2024-11-24 02:03 م

سدُّ النهضة الإثيوبي وأثره على الأمن المائي لمصر

2016-11-28
بقلم: عميرة ايسر
سدُ النهضة الإثيوبي والذي شرعت الحكومة في "اديسا بابا " في بناءه وانطلقت الأشغال به رسمياً بتاريخ فبراير 2011 ،وذلك من أجل رفع احتياطاتهاً من المياه المُخزنة والتي تعتبر عاملاً هاماً وسلاحاً استراتيجيًا في مواجهة الدولة المصرية .فإثيوبيا التي تربطها علاقات سياسية واقتصادية مع إسرائيل تحاول بشتى الطرق والوسائل ضرب استقرار مصر والنيل من سيادتها ،واستخدمت سلاحاً حيوياَ يعتبر شريان الاقتصاد المصري وهو نهر النيل الذي يعتبر السودان التي يقام السد على حدودها الجنوبية .فمصر تعتبر أهم دول المصبّ فيه حيث أنه ينبع من غابات إفريقيا الاستوائية ،وخاصة "النيل الأزرق" وحسب تقديرات الخبراء في إثيوبيا فإن سعة السدّ كانت في المخطط ما بين 11و24مليار متر مكعب من المياه لترتفع وتصبح 74مليار متر مكعب وستستعمل في إنتاج ما يربو عن 500كيلو واط من الكهرباء أي ما يعادل 3 أضعاف الإنتاج الحالي، وستكون تكلفة انجازه في حدود 4.8مليار دولار وسينتهي في سنة 2017-2018أما ارتفاعه فسيصل إلى 145مترا عوض 85متر، وهذا السد ستقع تكلفة انجازه في أكثر من 90بالمئة منها على عاتق الحكومة الإثيوبية بعد أن رفض البنك الدولي تمويل جزء من المشروع لعدم جدواه الاقتصادية وعدم إتفاق دول المصب على كيفية الانجاز،واعتراض شرائح واسعة من الخبراء والسياسيين في كل من القاهرة والخرطوم على عملية انجازه. - فهذا يخالف حسب رأيهم بنود أخر اتفاقية وقعت من أجلِ تقاسم مياه النيل بين الدول الثلاثة وكانت أهمها "اتفاقية سنة 1929" والتي تعطي لمصر حق الاعتراض على أي سدّ تبنيه إثيوبيا أو كينيا على نهر النيل أو أي من روافده دون موافقة القاهرة . ووقعت بين مصر وبريطانيا التي كانت تمثل كلاً من كينيا ،والسودان ،وتنزانيا ،وأوغندا ،ونصت على أنَ لمصر حق الاستفادة من مياه "بحيرة فيكتوريا". فتمَّ تخصيص نسبة 7.7من التدفق لصالح السودان وحوالي 92 لمصر، وتقول إثيوبيا أن مصر ستكون لها استفادة مهمة هي والسودان من عملية بناء السد حيث من المفروض أنَ السدّ سيقوم بجمع طمي النيل الأزرق مما يطيل عمر السدود السودانية ،والسد العالي المصري .وزد على ذلك أنهُ سيقوم بتخفيف حمل وزن المياه المخزنة عند بحيرة السد العالي والتي تسبب بعض الزلازل الضعيفة في "منطقة أسوان" ولكن من أثاره السلبية أن كلاَ الدولتان ستفقدان كمية مياه تعادل سعة تخزين المياه بالسد في المرة الأولى ،وهناك عدة خبراء عرب وأفارقة كالأستاذ "أحمد ألفقي" العضو المستقيل من "اللجنة الدولية لسدِّ النهضة " مجمعون على أن اتفاق المبادئ الذي وقع بين مصر وإثيوبيا في العاصمة اديسا بيبا ،وبحضور الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" لا يعطي للقاهرة نقطة مياه واحدة وستكون له نتائج كارثية على الاقتصاد المصري مستقبلاً. - فمصر تعاني أصلا من عجزًا في المياه يصل سنويًا إلى أزيد من 30مليار متر مكعب إضافة إلى أنَ أزيد من 80بالمئة من السكان لا تصلهم المياه الصالحة للشرب ،وحوالي 50بالمئة من القرى مَحرومة منها مماَ سيؤدي إلى تهديد أراضي "كفر الشيخ" مثلا بالبوار التام .ولا ننسى بأنَ أزيد من 170ألف فدان من الأراضي الواقعة شرق قناة السويس، تعاني العطش ، وقلة المياه الصالحة للرَّي والزراعة وأما م كل هذه الأخطار التي تهدد الاقتصاد الزراعي المصري ،وأمنه المائي شكلت الحكومة المصرية بالتعاون مع السودان و"مكتب دراسات - هولندي وفرنسي" لجنة من أجل دراسة الوضع وتقييمه ولكن الشيء الذي يثير الاستغراب هو صمت الحكومة المصرية منذ 2011 وإلى ألان وعجزهاَ عن اتخَاذ إجراءات ردعية حازمة من أجل إلجام إثيوبيا ووقفها عند حدهاَ . - فرغم أنَ الأزمة السياسية التي تمر بها القاهرة حاليا ،وتردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية والإرهاب الذي يضرب سيناء منذ مدة ليست إلا نتيجة للسلسة من التراكمات الأمنية والاجتماعية ،وعجز الدولة عن إيجاد حل ناجع وشامل للازمات التي تتخبط فيها الدولة.فأزمة الحكم وفقدان الشرعية للرئيس الحالي وهذا ما يراه قطاع من الشعب فضلاً عن النخب المصرية وامتداداتها في دول إقليمية أخرى مهمة "كتركيا "،وحتى "قطر" يجعل الرئيس وحكومته يتريثون قبل اتخاذ قرارات مصيرية قد تكون لها نتائج عكسية على الأوضاع الداخلية للبلاد ، وتجعل دولا لها مصالح مهمة في مصر تسعى لإستعمال هذه الأوراق مجتمعة من أجل الضغط على صناع القرار فيها لتقديم تنازلات في قضايا محورية في المنطقة. فمصر تحيط بها الأخطار من كل جانب فالأوضاع الأمنية في ليبيا غير مستقرة وكذلك في السودان مرورًا بسيناء والصحراء الكبرى، وتلعب "تل أبيب" دوراً رئيسيًا في التحريض ضدَّ القاهرة ،ومحاولة إضعافها أكثر لأن الجيش المصري يشكل تهديدَا مباشرَا لوجود الكيان الصهيوني رغم الاتفاقيات الأمنية والسياسية التي عقدت بين البلدين ،ولكن نظرة فاحصة على الحركة الاجتماعية في إسرائيل وقراءة في عقول صناع القرار فيه تعكس كرهَا ومقتَا لهذه الدولة العربية المحورية ، ومحاولة تحطيمها عن طريق الدسَائس والمؤامرات حتى ولو كانت حكومتهَا موالية لإسرائيل، وتخدم نفس مشروعها في المنطقة كما يتهمهَا بذلك أعداءهَا. - ورغم كل الضمانَات التي قدمتها إثيوبيا إلا أن بناءها لسدود أخرى علي حدودها مع مصر كسد "جيلجل " 1و"جيلجل "2و"جيلجل " 3وسدّ "تانا وبيليس" وكل هذه السدود بنتها الحكومة السودانية في ظرف قياسي، ولكن محاولتها التغطية على أهدافها الحقيقية والإدعاء في كل مرة أنَ هدفها الأساسي هو إنهاء أزمة الطاقة الكهربائية التي تعانيها البلاد منذ سنوات أصبحت محل شك مريب ومزمن. وهذا ما دفع الدكتور المصري و"الخبير في الشؤون الإفريقية" وعضو "مركز الأهرام - للدراسات الدولية والإستراتيجية" "هاني أرسلان" إلى التَّأكيد من خلال دراسة معمَّقة قام بها أنه في حال الانتهاء من إنجاز مشروع سد النهضة . فإن كل 5مليار متر مكعب منَ المياه ستؤدي إلى بوار 1 مليون فدَّان من أراضي مصر الزراعية ، وهذا ما سيحيل 2 مليون شخص على البطالة ويدفع بهم إلى النزوح لأطراف المدن الكبرى وسيخلق أزمة تنموية كبرى ستتحمل تكاليفها الدولة المصرية . وستكون لها أثار مدمرة على تركيبة النسيج الاجتماعي المصري وتناسقه وستشكل عبئا اقتصاديا سيرهق كاهل الدولة وسيثقله- فالدكتور هاني يرى أن الهدف الرئيسي من بناء سدّ بهذا الحجم هو تهديدا المصالح القومية المائية العليا لدول المصب .وتحول أثيوبيا إلى دولة تعمل في تجارة المياه ،وتستعملها كسلاح اقتصادي هام ومورد دخل لها بالعملة الصعبة. - فالمَعروف بأنَ هناك العديد من الدول في القارة الإفريقية تعاني من موجات جفاف شديدة وهي بحاجة ماسة إلى شراء كميات معتبرة من المياه الصالحة للشرب وأعمال الزراعة وهذا ما ستستغله إثيوبيا لصالحها .وتتحول بفضل سد النهضة إلى اكبر بلد في إفريقيا به مخزونات إستراتيجية من المياه قد تستعملها حتَّى في عملية التأثير السياسي على صناع القرار في تلك الدول العضوة بطبيعة الحال في الاتحاد الإفريقي، مما سيجعلها قوة إقليمية عظمى في غرب القارة السمراء ويعطي لها حجما أكبرَ من إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية بكثير ،ورغم كل هذه التحذيرات والدراسات إلا أن الأخطر في الأمر والأنكى حسب رأي الدكتور "ووزير الري - السابق" "محمد مهدي علاَّم" أن إثيوبيا تتبرأ وتتنصَّل من كل الاتفاقيات الموقعة مع الجانب المصري بخصوص تقاسم المياه أنهار النيل" كالاتفاقية عنتيبي" وتضرب بعرض الحائط كل مقررات الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في هذا الجانب. - فمصر التي تريد الحلَّ السياسي السلمي لا ترى الأبعاد الأخرى الأشدَّ خطورة لهذا المشروع. فدول كبرى كالصين التي تنافس مصر بشدَّة في موضوع النفوذ على القارة من خلال أذرعها وشركاتها الاقتصادية المنتشرة في معظم الدول الإفريقية إن لم تكن كلها ، فبكين أبدت استعدادها لدعم المشروع الإثيوبي ودعمه مالياً وتقنياً وبالتالي سيكون لها إنْ حصل ذلك أسهم في السدّ وتأثير على إثيوبيا ،وهذا ما سيفقد مصر تدريجيَا دورها الحيوي في منطقة غرب القارة الإفريقية ويضيق عليها الخناق فكل الخطوات المصرية لحد الآن غير ذات جدوى حسب رأي الخبراء ستسَاهم في ازدياد التعنُّت الإثيوبي وستدفع دولا أخري ككينيا مثلاً إلى القيام بخطوات مشابهة لما قامت به إثيوبيا من أجل ضمان حصتها من المياه ،واستخدامها للتنمية الاقتصادية والزراعية وهذا إن حدث سيكون له تبعات خطيرة جدًا على أمن مصر واستقرارها كبلد يعتمد على مياه النيل من أجل ضمان أمنه الغذائي إلى حد بعيد. مما قد يشعل حرب مياه إقليميةً كبرى في المنطقة ستشارك فيها عدة دول من أجل الظفر بحصص مهمة من مياه نهر النيل ، وحتى حلفاء مصر التقليديين كالسعودية التي لها استثمارات زراعية ضخمة في إثيوبيا عن طريق "مؤسسة ألراجحي" وغيرها من المؤسسات المقربة من القصر الملكي ستقف إلى الجانب الإثيوبي من أجلِ ضمان مصالحها في هذه الدولة ،أو ستقرب وجهات النظر بين البلدين وستضع المصلحة الإثيوبية في المقدمة من أجل ضمان سماح الحكومة الإثيوبية لهَا بتوسيع نفوذ ها الاقتصادي في هذا البلد . - وجعله قاعدة للتوغُّل في إفريقيا وتحويلها إلى أحد قواعد النفوذ والتأثير السعودي فيها، ورغم أن هناك من يطالب القاهرة بالقيام بضربة جوية خاطفة على السدِّ من أجل إزالته من الوجود قبل انتهاءه لأن كل الدراسات الجادة والأكاديمية من خبراء مصريين وعرب ، وأجانب تأكد بما لا يدع أدنى مجال للخطأ العلمي ،أو الإحصائي أنَ مصر ستتضرر بشكل مهول من عملية بناءه ،وهذا الأمر سيضع القيادة المصرية مستقبلاً في حرج شديد داخليًا وإقليميًا ودوليًا فهل ستأخذ القيادة في القاهرة برأي كل هؤلاء ،وتعيد المارد الإثيوبي إلا قمقمه قبل يتحولَ إلى قوة فتاكة في المنطقة أم أن اللغة الديبلوماسة والضغوط الإقليمية، والدولية ستحول دون ذلك وتحول مصر. بالتالي إلى بلد ضعيف ومنهك ومهددٌ في أمنه المَائي.
كاتب جزائري