2024-11-27 08:49 م

انهيار الوثن العثماني في حلب .. كيف مات الاله وتوقف قلبه .. وبقي جسده؟؟

2016-12-05
بقلم: نارام سرجون
لايموت الحب بين اثنين الا عندما يسقط أحد الحبيبين في خيبة الأمل المريرة .. خيبة الأمل غالبا تظهر بعد الزواج .. وأحيانا في يوم الزفاف .. وقصة الحب الكبيرة التي نشأت بين الاسلاميين وأردوغان هي احدى تلك القصص الرومانسية التي صمدت الى يوم الزفاف في حلب .. وفي يوم الزفاف ظهر أردوغان على حقيقته .. وهو أنه عريس نصاب أكل في عقل العروس حلاوة .. الاعجاب الاخواني والاسلامي بأردوغان كان قد وصل مرحلة أنه أعطي شيكا على بياض فهو يطلب فيعطى .. طلب حلب فقدمت له وطلب الموصل فأهداها اياه أثيل النجيفي .. وطلب مصر فجاء اليه محمد مرسي يعمده بماء النيل .. وطلب غزة وحماس فركعت بين يديه وغسلت رجليه وحذاءه بدماء الشهداء في غزة .. وزاد افتخار الاسلاميين وافتتانهم به عندما أسقط طائرة السوخوي الروسية التي جعلت محبيه يعتقدون انه قوي لدرجة انه داس في بطن روسيا النووية متحديا ولم يهتز له جفن من أجل الثورة السورية ..
ولم اكن أتوقع أن الرومانسية الاخوانية كانت عميقة الى هذا الحد وأنها كانت تصنع وثنا اسمه رجب طيب اردوغان .. الرومانسية الاخوانية لم تتأثر ولم تبال عندما اعتذر عن اسقاط الطائرة وركع أمام بوتين وانحنى للاسرائيليين ودفن قتلاه التسعة الذين سقطوا أمام بحر غزة بصمت بل وهرول لنيل الرضا وتبادل السفراء .. والرومانسية الاخوانية غفرت لاردوغان سكوته عن مهرجانات الشذوذ الجنسي على أبواب المساجد العثمانية في صلوات الجمعة .. والرومانسية الاخوانية لم تتأثر عندما اكتشف الناس أن الرجل فاسد ماليا كغيره من الحكام وأن عائلته تغرف من نفوذ السلطة حتى صار بلال اردوغان مثل ابن أمير عربي نفطي تبلغ موازنة أعماله ومشاريعه عشرات مليارات الدولارات وأن أمينة أردوغان تحتكر قطاع الاعمال الصحية التركي .. ولم تتأثر الرومانسية الاخوانية بحقيقة ان داعش تبيع وتشتري من السلطان وأن السلطان هو الذي يذبح وهو يرتدي قفازات داعش التي نفّرت الدنيا من الاسلام .. كل هذا لم يسقط الوثن العثماني وظلت الرومانسية الاخوانية تنظر اليه على انه هدية السماء الى الأمة في أدق لحظات عمرها وكان من المحال أن تنتقد الرجل لأن هناك من يراه نبيا معصوما .. وعندما وقعت محاولة الانقلاب صلى الاسلاميون في العالم وركعوا أن يسلم أردوغانهم وأيقونتهم .. وأمسكوا قلوبهم ونذروا النذور والقرابين .. فاستجاب الله لدعائهم وترك لهم أردوغانهم ..
أما المفاجأة فهي أن كل ماسبق لم يسقط الوثن الذي بقي شاهقا ويقف مثل تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس في بغداد يحييهم بيده .. الى أن سقطت أحياء حلب بالتتابع وحررها الجيش العربي السوري .. الوثن سقط في حلب وعبدة الوثن التركي اكتشفوا اليوم أن الأوثان لاتضر ولاتنفع لأن أحباءه كانوا ينتظرونه ليعبر الحدود على حصانه الأطلسي الأبلق كما فعل الخليفة العباسي المعتصم عندما نقل عنه استغاثة (وامعتصماه) .. الارهابيون المحاصرون في حلب يصرخون وارجباه .. واأردوغاناه .. ولكن لاشيء غير الريح وعواصف الطائرات وأجنحة الميمنة والميسرة للجيش السوري .. وكل العنتريات التركية ظهرت انها تمثيلية حب من نصاب محترف ..
الارهابيون كانوا قد دخلوا مع أردوغان بتحالف مقدس وهو أن يقاتلوا معا وأن ينتصروا معا وأن يهزموا معا .. ووضعوا لذلك كل بيضهم في سلته .. لكن أردوغان التزم فقط بالشق الذي كان فيه ينتصر بدماء المسلحين في حلب فدفعهم في مقدمة جيشه الذي أوهمهم انه ينتظر الاشارة للدخول وراءهم .. أما هم فماتوا من أجله بلا ثمن .. ولكن عندما جاء وقت سداد الدين والدفاع عنهم كما دافعوا عن ولائهم له وكما استبسلوا في سبيله وأهدوه مصانع حلب وولاية حلب وبيعة حلب .. عندما جاء وقت رد الدين وحوصروا في حلب وقف السلطان عند “الباب” ينظر اليهم صامتا .. ولم يغامر من أجلهم ولابجندي او دبابة .. ولم يستعمل ثقل الجيش العثماني ولاالانكشاري الأطلسي الذي يعتبر ثاني جيوش الأطلسي بعد الامريكي مباشرة .. حتى الصراخ الذي اشتهر به وكان يهدد به غاص وغرق في البحر كما يغوص حذاء قديم مثقوب ومليء بالمسامير .. بل واضطر عندما قال منذ أيام أنه دخل لينهي حكم الأسد .. اضطر لأن يلف كلامه في سندويشة شاورما تركية ويبتلعه معتذرا عن تهديده الذي تفوّه به بعد أن وبخه بوتين عليه توبيخا قاسيا ..
كل الرومانسية سقطت ولخصتها عبارة قالها أحد الثورجيين في اجتماع تسرب الينا مع ضباط ارتباط اتراك في استانبول بالأمس بعد مجادلات ومعاتبات لانقاذ حلب .. ولكن اجمل ماقاله الثورجي الاخواني هو أن يبلغ الضباط الأتراك مكتب أردوغان مايلي: انني أخشى أن يكون الثوار السوريون قد غيروا رأيهم في الزعيم أردوغان .. لأنه سمع من بعضهم أنه كان أفضل لهم الف مرة لو نجح الانقلاب العسكري على أردوغان لأنهم عندها سيخسرون معركة حلب وهم يعلمون أن بطلهم غاب وان غيابه هو سبب الهزيمة .. وسيكتب التاريخ أنه لو لم ينجح الانقلاب التركي لما سقطت حلب .. وأن الأسد دخل حلب عندما سقط الزعيم أردوغان فقط .. ان أكبر مرارة لدينا هي أننا هزمنا في زمن لايزال فيه أردوغان على عرشه … وربما لو توفي أردوغان قبل معركة حلب لتم تخليده كبطل من أبطال الاسلام الأوائل لأنه عندها سيبقى الرمز الذي لايموت ونبحث عن تكراره .. ولكن اليوم بقي أردوغان وسقط الرمز .. ولم يعد يمكن أن ينظر اليه التاريخ الاسلامي الا على أنه قائد تعثر وتلعثم وتقهقر في أهم لحظة .. وتصرف مثل أي قائد لايحب المغامرة .. ويترك جنوده في أشداق الموت .. وينسحب أو يتفرج على قتلهم ..
وهذه حقيقة لامراء فيها .. وهي أن القادة التاريخيين الذين يقودون الاحلام الرومانسية يموتون عندما تصاب الأمة بخيبة الأمل فيهم اثر هزيمة كبيرة .. كما حدث مع الزعيم الكبير عبد الناصر الذي كانت نكسة حزيران نهايته كبطل فيما الأمة تنتظر منه النصر الحتمي لا الهزيمة .. خيبة الامل بناصر عندما هزم – بمؤامرة كبيرة سعودية امريكية – جعلت الناس يفقدون الى حد ما الثقة بمشروعه الطموح القومي .. فجاء السادات رغم ضآلته الفكرية والسياسية وهشم عصر عبد الناصر المشروخ بالهزيمة بسهولة لأن السادات ببساطة قدم نفسه على أنه صاحب النصر في أكتوبر مقابل صاحب الهزيمة في حزيران .. وقد اتكأ على خيبة أمل الناس في ناصر .. واتكأ على الهزيمة القاسية لناصر .. ووضع أمامهم مشروعه المناقض لمشروع ناصر وهو مصر أولا وسيناء قبل فلسطين .. وبدل أن كانت 99% من أوراق الحل في مصر اقنع السادات الناس أن العكس هو الصحيح وأن 99% من أوراق الحل بيد أمريكا واسرائيل .. حتى صار السادات لايزرع ولايصنع بل ينتظر حتى الخبز ليأتيه بالبواخر من أمريكا وصارت امريكا لديها 99% من الاقتصاد المصري المنفتح و99% من الخبز المصري ..
وطبعا ليس هناك مجال للمقارنة بين شخصيتي عبد الناصر وأردوغان .. فالأول بني مصر ونقلها من الملكية الى الجمهورية ومنحها استقلالها وزعامتها في العالم فيما الثاني ورث تركيا الجمهورية وحولها الى سلطنة يريد ان يحكمها عشرات السنين .. وهو لم يقدر على اخراج تركيا من العبودية للناتو .. وحوّل تركيا الى دولة دواعش ودولة تستجدي الغفران من روسيا واسرائيل وتصبح أكثر دولة منبوذة ومكروهة في العالم الى جانب السعودية .. ولكن كلا الرجلين ناصر وأردوغان كان له مشروعه الطموح .. وله محبوه الرومانسيون .. وقيامهما نشأ على الرومانسية الشعبية الطاغية والخطاب الجماهيري الحماسي .. ولكن لكل منهما هزيمته التي كتبت نهاية أسطورته .. حرب حزيران أنهت عهد عبد الناصر للأسف .. وحرب حلب أنهت اسطورة البطل أردوغان في أعين من انتظره طويلا كي يدخل حلب .. لاأن يخرج منها مهزوما مدحورا .. خيبة الأمل ليس لها قعر ولاقرار في النفوس التي أعجبت بأردوغان .. حتى تمنى من يحبه لو أن الرجل مات أو سقط في الانقلاب قبل أن يسقط وثنه في حلب .. ولكن الله لم يستجب دعاءهم هذه المرة وسيتركه لهم جسدا بلا روح ينبشون في سيرته وتخاذله ..
اردوغان وان بدا يتحرك أمامكم الا أنه في الحقيقة مات .. كما صرخ نيشته يوما قائلا في رمزية الى نهاية الأديان: ان الله قد مات .. فان حلب تقول لكم: ان اله الاسلاميين قد مات في حلب ..