكمها على جزيرة مثل البحرين، مساحتها أقل من 800 كم2، يعني قريبة من مساحة مدينة العريش المصرية، التي هي واحدة من 6 مدن تشكل محافظة شمال سيناء التي هي تقريبًا نصف مساحة شبه الجزيرة الكلية، التي هي بالنهاية 6 بالمئة من مساحة مصر -هل تتصور حجم الضآلة الجغرافية؟!-.
هذا هو منبت الحكاية، من هناك حين بدأ بيرسي كوكس وجون فليبي، الإنجليزيان، في رسم الخرائط وهندسة المنطقة، وطحنت آلة الامبراطورية القبائل التي كانت تناكف، وأفسحت الطريق أمام الأخرى المطيعة، أو ليّنت بعض المناكفين، باختصار باركت أولئك الراغبين في الحكم، ومن عندها تجمدت البلاد، وارتضت "اللاحداثة"، وتم إجهاض بكل عنف أي محاولة لزحزحتها من رتابتها وتثويرها، مثلما وقع في حق رجال وسيدات ثورة ظفار، التي تعرضت لضربات متتالية من ثلاث جهات (حكام عُمان، والاستعمار البريطاني، وإيران الشاه) تلك الثورة المنسية –ثورة ظفار من 65 حتى 75- حتى عند مؤرخي الثورات العربية "الثورات الحقيقية"!.
مخطيء جدا من يجاري الإعلام المموّل خليجيًا، وهو لم يعد محليًا فقط، فيقز بخفة نحو سردية شديدة السذاجة ترى (الخليج واحد)، الحقيقة أن العكس هو الصحيح، ول نعني فقط موقف حكام السلطنة (عُمان) الذين يبدون مفارقين للجماعة في تحالفاتهم الإقليمية، ومواقفهم السياسية، بل نعني حتى على مستوى بنية الحكم ذاتها، الحقيقة أن جزء معتبر من عمالة ودوران هؤلاء "القادة" في فلك الأوروأمريكي، مبني بالأساس على هلعهم من بعضهم (آل ثاني يخشون جيرانهم، وآل نهيان يخافون من أن تبتلعهم السعودية يومًا، لذا ينافقون تارات، ويناورن، إن سمحت الظروف، أحيانًا.. حتى حماتهم هم من "شركات الأمن الأجنبية -البلاك ووترز، مثلا-" لأنهم يخشون تأسيس جيش من السكان يتأثر يومًا بفتاوى الوهابية حليفة آل سعود).
من المفيد هنا ذكر، حقل الشيبة وخور العديد (وهي بعض من مناطق حدودية خلافية بين الإمارات والسعودية) وكذلك "الفيتو" السعودي الذي يعطل جسر الإمارات مع قطر بذريعة أنه يمر فوق المياه الإقليمية للسعودية، بينما الحقيقة أن ملوك الرياض يخشون وحدة أو تلاقي بين الفرقاء لا يمر من حدوهم التي تطل في هذه القطة ك،"نتوء"!، وكذلك الخلافات الحدودية بين آل ثاني وآل خليفة حول جزر (حور وفشت ديبل) وصل إلى محكمة العدل الدولية في "لاهاي"!.
عندما نسمع، حاليًا، بالتزامن مع الاختراقات الغربية التي لوّنت الحراك الجماهيري في الشارع العربي وحرفت طريقها ووظفتها وساقتها إلى المؤامرة، ماذا نعني بالمؤامرة؟ أليس، تقسيم الأقطار الوطنية العربية -المقسّمة أصلًا- إلى كانتونات صغيرة متحاربة ومتطاحنة، ويضمن الخارج الغربي الطامع في الهمينة من خلال هذه الصيغة ولاء الكل له.. إليك الضفة الغربية من الخليج، هذا نتاج (مخطط خارجي قديم).. باختصار.
اللطيف، جدًا أن حضور رئيسة وزراء بريطانيا "تيريزا ماي" قمة التعاون الخليجي أمس 7 ديسمبر 2016، قد أثار عالم "السوشيال ميديا"، خاصة تصريحاتها التي بان منها تصعيد في التحالف بين بريطانيا والخليج، وأن ثممة محاولات لتوسيع العلاقة هناك، وحديث عن توظيف للمال الخليجي في لندن، وعزف على موجة العداء لإيران؛ لكن اللطيف، أو على الأصح، العجيب.. أن افتتاح القاعدة البريطانية بحضور الأمير تشارلز في أكتوبر الماضي، مر مرور الكرام (كأن أفعال حكام هذه المنطقة، لم تعد توقّف أحد، لاعتياد السيء منهم!!)، حتى أن تخفيف السلطات البحرينية للمسألة بوصف القاعدة بأنها مجرد "مرافق تسهيلات إسناد للبحرية البريطانية" بدا وكأنه بلا داعي، لانتفاء الناقدين أصلا.. لكن ماذا عن القاعدة الأمريكية الكبيرة: موطن القيادة المركزية للقوات البحرية والأسطول الخامس الأمريكي، الموجودة منذ السبعنيات، والتي شهدت تطورات متتالية منذ منتصف التسعينات، والتي انطلقت منها عملية احتلال العراق وقبلها افغانستان؟!.. هل من سائل عنها؟!.. عندما نبدأ في طرح مثل هذا السؤال، نكون قد فهمنا ما هو مفتاح علاج أزمة الخليج، لأن العلاج الصحيح يبدأ بالتشخيص السليم.
ممالك الخليج.. ميراث الاستعمار، وأطماع الحاكمين
2016-12-10